الخميس، 10 يناير 2013


 
 
 
 

 
 
 
 

 
 
 
 


علم وفن إدارة الوقت
 

 
 

ترجمة وإعداد: يوسف ش. النجار
مراجعة: منير كنعان


الجزء الأول 
 نَظِّمْ وقتك
الجزء الأول 
 نَظِّمْ وقتك رقم
الصفحة
الفصل الأول
كيف تنسق عملك
كيف تنجز قدراً أكبر من العمل
بقلم : جون كورد لجيمان
عشرة أفكار مفيدة تساعدك
 على استخدام وقتك 
بقلم : إدوين سي . بليس
ما البراعة في التأخير ؟ 
بقلم : دون وارتون
أثمن شيء يمكن أن ينفقه الإنسان
بقلم : مرغريت بلير جونستون
اجعل حياتك أبسط
بقلم : مارتن إي . مارتي
اعمل أقل وأنجز أكثر
بقلم : مايكل ليبوف
استفد أقصى ما يمكن
 من اللحظات العارضة
بقلم : جين برادفورد
الفصل الثاني
كيف تتغلب 
على ضغوط الوقت
قناصة الوقت الصغار
بقلم : ريتشارد هـ . هوفمان ( طبيب )
كيف تتجاوز التعب
بقلم : جوديث تشيس تشرشل
كيف تقول لا
بقلم : فانس باكارد
تمهّل
بقلم : م . فريدمان (طبيب)
اعرف اللحظة المناسبة
بقلم : آرثر غوردون
الفصل الثالث
جِدّ وقتاً للأمور التي 
تعتبر مهمة
 أفسح وقتاً للحب 
بقلم : جين برادفورد
أين مضى كل الآباء ؟
بقلم : ليستر فيلي
اترك وقتاً للأمور البسيطة
بقلم اليزابيث ستار هيل
الآن حيث هناك وقت   
بقلم : اد بارتلي
الجزء الثاني 
نَظّمْ حياتك
الفصل الرابع  
ضَعّ خطة لحياتك
سبع خطوات نحو حرية شخصية أكبر
بقلم : فانس بكارد
كيف تكون أكثر نجاحاً
بقلم : إدوين ديموند
َطِّطْ لحياةٍ أطولْ
بقلم : بليك كلارك 
الفصل الخامس
تنظيم أسلوب الحياة
الدعوة إلى أسلوب حياة أفضل
بقلم : لورنس إس.روكفلر
كيفَ تستفيد أكثر من إجازتك 
بقلم : ويلبور كروس
كيف تستفيد أكثر من قراءاتك 
بقلم : جون كورد لاجيمان
كيف تستفيد أكثر من العطلة الأسبوعية
بقلم : فاريل كروس
مسألة حياة أو موت 
بقلم : أرلين سيلبرمان
التأمين ضِدَّ أَخطائك !
بقلم : الدكتور كيث ريمتسما
الجزء الثالث
نَظّمْ نفسك
الفصل السادس 
السيطرة على الذات
إستراتيجية العيش اليومي
بقلم :آري كييف (طبيب)
تَحَكَّمْ في أمزجتك 
بقلم : ديفيد إس. فسكوت (طبيب)
سيطرْ على العوائق
بقلم : نورمان فنسنت بيل(دكتور في اللاهوت)
كيف تُسيطرْ على الإحباط
بقلم : ستيوارت تشيس
لكلٍ منّا حِصنٌ يجب الدفاع عنه
بقلم : آي.أ.ر. وايلي 
الفصل السابع 
التَمّاسُك
(لَملِمّ شَعث نفسك)
لماذا تُرتَكبْ أخطاء
بقلم : دونالد أ.نورمان
هل ينبغي عليك أن ترى طبيباً مهنياً ؟
بقلم : لستر فيلي
يمكنك التوقف عن التسويف
بقلم : نورمان فنسنت بيل(دكتوراه في اللاهوت)
كيف تكون أفضل صديق لنفسك
بقلم : ملدرد نيومان وبرنارد بيركوتيز مع جين أوين
نَظّمْ  هُمومَك
بقلم : جويس ليوبولد
أضف "إشراقة" إلى عملك 
بقلم : جون كورد لاجيمان
الفصل الثامن
دَعّ الروتين ، وعليك بالجديد !
ثماني خطوات إلى حياةٍ جديدةٍ 
بقلم : نورمان فنسنت بيل (دكتور في اللاهوت)
واجه المشكلة الآن بقلم : أوسكار شيسغال
أبداً لاتقلْ "أبداً"  بقلم : مايكل دروري  
تحويل الفشل إلى نجاح
بقلم : فريدل مينارد
التعامل مع صدمة المستقبل
بقلم : ألفن توفلر
صدمة السعادة بقلم : جورج كنت  
إذا كنت سأموت قبل أن أستيقظ
بقلم : أرديس ويتمان





الجزء الأول 
 نَظِّمْ وقتك

الفصل الأول
كيف تنسق عملك

 
كيف تنجز قدراً أكبر من العمل
بقلم : جون كورد لجيمان

كلما قابلت أحداً يتمتع بموهبة خاصة لإنجاز الأمور أصر على سؤاله :  " كيف تفعل ذلك ؟ "وقد وجدت أن الإجابات (حكم تجريبية) تندرج في خانة (الحكمة العملية) أكثر من فئة البحـث العلمـي - ولكنها تنجـح . وإليكـم الأساليب التي أخـبرني رجال ونساء مثقلون بالعمل في طائفة واسعة من المهن بأنها مفيدة جداً :
ابدأ العمل :
قال الراحل أدلاي ستيفينسن ، عندما سألته كيف كان يتمكن من كتابة كل خطاباته، إضافة إلى القيام بكل واجباته الرسمية كمندوب للولايات المتحدة في الأمم المتحدة ؟ ً فأجاب : هناك خطوتان لإنجاز أي مهمة،  الخطوة الأولى أن تبدأ، والخطوة الثانية أن تبـدأ ثانية، والأولى هي الأصعب . 
   إن القيام ببداية جيدة في مشروع، جديد، تماثل قيامك بأول قفزة لك بالمظلة . إنها تتطلب الشجاعة . ففي سن الأربعين اتخذ ونستون تشرشل الرسم كهواية، وكان تشرشل يتذكر قائلاً : " مزجت ، وبحذر شديد ، قليلاً من الدهان الأزرق بفرشاة صغيرة جداً ، ثم عملت ، وبحذر متناه ، علامة تقرب من حجم حبة فول صغيرة على اللوحة البيضاء كالثلج .  في تلك اللحظة دخـلت صديقة كانت زوجة رسام الغرفة وهتفت: "ولكن لماذا التردد ؟" وأمسكت بالفرشاة وضربت قماشة الرسم ضربات عنيفة كبيرة. وختم تشرشل كلامه قائلاً : " فتحطم السحر، ولم أشعر أبداً بأي رهبة من قماشة الرسم منذ ذلك الحين "، إن هذا أيضاً جزء كبير من معالجة وإتقان أي عمل جديد .
- اختر ضابط إيقاع : كل مدرب يعرف أن أفضل طريقة لتحـسين أداء لاعـب هو أن يقرنه مع ضـابطي إيقاع - (وهم لاعبون بارزون يضعون معايير عالية من المهارة والجلد). ففي كرة المضرب      ( التنس ) ، على سبيل المثال ، من المستحيل حتى على لاعب من الطراز الأول أن يظهر ما يمكنه فعله إذا كان منافسه لاعباً ضعيفاً .ويقول دينيس رالستون ، الذي حل ثلاث مرات في المركز الأول كلاعب كرة مضرب هاو في الولايات المتحدة قبل أن يتحول إلى محترف : " المشكلة الأولى عند التـدريب هي أن تجد الخصم الذي هـو أفضل منـك قليلاً وتتعلم كيف تهزمه في لعبته الخاصة " . في كل مكتب ، وفي كل مسعى ، هناك ضابط إيقاع واحد على الأقل ، ومجرد مراقبته وهو يعمل يمكن أن يحفزك لإنجاز المزيد . ومرة أبلغ الممول جيمس لينغ  الذي قام بتوسيع عمل صغير في المقاولات الكهربائية في تكساس ليصبح شركة لينغ - تيمكو - فوت ، أحد المراسلين الصحفيين قائلاً : " أول شيء أقوم به عندما أتولى مشروعاً جديداً هو أن أحدد أفضل رجـل في هذا الميدان . ويكون التحـدي الأولي لي أن ألحق به . والثـاني أن أتخطـاه . وكلما كان أفضل ، كلما تحرك كلانا بشكل أسرع . "
- تدبر أمر وقتك :
الوقت هو رأسمال عملنا وقد قال المستشار الإداري المشهور بيتر دراكـر في كتابـه " الإداري الفعال ":
 " حسن التصرف بالوقت هو المشكلة رقم /1/ لكل فرد .وأولئك الذين ينجزون الأعمال فعلاً لا يبدؤون بعملهم  بل يبدؤون بوقتهم . فالوقت مثل النقود، له أسلوب في التلاشي - بعض هنا وبعض هناك إلى أن تجد نفسك تسأل في نهاية يوم مزدحم بالعمل، " أين ذهب ؟ " ولا يمكن أن يتبقى لك وقت لاستعمالك الشخصي إلا من خلال تنظيم وتوزيع ساعات ودقائق اليوم .
إن هذا الوقت الموزع بتعقل  "هـو الذي يسـتخلص الحـرية من الإرهاق ، ويمنحنا إحساساً بالتفوق ونحن ننجز العمل".
إن أحد أكثر الأساليب فعالية للتصرف بالوقت هو الأسلوب البسيط القائم على وضع موعد نهائي للإنجاز، ففي مرة قضيت مع ابني أسبوعاً لوحدنا في الريف، وكان علينا أن نقوم بكل العمل المنزلي، ولكننا كنا نؤجل القيام بالأعمال المنزلية الروتينية إلى أن أصبح المنزل في حالة فوضى، وفي إحدى الليالي راهنت الولدين على دولار بأنني أستطيع أن أنجز تنظيف أطباق العشاء في عشر دقائق ، فقبلا الرهان ، وقد انتهيت في اللحظة الأخيرة تماماً، وفي الليلة التالية خفّض ولدي دقيقتين من رقمي الذي سجلته ، وبدأنا نضع حداً زمنياً للمهام المنزلية الأخرى ، فوجدنا أننا نستطيع أن نجعل الأشياء مرتبة جيداً خلال ما لا يزيد على ساعة من العمل المركز، وأصبح باقي اليوم لنا نفعل به ما نحب .
- اتركها وعد إليها :
كانت إحـدى وظائفـي بعد تخـرجـي مـن الكـلية، في جهاز البحث لمجلة وطنيـة ، وعندما أعطاني المحرر أول فرصة كبيرة لي لكي أكتب مقالة ، عملت ليل نهار مجرباً توجهاً بعد آخر ، وكلما حاولت أكثر كلما أصبحت أكثر ارتباكاً .
وفي أحد الأيام دخل المحرر ليرى كيف كان سير العمل ، فلما أدرك أنني لا أحقق أي تقدم قال :   " هل لاحظت أبداً بأن أحد أولى الأشياء التي تستلفت انتباهك في فتاة هو عطرها ؟ وبعد أن تبقى معها لفترة، يبدو وكأن العطر يختفي، لكن إذا تركتها وعدت تعود الرائحة قوية كما كانت دائماً . وربما هذا ما ينبغي أن تفعله مع هذه المقالة،  اتركها لفترة، وقم بشيء آخر ، ثم عد إليها . "
فأخذت بنصيحته، وأنجزت المقالة، ومنذ ذلك الحين ، لاحظت أن معظم الناس الذين يعملون بالأمور الفكرية يستخدمون نفس النصيحة، فهم يعملون في إحدى المشكلات إلى أن يبدؤوا يشـعرون بأنهم فقـدوا الإحساس بها، عندهـا يتحولون إلى شـيء آخر، وفيما بعد يعودون إلى الأولى باهتمام جديد .
تخلص مما ليس له صلة بالأمر :
تخيل نفسك محاطاً بفقاعة غير مرئية، وأنت محصن داخلها ضد تشتت الانتباه ، فالعالم الخارجي ما يزال هناك، لكن جدار فقاعتك يخلصك من كل شيء غير ذي صلة بالمهمة التي بين يديك . والتركيز لا يعني تضييق الاهتمام ، بل يعني توسيع كل قدرات الإنسان، والاستفادة منها إلى أقصى حد،وكذلك الإدراك الشامل لكل جوانب المشكلة قيد البحث . وكان إمرسون يدعو هذا النـوع من التركيز " سـر القوة في السـياسـة والحرب والتجارة - وباختصار في كل إدارة لشؤون الحياة . " 
- جد إيقاعك الخاص للعمل :
إن الطـريـقـة التقليدية لتقــسيم النهـار إلى عـدد من السـاعات للعمل، وعــدد للـعـب والاسترخاء والنوم، ولكن إذا أحسست برغبة في العمل بعد الغداء - أو في الساعة الثالثة صباحاً مثلاً . لم لا ؟ فالكثير من العمل الإبداعي يمكن إنجازه في أوقات وأماكن شـاذة ، فلقد كان لـدى الطبيـب الكندي الكبير سير وليام أوسـلر وسـط مشاغل التعليم والكتابات الطبية، وممارسة المهنة القليل جداً من الوقت لمتابعة اهتمامه بالكتب الذي لازمه طـوال حياته، ومع ذلك فقد أفرد /15/ دقيقـة كل ليلـة لتـأليـف ببليوغرافيا ( بيان بالكتب ) لمكتبته الضـخمة مـع حواش لها . وعندما توفي ضم مؤلفه ببليوتيكا أوسلرانا /7787/ مادة .
- إنه العمل :
فالأعمال مثل القصص لها بداية وتطور أحداث ونهاية . فبعد أن يبدأ العمل في مشروع لا يعرف العديد منا متى أو أين يتوقفون ، والحل هو أن تخطط عملك مسبقاً حتى تستطيع أن تقول عندما تصل إلى النقطة التي ينجز فيها مخططك :"هذا كل شيء؟" لا تكن مثل السياسي المنشغل بالتوافه الذي قال عنه مرة الفيلسوف جورج سانتايانا   "بعد أن أضاع هدفه ، يضاعف جهده ." حدد هدفك بدقة حتى يمكنك ، متى انتهيت منه ، أن تنتقل إلى مشاريع أخرى فالعمل بالنسبة للعديد منا هو مجرد حدث ، والسر يكمن في تحويلـه إلى إنتـاج . والأمـر المثـير هو أن هذا التوجـه يجعل العمل جـزءً مثيراً، ومجـزياً ومرضياً في الحياة .
*










عشرة أفكار مفيدة تساعدك
 على استخدام وقتك
بقلم : إدوين سي . بليس 

أصبحت مهتماً بالاستخدام الفعال للوقت  لأول مرة ، عندما كنت مساعداً لأحد أعضـاء مجـلـس الشـيوخ الأمـريكـي، فأعضـاء مجلـس الشيوخ تواجههم ضغـوط مـلـحة ومتعــارضـة عـلـى وقتهــم، لأعمـال اللجـان وعـمليات التصويـت في الاجتمـاعـات والخطابات والمقابلات وتقديم التقارير والمراسلات والتحقيقات ومشكلات الناخبين والحاجة إلى أن يكونوا مطلعين على سلسلة واسعة من الموضوعات . وأعضاء مجلس الشيوخ الأنجح هم الذين يطورون الأساليب من أجل الحصول على أفضل فائدة من أدنى استثمار للوقت . فإذا لم يفعلوا لن يعودوا إلى المجلس، وعندما أدركت أنني لست واحداً من أولئك الذين يستخدمون الوقت بفعالية بدأت أطبق بعض الأساليب التي لاحظتها في حياتي الخاصة . وهذه عشرة وجدتها مفيدة جداً .
خطّط : 
تحتاج إلى خطة عمل ليومك ، وإلا فإنك سوف توزع وقتك حسبما يصدف أن يرد إلى مكتبك، وستجد نفسك ترتكب خطيئة قاتلة هي التعامل مع المشاكل بشكل أساسي بدلاً من التعامل مع الفرص . فابدأ كل يوم بوضع جدول عام ، مع تأكيد خاص على الأمرين أو الأمور الثلاثة الرئيسية التي تود إنجازها  بما في ذلك الأمـور التي ستحقق أهدافاً طويلة الأمد . تذكر أن الدراسات تثبت ما تدلنا عليه الفطرة السليمة . كلما أنفقنا قدراً أكبر من الوقت في تخطيط المشروع ، كلما تطلب وقتاً إجمالياً أقل لإنجازه، فلا تدع زحمة اليوم تزيح زمن التخطيط من جدولك .
رَكِّز :
ليس هناك من بين جميع مبادئ استخدام الوقت ما هو أساسي أكثر من التركيز ، فالناس الذين لديهم مشاكل جدية في استخدام الوقت يحاولون دون استثناء، القيام بأمور كثيرة جداً في وقت واحد، فليس المهم مقدار الزمن الذي ينفق على مشروع ما ، المهم مقدار الوقت الخـالي من المقـاطعة، فقلـيل من المشـاكل تسـتطيع أن تعادل هـجوماً شـاملاً ، والقليل منها يمكن حلها مجزأة .
خذ فترات راحة :
العمل لفترات طويلة من دون أخذ فترات راحة ليس طريقة فعالة لاستخدام الوقت . فالنشاط يتناقص،  يحل الملل ويتراكم الضغط الجسمي والتوتر النفسي . فالتحول لبعض الوقت من عمل عقلي إلى شيء جسدي ( التمارين بالمكعبات أو السير حول المكتب أو حتى التحول من وضع الجلوس إلى وضع الوقوف لبرهة)  يمكن أن يؤمن الراحة .
غير أن مجرد أخذ قسط من الراحة غالباً ما يكون أفضل سبيل، وينبغي ألا تفكر بفترة الراحة على أنها استخدام سيئ للوقت، فلن يؤدي انتعاشك إلى زيادة كفاءتك فقط ، بل إن التخلص من التوتر سوف يفيد صحتك . فكل ما يساهم في تحسين الصحة هو استخدام جيد للوقت .
- تجنّب الفوضى :
يقوم بعض الناس بتقليب أوراق مكتبهم بشكل دائم، ويدّعون بأن أهم الأمور سوف تطفو إلى السطح بشكل ما ، غير أن الفوضى تعيق التركيز في معظم الأحيان ، ويمكن أن تخلق توتراً وإحباطاً ، وشعوراً بالهزيمة .
فكلما وجدت أن مكتبك أصبح في حالة فوضى ، خـذ بعض الوقت لإعـادة ترتيبه، واستعرض كل أوراقك ( واستخدم سلة المهملات بكثرة ) وقسمها إلى فئات : (1) العمل المباشر (2) أولوية متدنية (3) معلق (4) مواد للقراءة، وضع المادة ذات الأولوية القصوى من مجموعتك الأولى في منتصف مكتبك، وضع كل شيء غيرها بعيداً عن بصرك . وتذكر أنك لا تستطيع أن تفكر إلا في مهمة واحدة كل مرة ، وهكذا ركز كل انتباهك على الأكثر أهمية . ونقطة أخيرة : إن تنظيف المكتب تماماً ، أو على الأقل تنظيمه كل مساء ينبغي أن يكون عملية منتظمة، فهي تهيئ اليوم التالي لبداية جديدة.  
- لا تكن متمسّكاً بالكمال :
هناك فرق بين بذل الجهد من أجل الامتياز، وبذله من أجل الكمال . فالأول يمكن بلوغه وهو مرض وصحي ، والثاني غالباً ما يكون بعيد المنال ومحبطاً وعصـابياً، وهو أيضاً مضيعة رهيبة للوقت ، فكاتب الاختزال الذي يعيد طباعة خطاب طويل بسبب خطيئة طفيفة ، أو الرئيس الذي يطلب إعادة طباعة أمر كهذا ، يمكنه أن يستفيد من التمعن في إعلان الاستقلال الأمريكي . فعندما ارتكب الذي كتبه خطيئة إسقاط حرف، أدخل الأحرف الناقصة بين السطور. فإذا كان هذا مقبولاً في الوثيقة التي تولدت عنها الحرية الأمريكية ، فمن المؤكد أنه سيكون مقبولاً في رسالة سوف تلقى عليها نظرة سريعة وهي في طريقها إلى خزانة ملفات شخص ما أو إلى سلة المهملات .
لا تخف من أن تقول لا :
من بين جميع الأساليب الموفرة للوقت التي طورت على الإطلاق ، ربما كان أكثرها فعالية الاستخدام المتكرر لكلمة لا . تعلم أن تتجنب بلباقة ، ولكن بحزم كل طلب لا يضيف إلى أهدافك، فإذا بينت أن دافعك لا أن تترك العمل، بل أن توفر وقتك لأداء عمل أفضل في الأمور المهمة فعلاً فسوف تكون لديك فرصة طيبة لتجنب المهام غير المجدية. تذكر أن العديد من الناس الذين يحسون بالقلق من الإساءة للآخرين ينتهون بالعيش وفق أولويات الناس الآخرين .
لا تسوّف :
التسويف غالباً ما يكون عادة متأصلة ، ولكننا نستطيع أن نغير عاداتنا شريطة أن نستخدم النظام الصحيح. فقد درس وليام جيمس أبو الفلسفة الأمريكية ، مثل هذا النظام في مؤلفه الشهير مبادئ علم النفسً الذي نشر عام 1890 وهو يسير على النحو التالي:
1 - قرر البدء بالتغيير حالما تنتهي من قراءة هذه المقالة، حيث ما يزال لديك الحافز،                                                                                                                                                                             فالقيام بتلك الخطوة الأولى مباشرة مهم .
2 - لا تحاول أن تفعل كثيراً جداً بسرعة كبيرة فقط اجبر نفسك الآن على أن تعمل                                                                                                                                                                                 شيئاً واحداً كنت تؤجله ، ثم ابتداء من الغد ، ابدأ كل يوم بعمل أبغض شيء في                                                                                                                                                                                     جدولك . وغالباً ما يكون مسألة صغيرة  اعتذار متأخر ، مجابهة مع موظف زميل،                                                                                                                                                                              عمل روتيني ممل تعرف أنك يجب أن تؤديه، أياً كان الأمر اعمله قبل أن تبدأ                                                                                                                                                                              روتينك الصباحي المعتاد . ويمكن لهذا الإجراء البسيط أن يهيئ الجو لعمل                                                                                                                                                                                       يومك، فسوف تحصل على إحساس بالانتعاش لمعرفتك أنه على الرغم من أنه لم يمض                                                                                                                                                                                       من عمر اليوم إلا /15/ دقيقة، فإنك قد أنجزت من قبل أبغض شيء عليك أن تفعله                                                                                                                                                                                       طوال اليوم .
غير أن هناك تحذيراً واحداً : لا تسمح بأي استثناءات ، وقد قارن وليام جيمس ذلك بلف كرة من الخيوط ، إذ يمكن لزلة واحدة أن تكر أكثر مما تستطيع دورة واحدة أن تلفه. كن صلباً مع نفسك خلال الدقائق القليلة الأولى من كل يوم على مدى الأسبوعين التاليين ، وأعدك بعادة جديدة لا تقدر بثمن .
- استخدم الجراحة الجذرية :
إن الأنشطة التي تضيع الوقت تشبه السرطان ، فهي تستنفذ الحيوية، ولديها ميل للنمو ، والعلاج الوحيد هو الجراحة الجذرية . فـإذا كنت تضيع وقتـك في أنـشطة تصيبك بالملل، وتحرفك عن أهدافك الحقيقية، وتستنفذ طاقتك، احذفها بشكل بات .
وينطبق المبدأ على العادات الشخصية والأعمال الروتينية والنشاطات، مثلما ينطبق على تلك المتعلقة بعملك . راجع جدول مواعيدك ونشاطاتك الخارجة عن النطاق الروتيني، وقائمة قراءاتك وعاداتك في مشاهدة التلفاز، واقتطع كل شيء لا يعطيك شعوراً بالإنجاز  والرضا .

- فوّض غيرك :
أحد الأمثلة القديمة على العجز عن الإنابة يوجد في التوراة، فموسى بعد أن خرج بشعبه من مصر ، كان معجباً جداً بمعرفته، وسلطته الخاصة إلى درجة أنه أصر على الحكم شخصياً في كل خلاف ينشب في بني إسرائيل، ولكن شعيباً والد زوجته الذي أدرك أن هذا استخدام سيئ لوقت القائد ، أوصاه : أولاً: علم الشعب ما يتعلق بالقوانين. ثانياً: اختر قادة قادرين، وامنحهم سلطة كاملة في الأمور الروتينية ، وبذلك تحرر موسى من أجل التركيز على القرارات الكبرى . وما تزال النصيحة صحيحة . فلست مضطراً لأن تكون قائداً قومياً أو مديراً لشركة لكي تنيب في أي منهما ، فالأبوان اللذان لا ينيبان في أداء الأعمال المنزلية الروتينية يؤديان خدمة سيئة لنفسيهما ولأطفالهما. فإدارة فرقة كشافة يمكن أن يستهلك من الوقت بقدر ما تتطلبه إدارة شركة جنرال موتورز إذا ما حاولت أن تفعل كل شيء بنفسك . ولكن هناك تحذير. إن إعطاء المرؤوسين المهام التي لا تريد أنت أو أي شخص آخر القيام بها ليس إنابة ، إنه تكليف . تعلم أن تنيب في الأعمال المجزية المثيرة للتحدي ، مع إعطاء السلطة الكاملة لاتخاذ القرارات الضرورية ، فهذا يساعد على تحرير وقتك .
- لا تكن مدمن عمل :
معظم المدراء الناجحين الذين أعرفهم يعملون ساعات طويلة،ولكنهم لا يدعون العمل يتدخل في الأمور المهمة حقاً في الحياة، مثل الأصدقاء والأسرة وصيد الأسماك . وهذا يميزهم عن مدمني العمل الذين يصبحون متعاطي عمل ، مثلما يصبح الناس مدمني كحول . وتتضمن أعراض إدمان العمل رفض أخذ الإجازات، وحقائب الأوراق المنتفخة، وزوجة أو ابن أو ابنة غرباء عملياً .
إن الاستشارة تستطيع أن تساعد الناس على معالجة مثل هذه المشكلات،ولكن كبداية  مارس قليلاً من الاستشارة الذاتية ، اسأل نفسك إن كان زيت منتصف الليل الذي تحرقه ( كناية عن السهر المتأخر ) لا يؤثر سلباً على صحتك . اسأل أين تأتي أسرتك في قائمة أولوياتك، وما إذا كنت تعطي ما يكفـي من نفسـك لأطفـالك وزوجـك، وما إذا كنت تخدع نفسك عندما تزعم أن التضحيات التي تقدمها هي فعلاً من أجلهم وفق كل شيء آخر ، فإن استخدام الوقت يتضمن إدراكاً بأن اليوم هو كل ما لدينا لكي نتصرف به . فالماضي ذهب دون رجعة ، والمستقبل مجرد مفهوم، وقد جعل الناقد الفني البريطاني جون راسكين كلمة  "اليوم"  تنقش على قطعة رخامية صغيرة وضعها على مكتبه كتذكرة دائمة لكي "يؤدي العمل الآن" لكن شاهدي المفضل هو قول لفيلسوف مجهول :
البارحة شيك ملغى 
والغد سند إذني ( كمبيالة )
واليوم نقود جاهزة، فاستخدمها .
* * *  
ما البراعة في التأخير ؟ 
بقلم : دون وارتون
عندما قمت برحلتي الأولى إلى نيويورك كصبي ، اتجهت إلى ملاعب البولو لأشاهد لعبة بيسبول كبيرة بين فريقين من الدوري، وقد تأثرت بحجم الإستاد، وعدد باعة الفستق السوداني، ولكن ما أدهشني حقاً كان أن المباراة بدأت في موعدها تماماً-ففي بلدتي الجنوبية الصغيرة لا شيء يبدأ فوراً أبداً -ومنذ ذلك اليوم فصاعداً بدأت، وقد افترضت بتفكيري الصبياني أن هذه هي الطريقة التي يعيش فيها الناس في العالم ، أن أصبح دقيقاً في مواعيدي كالفاصولياء السريعة الإنبات التي تنبت بعد ثمانية أيام من زراعتها .
بعد سنوات من تلك المباراة كلفت بمهمة في صحيفة نيويوركية، وأسند إلي تغطية أنباء جيمي ووكر. كان ذلك العمدة المرح اللامبالي مشهوراً بالتأخر دائماً، وهناك اليوم آلاف الناس مثله يجعلون من التأخر معبوداً لهم في كل مواعيد العمل، والارتباطات الاجتماعية، ومن الواضح أنهم يعتقدون أن التأخر وفق الطراز الحديث براعة ولا مبالاة، فهم يعجزون عن أن يروا بأنهم يربكون جداول مواعيد الآخرين دائماً .
والوصول في الموعد المحدد يعني الوصول إلى ارتباط في الساعة التي يتوقعونك فيها بدقة، فأنا أجفل عندما أسمع أحدهم يقول:أنه سيأتي إلى العشاء حوالي الساعة السابعة، مما يعني أنه لن يصل أحد حوالي الساعة الثامنة، أو لـن يتناولوا الطعام حتى حـوالي الساعة التاسـعة. وملاحظتي هي أنه لا يتأخر أحد أبداً عندما يدعى إلى غداء مع رئيسه، وبالطبع سوف يبذل كل شخص، كل جهد ممكن لكي يكون دقيقاً في موعده، إذا ما دعي إلى عشاء في البيت الأبيض . إن اللياقة الصحيحة في المحافظة على المواعيد تتطلب أن تعامل جميع الأشخاص كما لو كانوا رؤساءك، وجميع البيوت كما لو كانت البيت الأبيض. 
   كان سام ريبيرن، الذي كان قبل وفاته رئيساً لمجلس النواب، وواحداً من أكثر الناس لباقة ، يتضايق دائماً من التأخير ، وقد تحدث د . ب . هارديمان ، مساعده لشؤون الأبحاث عن مناسبة وجد ريبيرن نفسه فيها متأخراً عن موعده لخطاب كان سيلقيه في اجتماع لرابطة طبية أمريكية، حيث انفجر ريبيرن قائلاً : "إنني أمقت أن أكون متأخراً ، وأمقت الناس الذين يتأخرون" .
بعد أن عمل تشيستر باولز كسفير للولايات المتحدة في الهند، عاد بالقصة التالية عن اجتماع سياسي حدث هناك قبل بضع سنوات، بدأ الاجتماع متأخراً مدة /45/ دقيقة  فنظر غاندي إلى ساعته بعبوس وعلق قائلاً : إن استقلال الهند سوف يؤخر /45/ دقيقة أيضاً .
وفي كتاب بوتكين "خزانة تراث نيو إنغلند الشعبي" حكى دوايت مورو، وهو دبلوماسي من رجال المال، عن عطلة نهاية أسبوع قضاها في البيت الأبيض مع الرئيس كوليدج ، وهو من المؤمنين جداً بالدقة في المواعيد . وفي أحد أيام الأحد نادى مورو عبر القاعة "كال ، في أي وقت موعد الكنيسة ؟"  
"الساعة الحادية عشرة"  
"في أي وقت ننطلق ؟"
"في الحادية عشرة إلا سبع دقائق من الطابق العلوي"
أحياناً تقع أزمات تجعل حتى أكثر الناس دقة في المواعيد يتأخرون . ولكن هناك دائماً الهاتف، واتصال يقول: إنك ستتأخر ويؤكد اهتمامك بالمحافظة على الموعد . وأي لفتة اهتمام ستظهر بأنك تدرك أن وقت الشخص الآخر مهم، فمرة عندما كنت سأقابل هـ.ل. منكن وهو معروف بحدة قلمه ، لم أكد أجلس في غرفة الاستقبال في مكتبه حتى خرج، وصافحني،وقال إنه يأسف لأنه سوف يضطر إلى جعلي أنتظر، ولكن ذلك سوف يكون لبضع دقائق فقط .
لا نملك وسيلة عندما يتأخر الآخرون ، ولكن مهندساً أعرفه وجد وسيلة لانتقام لطيف، فقد كان على موعد مع طبيب ، فوصل في الوقت المحدد، وانتظر  مدة ساعتين دون أن يلقى أي اهتمام يذكر، عندها نهض، وخرج وعاد إلى مكتبه، وأرسل إلى الطبيب كشف حساب بأجر ساعتين .
إن واشنطون العاصمة هي - حسب قول إليانور إليوت - أمينة السر الاجتماعية لجون فوستر دالاس، وهي أدق مدن الولايات المتحدة في المواعيد .هذه الروح رسخها أعضاء الهيئات الدبلوماسية . حيث قالت الآنسة إليوت : "غالباً ما كنت أرى قبل موعد العشاء الدبلوماسيين يدورون بسياراتهم الليموزين حول المبنى مرة بعد أخرى لكي يتجنبوا الوصول مبكرين دقيقة أو متأخرين ثانيةً".
كان أحد أكثر المضيفين الذين عرفتهم مراعاة لشعور الآخرين فرنسياً يدرك صعوبة الحصول على سيارة أجرة في باريس في وقت العشاء، وقد قال لي عندما حدد الساعة : "لا تقلق إذا بكرت قليلاً، فإننا نفضل أن يكون الناس مبكرين على أن يكونوا متأخرين".
ويصور برنارد أمير الأراضي المنخفضة (هولندا) من قبل، كاتب سيرة حياته، وهو ألدن هاتش، كرجل يأخذ بجدية المثل القائل إن الدقة من آداب الملوك، فإذا قالت بطاقة الدعوة إلى غذاء الساعة /12:30/ تستطيع قطعاً أن تتأكد بأن الأمير برنارد سوف يصل في الساعة الثانية عشرة وتسع وعشرين دقيقة ونصف الدقيقة .
تختلف العادات الاجتماعية بالطبع ، فقد قال إدوارد ت . هـول عـالم الأنثروبولوجيـا ( علم الإنسان) الذي كان يدير برنامج النقطة الرابعة للتدريب والتابع لوزارة الخارجية في المكسيك (حيث يعامل الوقت باحتقار إلى حد ما ، يسمع المرء بصورة عامة تعبير : "حسب وقتكم أم حسب وقتنا ؟") . وفي مانيلا يمكن أن يصل ضيوف العشاء متأخرين مدة ساعة من دون تفسير؛ في حين أن المرء في استكهولم يجب أن يكون دقيقاً حقاً . ويقول رجل أعمال أعرفه : "البراعة هناك أن تدق جرس الباب بينما الساعة تدق الثامنة تماماً، فإذا تأخرت دقيقتين يفترض فيك أن تعتذر ."
إن التأخر عادة، لكن لا يستطيع أي إنسان أن يشفي نفسه منها حتى يحدد سبب تأخره، فمعظم الناس يحاولون باستمرار تكديس أعمال روتينية كثيرة جداً، ووسائل لهو، أو ارتباطات اجتماعية، أو ارتباطات عمل في عدد من الساعات والدقائق محددة بصرامة. بعض الناس لديهم عقول كساعة توقيت، بينما بعضهـم كائنـات كالمزولة ( الساعة الشمسية )، فالوقت بالنسبة إليهم مشوش، وبخاصة بعد حلول الظلام .
هناك آخرون يتأخرون عن عمد لكي يدخلوا بشكل مسرحي، أو لكي يظهروا تفوقاً لا يمكن تصوره . ويقال في هوليود: "إن كل شخص مهم يتأخر عادة في كل شيء ما عدا موعد مداولات الأستوديو، أما في الحفلة فكل نجم يصل متأخراً حسب ترتيب أهميته، ويكون آخر من يصل نجم الشباك الأول."
ويقول لي أحد الأطباء النفسانيين : "إن التأخير يكون أحياناً شكلاً من العبوس اللاواعي، ومحاولة للتساوي مع شخص آخر، وهو أيضاً علامة على عدم النضج . فالناس الذين يتأخرون بحكم العادة ما يزالون أطفالاً بمعنى ما، ولا يعني الوقت وراحة الآخرين أي شيء لديهم .
يكون بعض التعساء عاجزين دائماً عن أن يكونوا دقيقين في مواعيدهم، فقد دعيت إحدى نجمات السينما (المعروفة بأنها تتأخر باستمرار ) لكي تدشن مدمرة ، وأبلغت صراحة أن البحرية تقوم بأعمالها في مواعيدها، فوصلت في الموعد المحدد، ولكنها جعلت الأميرال وطاقمه ينتظرون بينما أمضت ساعة تقريباً في حجرة الزينة، وقد قررت لاحقاً أن تخضع لمعالجة نفسية للتخلص من عادتها في التأخير، ولكنها اضطرت إلى ترك الجلسات، فقد كانت تأتي دائماً متأخرة جداً إلى مواعيدها مع الطبيب النفسي. 
لحسن الحظ فإن الدقة في المواعيد هي مثل التأخر عادة أيضاً، ومن السهل صقلها حالما تحدد الأمر الذي جعلك مهملاً إلى هذا الحد بشأن الوقت في الماضي . إنها عادة مجزية جداً، وبعد أن تحرزها ستجد كيف ستجعل حياتك بسيطة إلى حد كبير .
 
أثمن شيء يمكن أن ينفقه الإنسان
بقلم : مرغريت بلير جونستون 
بينما كنت في جولة محاضرات مؤخراً وصل قطاري إلى إحدى المحطات متأخراً، فلم يترك لي أكثر من خمس دقائق للانتقال إلى قطار آخر . وعندما اندفعت إلى القطار محمرة الوجه منقطعة الأنفاس أشار لي حمَال في درجة البولمان "أن أبطئ وقال : "يا سيدة من الأفضل لك أن تأخذي الأمور ببساطة، وإلا فسوف تصلين مع الأمير كانتيس."
فقلت لاهثة : "ومن هذا ؟"
قال : "لا أستطيع أن أقول من هو بشكل دقيق ، ولكن يمكنني أن أقول لك:كيف يتصرف. فالأمير كانتيس هو شخص ما يركض، وهو يصعد سلماً متحركاً . يا له من وصف ملائم لسرعتنا اللاهثة المضطربة هذه الأيام؛ فهناك أشياء كثيرة يجب القيام بها . اجتماعات يجب حضورها، ومواعيد يجب الالتزام بها، وأرقام قياسية يجب تحطيمها - هذه هي أهدافنا ، وكثيراً ما تكون آلهتنا . 
وقد قال الفيلسوف اليوناني ثيوفراستوس "الوقت هو أثمن شيء يستطيع الإنسان أن ينفقه." ومع ذلك، كم من مرة ندع الوقت يستهلكنا بدلاً من أن نستهلكه !
غير أنك تقول:عليّ أن أسرع، "فالوقت نقود" . فتقتبس بذلك كلام بن العجوز بينما تبقى عينك على بيغ بن (الساعة) . إنني لا أعارض قول فرانكلين المأثور، "الوقت نقود"، ولكن علينا أن نتذكر أيضاً أن الوقت دخل ثابت ؛ وكما هو الحال مع أي دخل، فإن المشكلة الحقيقية التي تواجه معظمنا هي كيف نعيش بنجاح ضمن حصتنا اليومية وعاجلاً أم آجلاً ، سوف تتحول كل مرحلة من الحياة نندفع خلالها مسرعين إلى طاحونة تعذيب جسدي وعاطفي ما لم نتوقف، ونسأل : "ما الذي يمكننا أن نفعله بشأن ذلك ؟. وكيف نستطيع فعلاً أن نعيش ضمن يوم مكون من /24/ ساعة ؟"
  لقد وجدت أربع قواعد بسيطة ساعدتني ، وقد استنبطتها بالطريقة الصعبة - بينما كنت أستلقي على ظهري خلال راحة إجبارية . وكان اكتشافي في الأساس، الذي أعتقد أن كلنا لا بد أن يكتشف في نهاية المطاف إذا كان لنا أن نعيش حياة سعيدة نافعة بهدوء، هو أنه ليس هناك أحد لا يمكن الاستغناء عنه إطلاقاً .  وبعد أن اعترفت بذلك - حيث اضطررت إلى هذا عندما وجدت أن الأمور التي اعتقدت أنني الوحيدة التي أستطيع القيام بها أنجزت بشكل جيد تماماً من دوني - بدأت أستنبط بعض القواعد الجديدة لحياتي .
- قاعدتي الأولى هي: أينما كنت ذاهباً، ومهما كنت تعمل ابدأ في الوقت المحدد. مرة كانت لدينا أبرشية تضم عدة كنائس، مما يعني أنه كان لدينا برنامج مرن لصلواتنا، وهذا أتاح لي تجربة مثيرة للاهتمام، فأحد أفراد الجوقة التي كانت تتأخر باستمرار تذمرت من توقيت صلاتنا في الساعة العاشرة، وقالت : "لو أنكم أقمتم الصلاة في ساعة مقبولة لأتيت في موعدي ."
وبعد مدة قصيرة من هذا حددنا مواعيد الصلوات في تلك الكنيسة في الساعة /11:15/  . فكانت عضوة الجوقة تصل في الساعة /11:20/ كل يوم أحد . غير أننا أخذنا نقيم الصلوات في الساعة /2/ بعد الظهر في ذلك الشتاء، وحسب عادتها كانت تأتي في الساعة /2:05/ دون خلل .
إن معظمنا لن نفكر كأبوين في تربية أطفالنا دون أن نعلمهم كيـف يعرفون الوقت؛ ولكن كم منا يعلمهم التوقيت ؟ وكم منا تعلم التوقيت هو نفسه ؟
- وقاعدتي الثانية هي : اعملها الآن .
إن ما يقلقنا ليس ما نعمله، بل ما لا نستطيع فعله . فالتسويف ليس دقائق فقط، بل هو يستنزف طاقتنا العاطفية من خلال إضافة الرهبة، والمقت إلى الأعمال الروتينية التي ينبغي أن تكون روتيناً . فالعديد من الأعمال المؤجلة يمكن إنجازها في تلك الفترات الزمنية التي تتاح لكل منا كل يوم - فترات الانتظار غير المستغلة . فقد أظهر تحليل أجرته جامعة وسكونسين أن الفرد العادي ينفق ثلاث سنوات من حياته في مجرد الانتظار، ويذكر استفتاء أجراه معهد غالوب على عينة من /100/ شخص اختيروا عشوائياً أن كل واحد منهم توقع أن يقوم ببعض الانتظار أثناء الساعات القليلة التالية، ولكن واحداً من ثمانية فقط كانت لديه خطة للقيام بشيء ما بناء على ذلك الوقت .
كان بعض من عظماء العالم من بين أولئك الذين استخدموا وقت انتظارهم بشكل جيد، فتوماس إديسون أقام مخبراً في عربة الأمتعة، وكان يجري تجارب في الزمن الفاصل بين فترات بيع الشطائر في القطار، وروبرت لويس ستيفنس قلما كان يغادر المنزل من دون كتابين في جيبه، أحدهما ليقرأه، والآخر كان يسجل فيه ملاحظات، وكان وليـام فيـلبس يقـوم بمراسـلات ضخـمة في أجزاء الوقـت المتـاحة بين المواعـيد . وحسب مكتب الإحصاء في الولايات المتحدة ، فإنه توجد فترات طويلة نسبياً من وقت الانتظار في أكثر من /100/ مهنة - مما يدل على أن العديد منا يستطيعون أن يؤدوا الآن مهام صغيرة تحدث تشويشاً في ساعات أخرى .
- هذا لا يعني أننا ينبغي ألا نكون غير نشيطين أبداً . وهكذا فإن قاعـدتي الثـالثة هي: تعلم متى تقول "لا"، ومتى تقول "نعم".
فقد قال تشانينغ بولوك مرة : "علي أن أقرر ما إذا كنت أريد أن أكون مؤلفاً مشهوراً أو من متناولي الغداء خارج المنزل السيئ السمعة، فلا أستطيع أن أكون كليهما."
وكتبت آن كامبل في واحدة من أجمل مقطوعاتها الشعرية، المكرسة لابنتها، حول الخيار الذي يجب على معظم الآباء أن يتخذوه .
أنت الرحلة التي لم أقم بها 
أنت اللآلئ التي لا أستطيع شراءها 
أنت بحيرتي الإيطالية الزرقاء 
أنت قطعة سمائي الأجنبية 
ولأن دخلنا الزمني ثابت، يجب علينا أن نتعلم كيف نكون انتقائيين في إنفاقه، ففي القراءة أو مشاهدة التلفاز على سبيل المثال، يمكن أن يتلف عينيه بالتفاهات أو يستخدمها لزيادة معرفته .
وهكذا، وفي المرة التالية التي يطلب أحدهم منك فيها أن ترأس حملة جمع تبرعات لمشفى، أو تساعد في رابطة أولياء الطلبة، وتجد في نفسك ميلاً لأن تقول : "ليس لدي وقت"، اسأل نفسك أولاً : إلى ماذا أعطي الأولوية في توظيف وقتي ؟ هل أضع الأمور الأهم أولاً ؟
هل أستطيع أن أقتطع بعضاً من الوقت الذي أقضيه بحماقة لكي أستثمره بحكمة أكثر؟.
في مرة قال ليوناردو دافينشي : "الوقت يبقى فترة كافية بالنسبة لأولئك الذين يستخدمونه". وبالتأكيد فإن القاعدة الأخيرة تستطيع أن تساعدنا على أن نستبقي الوقت بحكمة، وبشكل جيد .
خذ وقتاً مستقطعاً :حضر أحد جراحي العيون الذي كـان مـركزه في فـورت ديفنـس إلى كنيستنا مرة، وعندما زرت أسرته، دهشت عندما رأيت لوحة جميلة بعد لوحة على الجدران . فسألت : "من صنع هذه ؟"
"أنا فعلت ذلك" قال الجراح .
وبما أنني كنت أعرف الساعات الطويلة التي يقضيها في عمله ، وثقل مسؤولياته قلت : "ولكن كيف تجد الوقت لذلك بحق السماء ؟"
فقال بسرعة : "أجده ! أنا لا أجده ، بل آخذه ."
   ثم أخبرني،كيف حدث الشيء المخيف في إحدى المرات؟. فقرب نهاية إحدى العمليات لاحظ رعشة خفيفة في يده، فأخذ إجازة مباشرة، لكن الرعشة استمرت، ثم أوضح قائلاً : "بسبب الملل وحده تحولت إلى الرسم، فلم أكن أستطيع أن أجلس دون أن أفعل شيئاً بيدي، وبعدئذ، ومع نمو مهارتي بالفرشاة وجدت الرعشة تخف، والآن عندما أصاب بالإرهاق أتحول إلى رسمي قبل أن تبدأ يداي بالارتعاش ."
إن التغيير جيد مثل الراحة، هذا ما يقوله المثل القديم . ولست مضطراً أن تكون جراحاً أو سياسياً مثل تشرشل لكي ترسم، كما أنك لست مضطراً أن يكون لديك جدول مواعيد برنارد باروخ لكي تجد أن / 15/ دقيقة تقضيها يومياً على مقعد في منتزه، جالساً بهدوء تراقب السناجب وتفكر، تستطيع أن تنعشك باقي النهار؛ كلا إذ يمكن أن تكون مجرد عامل في مكتب، مثل إحدى صديقاتي التي تقف في كشك أسطوانات كل يوم ساعة الظهيرة وتدير أسطوانة مفضلة لديها .
   أجل خذ وقتاً مستقطعاً - تقوم فيه بعمل شيء يعيد النشاط والحماس إلى حياتك لأنه وكما عبر جون راسكين عن ذلك ، "لا توجد موسيقى في الراحة - بل هناك صنع للموسيقى فيها، والناس دائماً يفتقدون ذلك الجزء من لحن الحياة" .

* * *
 
اجعل حياتك أبسط
بقلم : مارتن إي . مارتي

كتب البابا يوحنا الثالث والعشرين في ( يوميات روح ) : "يجب أن أجرد أشجار كرمتي من كل الأوراق القديمة، وأركز على كل ما هو حقيقة، وعدالة وإحسان . "0
فكلمـا كـبرت أكثـر كلمـا أدركـت بوضـوح أكـبر سمو البسـاطة في التفكير والسلوك والكلام، وجمالها الأخاذ ، وشعرت برغبة في تبسيط كل ما هو معقد، والتعامل مع كل شيء بأكبر قدر من العفوية والوضوح" .لقد أعطت بساطة يوحنا لتصرفاته قوة الأمثولة الأخلاقية، وكبابا منذ عام 1958 حتى عام 1963، كانت توجهه فكرة واحدة بسيطة وعظيمة : السلام . لقد كان محباً للمصالحة . 
إن جميع الناس الذين يتمتعون بعمق حقيقي يملكون في صحيح تكوينهم سجية البساطة، أو أنهم يعرفون كيف يسعون إلى البساطة حيث تتماثل الجوانب الداخلية والخارجية لحياتهم، وهناك شيء ما شفاف فيهم، قد يحتفظون بسر وجودهم في حرز خاص ، لكنهم غير مفعمين بأي اعتداد بالنفس داخلياً، ولذا فهم لا يتعرضون لخطر من الخارج إلى درجة أن لديهم ما قال عنه أحد الفلاسفة على أنه نوع من "اليسر" ( إنهم على استعداد ليكونوا تحت تصرف الآخرين.)
إن جزءاً من العبقرية هو البساطة، بمعنى وحدة الحياة، والقوة المجتمعة . فنحن نحس بصلة بين إعجـاب ألـبرت إنشـتاين بالبسـاطة الطفـولية، وقـدراته الخـاصة علـى الـشك والتركيز . إننا نحس بصلة أيضاً بين البساطة وعمق التفكير . فقد كان ألبرت شويتزر موسيقياً ومؤرخاً وطبيباً، لكن عمقه الفكري كان يكمن في فكرة بسيطة كانت محور سنوات عمله في أفريقيا : (احترم الحياة) .
إن العيش الناجح هو رحلة باتجاه البساطة، وانتصار على الفوضى . ويستخدم كثيرون كلمة (الروحانية) لوصف طريق هذه الرحلة، يتعلق بعضهم بروحانية النشوة.مثل الأنبياء والموسيقيين، يجدون محورهم في الله، في الكل، فيصلون إلى إشراق مفاجئ يعيد ترتيب حياتهم، ويمارس آخرون روحانية الألم حول مشهد العزلة، والشك العقيم.ولكن هذا أيضاً يستطيع أن يعطي وضوحاً للحياة، ويمتلك الفعّالون ما أدعوه بالروحانية مجسدة، فنحن نراها في شويتزر وآخرين ممن يغيرون العالم .
إن الخيط المشترك الذي ينظم كل هذه المواقف هو العبقرية في أن تكون بسيطاً . حاول ديتريتش بونهويفر ، أحد أتباع مذهب اللاعنف، والذي شارك في مؤامرة لقتل هتلر، أن يشرح قبل أن يموت على مشنقة نازية كيف يمكن أن تكون البساطة دليلاً للإنسان، فكتب : "أن تكون بسيطا" يعني أن تثبت بصرك على الحقيقة البسيطة للإله عندما تختلط جميع المفاهيم، وتشوه وتقلب رأساً على عقب . إنها تكمن في أن تكون مخلصاً ".
وحتى عندما توضح العبقرية ذاتها ، هناك قوة، وهناك وحدة في بساطة الفكرة التي تشكل أساسها، وكان كارل بارث ، وهو لاهوتي سويسري ، شخصاً آخر يرى بوضوح أثناء الحقبة النازية . فالعالم لم يستطع أن يفسد إيمانه، وعندما طلب منه جمهور من المستمعين الأمريكيين بعد عدة سنوات أن يلخص جوهر كتبه الضخمة عن اللاهوت، سحرهم هذا العلامة عندما استشهد بمقتطف من إحدى أغنيات مدرسة الأحد: "المسيح يحبني، هذا ما أعرفه، لأن التوراة تقول لي ذلك" . 
ما هي المنافع التي تنتظر أولئك الذين يحققون هذا التناسق الإلهي الداخلي ؟ لقد كتب المتصوف الفرنسي فرانسوا فينيلون "عندما نكون بهذه البساطة الداخلية حقاً، فإن مظهرنا بكامله يكون أوضح، وطبيعياً أكثر . هذه البساطة الحقيقية تجعلنا نعي نوعاً من الصراحة، والرقة، والبراءة، والمرح، والهدوء."
ورغم أن البحث عن البساطة  في أي زمان رحلة صعبة عبر القفار فإننا نستطيع أن نتعلم من الأدلاء القديمين والحديثين . وبشكل ما توصلت طائفة أمريكية تدعى "الهزازون" إلى الفكرة الصحيحة عندما ينشد أفرادها عن "هبة البساطة" . إنها غالباً ما تبدو كنعمة نستمتع بها أكثر منها كهدف نكد لكي نصل إليه . والطبيعة غير شحيحة بهـذه الهبة، لكـنها تقتضي بعـض الجهـد، وهكذا يدعـو الهـزازون إلى العمـل الـواعي والحاجة إلى أن تغير وتغير في أسلوب الحياة .
والناس الذين يحسون بالحزن لأن جدول مواعيدهم مزدحم جداً، وواجباتهم مرهقة عليهم أن يغيروا أسلوب حياتهم، وأن يشجعوا البساطة . يجد بعضهم طريقة تقوم على تفريغ غرفة خاصة، وساعة معينة يستطيعون فيها أن يفصلوا ما هو مهم في حياتهم في نهاية المطاف عن كل الأشياء التي يجب عليهم أن يتعاملوا معها بجدية كبيرة، ولكن في نهاية الأمر ليس بجدية أكثر مما يجب .
وينصح أدلاء هذه الرحلة الآخرين باتباع نماذج أصيلة، فبعضهم يجدها من خلال القراءة، والمتدينون يمكن أن يفعلوا ذلك من خلال التأمل والصلاة ، وغالباً ما يحتفظ الشديدو الاهتمام بيوميات لرحلة روحهم .
في الثقافة الغربية، يدعي مزيد من الناس أنهم يجدون البساطة في يسوع الناصري أكثر مما يجدونها لدى أي شخصية أخرى . وقد كتب العلماء ملايين الكتب عنه، لكن الناس اتبعوه أولاً لأنهم رأوا فيه حياة تغطيها خمس كلمات : "كان يتجول وهو يفعل الخير" . وأولئك الذين يعجبون بالنموذج الحديث مثل موهانداس غاندي يعرفون أن الزعيم الهندوسي الكبير كان سياسياً ماكراً قلب إمبراطوريات، لكنهم يرون كيف جعــل محــور حيـاتـه العـطف علـى النـاس الـذين دعاهـم "الأخيرين والأقـل والأدنـى والضائعين"  
إن حياة مثل هؤلاء الزعماء تقدم مفاتيح، وليس دساتير للطريقة البسيطة، وعلى كل فرد أن يكتشف هو نفسه الطريق المناسب ويتعهده بالرعاية . وغالباً ما يتحد الباحثون معاً من أجل هذه الرحلة . وقد جرب بعضهم الكوميونات ( اللجان )، ولكنهم وجدوها معقدة جداً، بينما وجد آخرون كلا الحرية والمشاركة في التجمعات الدينية، أو الأندية أو الالتفاف حول قضية . 
ولكن الباحثين يتعلمون عاجلاً أم آجلاً، كيف يعيشون في انسجام مع الطبيعة . لكن عبقرية البساطة عليها أن تتعامل مع أكثر من مجرد العالم المادي، وهكذا على الباحثين أن يشذبوا ويصنفوا الأفكار إلى أن تبقى الأفكار الخالدة، وعند هذه النقطة يصلون إلى خطوة حاسمة. إنهم يتعلمون الارتياب بمذهب البساطة، ويمكننا أن نطبق نصيحة الفيلسوف الانكليزي ألفرد نورث وايتهد لعلماء الطبيعة على كل المفكرين : "ابحثوا عن البساطة - ولا تثقوا بها" . 
لقد توصلت إلى هذا الموضوع بينما كنت أكتب تاريخ /500/ سنة من الديانة الأمريكية، فحينما نظرت في الماضي القومي أصبح واضحاً لدي أن المواطنين يستخدمون الإيمان من أجل تبسيط الحياة . إن الوجود الأمريكي الحديث محير بشكل خاص، ولكن ما يزال علينا أن نضفي معنى على أفراحنا وأحزاننا ، ونرفض أن نجعلها تحدث فقط ويتحول الملايين إلى حياة الروح لكي يصنعوا متاعب الحياة وهذا البحث عن النظـام والبساطة ثابت في الدين، ويمكن أن يقرب من أن يكون تعريفاً له .
إن البساطة لا تتطلب من كل شخص أن يعود إلى الأيام القديمة الطيبة، أو حتى يعود إلى الطبيعة . فالبساطة الحقيقية لا تتطلب تجمعاً أو مذهبا"، إنها تعني بالنسبة لمعظمنا الحياة في صحبة الآخرين الذين يمكن أن يقوّمونا وينبهونا . ففي المجتمع نستطيع ان نتبع المسار الذي يرسمه معتقدنا ونطور جوهر كينونتنا . 
* * *
 
اعمل أقل وأنجز أكثر
بقلم : مايكل ليبوف
يعمل معظمنا بجد أكثر مما ينبغي لكي نجني المنافع التي على الحياة أن تهيئها، وعندما مرت تلك الفكرة بذهني لأول مرة، بدأت أركز على السؤال التالي : "كيف أستطيع أن أحصل على أكبر مردود من استثماري للوقت  والجهد ؟" وقد ثبت أن بحثي كان مثمراً، وقد كنت، لسنوات عديدة، أعقد ندوات حول الكيفية التي يستطيع بها الناس أن يستفيدوا إلى أقصى ما يمكن من وقتهم وجهدهم.
وقد تبين أن تحسين فاعليتك يشبه لعب الغولف إلى حد كبير، فالنتيجة الكاملة للغولف هي /18/ نقطة نظرياً، حيث لكل حفرة نقطة في ثماني عشرة حفرة متتالية . ومن الواضـح أنه لـن يستطيـع أحـد أياً كـان أن يقترب بأي حال من ذلـك المجموع، ولكن هذا لا يمنع لاعبي الغولف الشغوفين من محاولة تحسين لعبهم . وعندما تحاول أن تعمل أقل، وتنجز أكثر، اتبع منحى مماثلاً .
- ضع أهدافاً يومية :
ينبغي أن يكون وضع جدول عمل عادة ملازمة مثل تنظيف أسنانك بالفرشاة . فالـوقت والجـهد القليـلان اللـذان تستثمرهما سوف يعودان عليك أضعافاً مضاعفة . وكما قال ثورو : "لا يكفي أن تكون مشغولاً . فالسؤال هو : بماذا أنت مشغول ؟ "
وفي مرة قدم المستشار آيفي لتشارلز شواب رئيس شركة ستيل، والذي كان يفتش عن طريق لتحقيق استخدام أفضل لوقته، النصيحة التالية :  "دوّن أهم ست مهام عليك أن تفعلها غداً، ثم رقمها حسب الأهمية، وأول شيء تفعله في الغد هو انظر إلى البند الأول، وابدأ العمل فيه حتى تنهيه، ثم اعمل البند الثاني، وهكذا حتى نهاية وقت الدوام، ولا تقلق إذا لم تكن قد أنهيتها كلها، فإذا كنت لا تستطيع إنجازها بهذه الطريقة فلن تستطيع إنجازها بأي طريقة أخرى . جرّب هذا الأسلوب في كل يوم عمل."ونقل عن شواب أنه قال عن هذه النصيحة : إنها أنفع نصيحة تلقاها على الإطلاق .
- استفد إلى أقصى حد من أفضل أوقاتك   :
تستطيع أن تنجز أكثر بجهد أقل،  إذا ما جدولت أعمالك الهامة في ذلك الوقت من اليوم، حيث تستطيع أن تؤديها بفعالية أكثر . فبالنسبة للعديد منا، يؤدي العمل الذي يتطلب عزلة وتركيزاً أفضل ما يمكن قبل الساعة /9/ صباحاً، في حين أن العمل الذي يتضمن المشاركة ينبغي أن يجدول في وقت لاحق من اليوم . لدي صديق حميم قلما يعمل قبل الساعة /3/ بعد الظهر . لحسن الحظ يمكنّه عمله في الإذاعة من الاستفادة من وقته الأصلي في أواخر الليل من /10/ مساءً حتى /2/ صباحاً .
تستطيع أن تكتشف أفضل وقت لديك بالنسبة لعمل معين عن طريق التجربة. والخطأ، عندما بدأت الكتابة حاولت أن ألتقط قلم الرصاص في أوقات مختلفة، فوجدت أن أفكــاري كانـت جــيدة في الصبـاح؛ ولكنني وجـدت صعـوبة في نقـلها إلى الورق، وكانت فترة أوائل بعد الظهر فترة أعلى إنتاجية لي في الكتابة؛ وهكذا فإنني الآن أفكر في الصباح في الموضوعات التي أريد تغطيتها  ثم أدون أفكاري على عجل وأضعها جانباً إلى أوائل بعد الظهر، وعندها أكتبها كاملة .
- استفد من الوقت المحدد لأمور خاصة :
تستطيع أحياناً أن تحول الوقت المخصص للروتين اليومي إلى استخدام ثان . فأحد أصدقائي الذي يعمل من أجل الحصول على شهادة في إدارة الأعمال، يسجل المذكرات في الصف على شريط كاسيت، ويستمع إليها، بينما يرتدي ملابسه، أو يقود سيارته إلى العمل. كما يستخدم أحد أصدقائي، وهو يعمل بائعاً، وقت التنقل لكي يستظهر أسماء زبائنه، وتفاصيل بارزة عن كل واحد منهم .
والنوع الآخر من الوقت المستقطع الذي يهمله معظمنا هو وقت الانتظار . غير أنك تستطيع بجهد قليل أن تحشر كل أنواع النشاطات في الدقائق التي تقضيها، وأنت تنتظر الطبيب أو الحلاق . إذ تستطيع أن تخطط لعطلة نهاية الأسبوع، وتدفع الفواتير، أو تكتب الرسائل . حتى أنك تستطيع أن تباشر مشروعاً رئيسياً : تخطط بيت الأحلام، أو تضع مخطط تلك الرواية التي أردت دائماً أن تكتبها .
- ميّز بين الأمر الملحّ والأمر المهم : 
إذ قلما يتماشى معاً في حياتنا اليومية، فإصلاح عجلة مضروبة عندما تكون متأخراً على موعد قضية ملحة جداً لكن أهميتها صغيرة نسبياً ، في معظم الأحيان ولسوء الحظ   يقضي العديد منا حياتهم يصلحون عجلات مضروبة، ويتجاهلون أموراً  أقل إلحاحاً، ولكنها مهمة أكثر .
فعندما تواجهك عدة مشكلات، اسأل نفسك أيها هي المهمة حقاً،  اجعلها الأولوية الأولى بالنسبة لك؛ فإذا سمحت لنفسك أن يتحكم بك ما هو ملح فستكون حياتك أزمة بعد أزمة . ويمكن لقليل من بعد النظر - اتخاذ خطوات للحيلولة دون المشكلات المحتملة - أن يضمن لك أن تنفق وقتك في تحقيق أهدافك بدلاً من التصرف كرد فعل للأزمات.
- أتقن فن العمل المكتبي :
إن معظمنا يؤدي بعض أو كل عمله على مكتب، فالمكتب أداة تساعد في إعداد المعلومات ، وليس مكاناً للقيام بحملة بالورق، ولا مستودعاً لتخزين أمور مختلفة لا علاقة لها بالعمل، أو سطحاً منبسطاً تكدس عليه أشياء تريد أن تتذكرها . فقد قام ميريل دوغلاس، وهو مستشار في شؤون التصرف بالوقت بإعداد سجل زمني دقيق لأحد المدراء الذي كان مكتبه مكدساً بالأوراق دائماً، فوجد أنه يقضي وسطياً ساعتين وتسع عشرة دقيقة يومياً، وهو يبحث عن معلومات من فوق مكتبه . فمعظم المكاتب لا تزيد على أن تدفن القرارات . حاول إعادة ترتيب مكتبك لتحقيق الأداء الفعال من خلال سؤال يقول "ما هو أسوأ شيء سيحدث لو ألقيت بهذا ؟." فإذا كان الجواب لا يوحي بنتائج خطيرة ألق بهذا الشيء .
- تعلم أن  تقول لا :
فالنجاح في أن تعمل أقل، وتنجز أكثر يعتمد على معرفة ما لا تفعله . فالإفراط في الالتزام واحد من أكثر الطرق شيوعاً لاضعاف فعاليتنا . لسوء الحظ، معظمنا لا يعرفون كيف يرفضون طلب شخص آخر للاستفادة من وقتنا وجهدنا . واثنان من الأسباب التي تجعلنا نقول نعم هما : (1) الخشية من أن يأخذ الشخص الآخر فكرة أدنى عنا، (2)طلب المساعدة يرضي أنانيتنا من خلال إعطائنا إحساساً بالقوة . وقول نعم في كلتا الحالتين يشكل هزيمة ذاتية . لا تفهمني خطأ، فأنا لست ضد مساعدة الناس . إنني أشير إلى الأوقات التي نقول فيها نعم بينما نعرف أننا نستطيع أن نوظف وقتنا في استخدام أفضل .
عندما تقصد أن تقول كلا ، قلها بسرعة، وبشكل مباشر . فإجابات مثل "لا أدري"، أو "دعني أفكر بالأمر" لا تزيد على أن تولد آمالاً كاذبة . ولا تشعر بالذنب تجاه ذلك فلديك الحق في أن تقول لا، ولست مضطراً إلى أن تقدم سبباً في كل مرة ترفض طلب شخص ما بأدب .
- اجعل الهاتف يعمل عنك :
يمكن أن يكون الهاتف أداة رائعة لتوفير الوقت، إذ يستطيع أن يحصل لك على معلومات في دقائق تحتاج الرسالة الى أسابيع للحصول عليها، ويستطيع أن يوفر عليك وقت ومصاريف السفريات، غير أن الاتصالات الهاتفية مرض يمكن أن يؤدي إلى تبديد هائل للوقت، والطاقة والنقود . إذ نجد متعة أحياناً في مقاطعة عملنا الذي نشتغل به برنين الهاتف . وهكذا نتلقى المكالمات عندما تأتي، ونسمح بإرباك عملنا كيفما اتفق، فلا تدع هذا يحدث . خصص فترة من الوقت كل يوم لإجراء وتلقي المخابرات الهاتفية. وبالنسبة لمعظمنا فإن أفضل وقت هو الصباح عندما يكون الاحتمال الأكبر أن يكون الناس في مكاتبهم . اشتر ساعة رملية زمنها ثلاث دقائق وضعها قرب هاتفك، وانظر إن كنت تستطيع بنجاح أن تكمل كل مخابرة في ثلاث دقائق . لا تتعجل، بل احتفظ ببطاقة سجل، وحاول أن تقلل زمن هاتفك كل أسبوع .
- خلّص نفسك من العواطف التي تقتل الفعالية :
تصور نفسك كوعاء يخزن فيه سائل الزمن والجهد . العواطف السلبية هي ثقوب في قعر الوعاء، فبالقدر الذي تستطيع أن تسد فيه هذه الثقوب سيكون لديك وقت وجهد أكثر لأداء الأشياء المجزية بالنسبة لك . ومن بين كل العواطف السلبية الناجمة عن عدم إنجاز المزيد، نجد الشعور بالذنب أكثرها عقماً،  فالأسف والندم والإحساس السيئ، لا تستطيع أن تغير الماضي، وتجعل من الصعب القيام بأي شيء في الحاضر . وتقدم صلاة رأيتها معلقة في أحد المخازن وصفة صحية حيث تقول : "يا الله ، ليس هناك أبداً وقت كاف لكل شيء . فساعدني على أن أعمل أقل قليلاً وأفضل قليلاً ".
والقلق الموجه نحو المستقبل هو شعور عقيم آخر . وكما قال مارك توين مرة : "لقد عرفت مشاكل كثيرة جداً، ولكن معظمها لم يحدث أبداً." إليكم طريقتين للمساعدة على إزالة القلق من حياتكم . أولاً ، واجه قلقك بصورة مباشرة، واسأل نفسك : "ما هو أسوأ شيء يمكن أن يأتي من هذا ؟" وعندما تجيب على ذلك السؤال يتلاشى القلق عادة . ثانياً، استبدل الإحساس بالقلق بوضع خطة للعمل . وحدد لنفسك أهدافاً ذات معنى، وتابعها مباشرة . وسرعان ما تصبح مستغرقاً في متابعتها لدرجة أنك لن تجد وقتاً للقلق .
إن تخليص نفسك من العواطف السلبية يمكن أن يجعلك شخصاً جديداً ؛ وفجأة ستجد أن لديك الوقت والطاقة والقدرات التي لم تكن تحلم أبداً بأنك تملكها . وقد لخص فيلسوف مجهول هذا الأمر بشكل جيد حيث قال : "معظم الظلال في الحياة تنتج عن وقوف المرء في أشعة شمسه الخاصة ."


























استفد أقصى ما يمكن
 من اللحظات العارضة
بقلم : جين برادفورد 
الوقت والمد لا ينتظران أحداً . ربما لا - ولكن كل منا يفعل ذلك ، ونحن لا ننتظر فقط، بل ينتظر معنا كذلك النساء والأطفال والكلاب . فنحن ننتظر كمجموعة وننتظر منفردين ، وننتظر لكي نذهب إلى مكان ما، وننتظر لكي نعود إلى البيت ثانية . فماذا يفعل معظمنا بينما ننتظر؟ لا شيء .
وقد قتلت مؤخراً ساعة ونصف تأخرتها طائرة زوجي بالسير بعزيمة جيئة وذهاباً في دوائر تتسع أكثر فأكثر عبر صالة المطار الكبيرة . وعندما وصل كنت أجوز دائرة كبيرة جيئة وذهاباً فلم أره . وقد مضت عدة أيام قبل أن نتمكن من أن نحدث بعضنا بلطف، ولكنني فكرت كثيراً في هدوء بيتنا المتوتر نوعاً ما، وقررت أن الوقت قد حان لكي أتعلم كيف أراقب وقت انتظاري .
إن أحدنا لن يفكر في إلقاء النكلات ( خمس سنتات ) وأربـاع الدولار، والدايمات (عشر سنتات ) التي تتجمع في جيوبنا، لكن معظمنا تقريباً يلقون بكسور الوقت الصـغير - خمـس دقائق هـنا، وربــع ساعة هناك -  التي تتراكم في أي يـوم عـادي. وأحـسب أنني ربما ألقيـت بيوم عمـل كامـل في مكتب طبيب الأسنان في العام الفائت، وأنا أقلب بشرود صفحات مجلات قديمة ومما يجعلنا نصحو من غفلتنا أن نجعل أنفسنا تجمع الزمن الذي نقضيه، ونحن ننتظر أطفالنا، وهم يخرجون من دور البيسبول للصغار، أو دروس الباليه، أو ننتظر قطار الساعة /5:47/ وهو يزحف إلى المحطة في الساعة /7:05/. 
لقد أصبحت مراقبة انتظار بشكل متواضع في بداية الأمر من خلال وضع دفتر صغير في محفظة جيبي وقد سـرني أن أكتـشف أنني أصبحـت عمـلياً وبين عشية وضحاها من ذلك النوع من الأشخاص الذين يكتبون رسائل، لا رسائل طويلة لأصدقاء قدامى كنت أنوي أن أبقى على اتصال معهم فقط، بل حتى رسائل تقدير قصيرة أكتبها بعفوية   لأناس قاموا بأعمال جيدة في بلدتنا . وأخيراً تطورت بحيث أصبحت أكتب رسائل توجيه وتأييد لممثلينا في واشنطون .
وحيث أنني كنت فخورة بنفسي، بدأت أتباهى هنا وهناك بالطريقة الذكية التي كنت أوظف فيها بقايا وقتي، ولكنني اكتشفت مثلما يحصل لكل المتبجحين، أنني لم أكن إلا هاوية . فقد ابتدع آخرون طرقاً أكثر ذكاء بكثير لاستخدام لحظاتهم الخاملة .
فإحدى صديقاتي تحمل دائماً قصاصات ورق لعمل قوائم للتسويق والمهمات؛ لكنها تحمل أيضاً دفتر مذكرات عادي لذلك النوع من القوائم التي تكبر تدريجياً، وتتحسن بمرور العمر؛ مثل قائمة الهدايا التي قال الناس من حولها، وبشكل عرضي، إنهم يريدونها. ففي ذلك الربيع كان زوجها قد صرخ بإحباط، عندما أخرج جزازة العشب أن كل ما يريده في الحياة هو حجر مسن، فسجلت ذلك بعناية، وأمنت له هدية عيد ميلاد ناجحة ذلك العام .
وذكرت جارة أخرى أن تقويم الأسنان قـد دخـل حياتهـا فجأة في الشتاء الماضي، وكان عليها أن تنتظر مدة نصف ساعة، أو أكثر مرتين في الأسبوع؛ بينما تجهز مشابك التقويم لابنها.وهكذا بدأت بعمل بطانية ملونة طموحة بشكل لا يصدق تتطلب /367/ أقحوانة بيضاء وصفراء منسوجة باليد، وقد تجاوزت الرقم /200/ حتى الآن. وتظن أنه بحلول عيد الميلاد القادم لن يحصل ابنها على أسنان مستقيمة جميلة فقط، بل وستحصل حماتها على هدية لن تنساها أبداً . وفي الفترة الأخيرة لم أعد أر أحد أصدقاء زوجي في العمل ، والذي كان يحمل على الدوام كتاباً للعبارات الفرنسية في جيبه لكي يدرسه في اللحظات العارضة . فهو الآن يدير شركته في باريس .
بعد أن ألهمتني هذه القصص الناجحة أخرجت حقيبة مشتريات متينة، وبدأت أجمع عدة الانتظار لترافقني في كل مكان، وقد ملأتها بأضمومات ورق أصفر، وبقايا أقلام رصاص، ودفتر مذكرات، وعدة خياطة، ثم ألقيت نظرة على دفتر عناويني المليء بمجموعات متنافرة مهلهلة ومشطوبة، ووضعته ضمن عدتي . وبعد أقل من أسبوع عدت إلى البيت من فترة انتظاري الروتينية بانتصار، ومعي دفتر عناوين مرتب وجديد تماماً . وفي اللحظة الحاضرة تضم عدتي مظروفاً أصفر منتفخاً يضم كل وصفات الطعام التي كنت أقتطعها من المجلات منذ تزوجت، وأقوم الآن بغربلة ما فيه، وفي نيتي أن أرتب هذه الفوضى في مجموعة من ملاحظات خبير بأنواع المآكل . وبينما أعمل به سوف أعمل قائمة بأولئك الأصدقاء الذين ينسجمون بشكل جيد معاً في حفلات العشاء التي سأجد الوقت لإقامتها أخيراً .
ولم أكن أدرك أن زوجي كان يلعب نفس اللعبة إلا عندما وجدت قبل بضعة أيام شريطاً سينمائياً صغيراً عنوانه "دليل تقديم العطاءات الناجحة" ( في لعبة البريدج ) في جيب بدلة كنت آخذها إلى المنظف، كما لاحظت أنه قد طور مؤخراً نوعاً من الثقة المرحة على مائدة البريدج، وهكذا استعرت الدليل . وأريد أن أكون جديرة به عندما يفتح "بأوراق السباتي الثلاث" في المرة التالية . وبالمقابل وضعت مكانه تمارين قياس بسيطة تستطيع القيام بها من دون أن يعرف أحد أنك تقوم بها .
قد يريد بعض رجال الأعمال أن يحملوا حافظة أوراق في حقائبهم من أجل الأشياء التي يستعملونها لجعل وقت انتظارهم منتجاً، وقد لا يحتاج آخرون أكثر من جيب بدلتهم . فقد جلست مرة بالقرب من صديق يسافر كثيراً عن طريق الجو، فمد يده في جيبه، وأخرج قصاصة ورق، وكان قد قضى ساعات عارضة في إعداد لعبة البحث عن الكنز من أجل عيد ميلاد ابنته الرابع عشر . وقال بمرح : "تبقى لدي مفتاح آخر فقط، إنني أعمل فيها منذ أسبوع . "
وبينما نسرع نحو أعمالنا الحياتية المختلفة، كلنا ميالون إلى قضاء لحظات بين ذلك نفكر في الناس الذين نحب، وبالأشياء التي نود أن نعملها من أجلهم . وقد وجد صديقي الذي كان في الطائرة طريقة يظهر فيها كم يفكر بأسرته . وجارتي ذات البطانية الملونة حققت محبتها لحماتها في وقت الانتظار الذي كانت ستضيعه لولا ذلك0 جرب ذلك بنفسك في اللحظات الفائضة، فمن السهل أن نحول التفكير بالناس الذين نحب إلى عمل شيء من أجلهم . وبدلاً من انتظار شيء لكي يحدث، من الممتع أكثر بكثير أن تجعله يحدث  . 

 







الفصل الثاني
كيف تتغلب 
على ضغوط الوقت
 
قناصة الوقت الصغار
بقلم : ريتشارد هـ . هوفمان ( طبيب )
كما رويت لـ كلارنس دابليو . هول  

رأيت صورة بيل جونز تحدق فيّ من فوق سطور ورقة النعوة منذ بضعة أيام، وكان جونز، وهو مدير ناجح جداً في أوائل الأربعينات من عمره، قد جاء إليّ قبـل بضـعة أشهر، وكانت لديه أعراض عدة أمراض ،صداع وأرق وفقدان الشهية ، وارتفاع ضغط الدم . غير أن الفحوص لم تظهر أي اضطراب عضوي . وقد مررت على مكتبه بعد بضعة أيام، وقضيت نصف ساعة ألاحظ عادات عمله، ثم قلت : "ليس هناك أي خلل فيك، يا بيل، لا تستطيع أنت نفسك أن تشفيه، إنك ببساطة تترك نفسك تحت رحمة ثلاثة من أقوى قتلة هذه الأيام، الهـاتف والسـاعة والتقويم . ويمكن أن تكون قناصة موتك . وقد كانت. 
لقد تطوعت بتقديم نفس التحذير إلى ربة بيت منهكة . فعندما جاءت إلى مكتبي كانت متحفاً للشكاوى من الآلام التي لم يكشف الفحص الدقيق أي سبب بدني لها . ومن وصف يومها العادي حصلت على صورة لامرأة لطيفة فعالة للخير تندفع بحماس متنقلة بين موقـد المطبخ والهاتـف الذي يـرن باستمرار، وأعمال الخير التي لا نهاية لها . وقد وجدت، بشكل ما، الوقت لإبداء الشكوى باستمرار حول ميزانيتها المنزلية المحدودة، وإظهار القلق حول مواعيدها، وإبداء خوف يكاد يكون مرضياً من المستقبل . فقلت لها: "الآن أنت لست أكثر من ضحية لهاتفك وساعتك وتقويمك . غير أنك، بهذه الطريقة، قد جعلت نفسك مرشحة محتملة لأي عدد من الأمراض الحقيقية ." استمعت بنفاذ صبر إلى نصيحتي حول كيفية إعادة النظر في طريقتها في العيش الضاغط، ثم اندفعت خارجة متضايقة لأنني لم أكتشف أي حالة نفسية مهمة أو أصف حقـنة علاج جسدية . وبعد سـتة أشـهر، أصيبت بمرض كلوي حـاد ومميت . وكانت هي وبيل جونز،  مثل مئات الآلاف من الكهول الأمريكيين الآخرين الذين سوف يقعون هذا العام فريسة للسكتة الدماغية، وفرط ضغط الدم ( الشرياني بخاصة )، والخناق الصدري، والأمراض المعوية، وهم مساعدون نشيطون في جريمة قتل أنفسهم .
أكثر من نصف مشافينا يشغلها أناس مصابون بمتاعب عصبية، معظمها ناتج عن عواطف خارج سيطرتهم مثل القلق واليأس والاستياء والخوف والإحباط، فمن خـلال عاداتنا الخاصـة نرهـق أعصـابنا بمضايقات صغيرة، ونقـلل من كفـاءة جسـدنا وعقلنا، ونفسد أمزجتنا ، ونحول وجودنا إلى سباق للجرذان ( سباق عنيف أخرق ).
بعد أربعين عاماً من الممارسة الطبية العامة والنفسية، أجد نفسي مقتنعاً بأن حالات التوتر يجب أن تشفى ذاتياً، لأنها مستحثة ذاتياً . كما أنني مقتنع بأن المخاوف تفعل حسناً بأن تبدأ بتلك المستبدات التي هي الهاتف والساعة والتقويم .
إن الاستبداد المميز للهاتف هو المقاطعة . والناس الذين يعملون في الحياة العامة ليسوا متعجرفين عندما يرفضون أن تسجل أرقام هواتفهم في الدليل . فهم لن يسمحوا لأنفسهم أن يصبحوا ضحية لشظايا     ( قنبلة ) المحادثات الهاتفية .
إن القليلين منا يستطيعون أن يقدروا مادياً على رفاهية استخدام سكرتيرة  تعمل كمخفف صدمات، لكننا نستطيع أن نتعلم كيف نعيش بهدوء أكثر مع الهاتف . ضع الآلة بعيداً عن قاعدة عملك بالقـدر الذي تسـمح به راحـتك، وقـبل أن ترد اسـترخ، وخذ بضعة أنفاس عميقة، وهدئ أعصابك التي تكون قد أثيرت فجأة . لا تركض أو تمشي باتجاهه . وعندما تخابر الآخرين اسأل : "هل أنت مشغول الآن ؟ هل سيناسبك أكثر لو اتصـلت بك ثانية فيمـا بعد ؟" واجعل مخابرتك أقصر ما يمـكن فالثرثارون ، ومن يضيعون وقتهم بالقيل والقال والذين يشغلون خطاً هاتفياً لفترات طويلة يثيرون غيظاً لا حاجة له . 
أما استبداد الساعة فهو طغيان الموعد . ويقدر خبراء السلامة أن تسعة أعشار الحوادث في الشوارع، وفي المنازل تنتج عن الاندفاع دون مبالاة، فميلنا إلى أن نسبق الموعد النهائي المحدد يجعل عشرات الآلاف منا كل عام، يرتكبون مخالفات تقودهم إلى حتفهم، أو يقودون سياراتهم بسرعات مدمرة، أو يسقطون عن السلالم، أو يتزحلقون على سجادات زلقة .
صمم على أن تجعل يومك أقل خضوعاً لطغيان تكتكات الساعة،  تعود أن تنطلق إلى العمل قبل بضع دقائق، ونفس الأمر بالنسبة إلى الذهاب إلى موعد . وتجنب أن تجعل برنامج يومك مزدحماً جداً بالارتباطات المتتالية . خفف ميزانية وقتك بفترات قليلة من الدقائق الإضافية لتعيد اكتشاف ما يدعوه دون هارولد "فن عمل لا شيء المفقود" . اترك بعض الوقت للطوارئ، وسوف تدهش كم يزيد هذا من كفاءتك ويجعلك تحافظ على حيويتك .
أما الطغيان الذي يمارسه التقويم فهو الخوف، إذ يوجه أشد ضرباته القاتلة عندما يسمح للغد أن يرهقنا بمخاوف لا مبرر لها . عندي مريض يصاب بانتظام باضطراب عاطفي مع قدوم كل يوم من أيام ضريبة الدخل . وهناك تواريخ أخرى تحدث حالات توتر متكررة - مثل أول الشهر الذي هو وقت دفع الفواتير .
ربما كان الخوف من الشيخوخة أقسى ضربات التقويم، فالعشرات من الناس يقعون في اضـطـراب ذهـني، أو جسـدي بـسبـب الخـوف من انعـدام الأمان والوحدة والفشل والمرض في المستقبل . وقد خلقت عبادة الشباب لدينا نحن الأمريكيين مفهوماً سخيفاً هو أنه في الشباب وحده يكمن الجمال والإثارة والإنجاز . ولحسن الحظ، فإن مجموعة كبيرة من الأشخاص يبرهنون الآن على خطأ تلك الفكرة .
منذ بضع سنوات فقط حملت إلي إحدى نجمات المسرح والشاشة محنتها، وندبت قائلة: إن نجمها قد أفل، حيث ذهبت فتنتها، وولى شبابها، فسخرت منها قائلاً : "لماذا لا تعيشين سنك، وتتصرفين حسب عمرك ؟" فقبلت الدور الرئيسي في إنتاج مسرحي يتحـدث عن نجـمة آفلة وحـازت على استحـسان كبير، وهـي الآن صحيحة الجسـم والروح، وتتباهى بأحفادها الذين كانت تخفي وجودهم من قبل .
لم تعط أبداً نصيحة لمن روعهم التقويم أفضل من تلك التي قدمها السير وليام أوسلر  "هدر الطاقة والمحنة الذهنية والمخاوف العصبية تلازم الشخص الذي يحس بالقلق بشأن المستقبل . فاكتسب عادة الحجيرات اليومية المحكمة - حيث يكون كل يوم مكتف بذاته، وتكون قد اتخذت أطول خطوة باتجاه تحقيق عيـش هادئ عندما تعالج طغيانات الهاتف والساعة والتقويم." وإليك ثلاث قواعد تساعد على البدء : 
-انظر داخل نفسك : 
فالجسم البشري آلة ضبطت بشكل حساس، وفي أي وقت يرتبك انسجامها بسبب عاطفة دخيلة ما، مثل الخوف المفاجئ، أو الغضب، أو القلق يطلق الجهاز العصبي السمبتاوي إشارة طوارئ، فتقفز الأعضاء، والغدد إلى العمل، فتطلق الغدة الكظرية، في مجرى الدم، كمية إضافية من الأدرينالين الذي يرفع سكر الدم فوق احتياجاته العادية، ثم تفرز البنكرياس الأنسولين لكي تحرق الوقود الزائد ؛ ولكن هذه النار لا تحرق الفائض فقط، بل تحرق المؤونة العادية أيضاً . والنتيجة هي نقص في سكر الدم ونقص في تغذية الأجهزة الحيوية . وهكذا تعطي الكظر شحنة أخرى، وتحرق البنكرياس الوقود ثانية، وتستمر هذه الحلقة المفرغة على هذا المنوال وتؤدي معركة الغدد هذه إلى الإنهاك .  يستطيع الجسم أن يتعامل مع عدد معقول من إنذارات الطوارئ، ولكن إذا ما تكررت كثيراً، فإن أعصابك وأجهزتك وغددك التي أتعبتها محاولة مواجهة كل هذه الإنذارات الكاذبة المربكة تتخلى عن وظيفتها، فتقع في انهيار عصبي .
- انظر إلى نفسك :
لو استطعنا نحن الذين نندفع ونقلق دون مبرر أن نرى أنفسنا كما يرانا الآخرون لأوقفتنا الكبرياء البسيطة . دع أي امرأة شديدة الاضطراب إلى حد مرضي ترجع إلى مرآتها عندما تكون تحت سوط ثالوث الطغيان الذي ذكرناه، حيث يكون وجهها قبيحاً متجهماً ، وفكاها مشدودين، ولن تستطيع كل حيل التجميل أن تمحو مدمرات الجمال تلك .
إن الاستعراض الصريح لأنفسنا يجعلنا نتوقف أيضاً عن تسمية فوضانا المجهدة بأسماء محببة مثل "كد في سبيل الواجب، حب إنجاز الأشياء، احتياط حكيم من أجل المستقبل"
- أشح ببصرك عن نفسك :
مارس الارتفاع بتفكيرك من حين إلى آخر، فوق الاندفاع، والفوضى المحيطة بك . خذ وقتاً مستقطعاً أثناء أكثر أيامك ازدحاماً لتفكر في شيء ممتع . وقد قال إدوين ماركهام : "في قلب كل إعصار يمزق السماء مكان ذو هدوء مركزي"، فكل منا يمتلك في الوضع الإعصاري مكانه الخاص من الهدوء المركزي . وأحد أسرار العيش فوق توترات اليوم هو إيجاد ذلك المكان ، واللجوء إليه مراراً .
ضع لصاقة جمجمة، وعظمتين متقاطعتين على هاتفك، وساعتك وتقويمك، ثم اعتدل في جلستك، وقل - كما فعل المهاتما غاندي "هناك في الحياة أكثر من مجرد زيادة سرعتها."

* * *
 
كيف تتجاوز التعب
بقلم : جوديث تشيس تشرشل 
إذا أردت أن تنجز أكثر، وتتعب نفسك أقل، فمن المفيد أن تعرف إن كانت الأقوال التالية صحيحة أم كاذبة، وقد تنسف بعض الإجابات نظرياتك المفضلة .
- قيلولة لمدة نصف ساعة قد تساوي ثلاث ساعات من نوم الليل .
صحيح، خذ قيلولة بعد الغداء،  أو قبل العشاء،  فتستطيع أن تتحمل كثيراً من قلة النوم. يقول الخبراء : إنها تعادل بالنسبة لبعض الناس نوم ثلاث ساعات قبل الاستيقاظ مباشرة في الصباح . ومن المحتمل أن الناس الذين يفاخرون بأنهم لا ينامون إلا بضع ساعات ليلياً هم ممن يقتنصون قيلولة .
- مقدار ما ترتاح جيداً يعني أكثر من مقدار المدة التي تنامها .
صحيح، الراحة مع الاسترخاء فعالة في استعادة النشاط . فإذا كنت تنام بضع ساعات فقط ، ولكن تسترخي باقي الليل، فسوف تكون منتعشاً في الصباح . غير أن المصاب بالأرق نادراً ما يسترخي لأنه يشعر بالقلق لكونه لا ينام، والقلق يبقيه مستيقظاً .
- التوترات الصغيرة تنهكك بقدر الكبيرة .
صحيح، ويعود ذلك بمعظمه إلى أنك لا تستطيع معرفتها ومواجهتها . فالكثير من المخاوف الصغيرة سوف ترهقك تماماً، وكذلك الأمر بالنسبة للتذمر المستمر . ولكن تأتي كل طاقاتك لنجدتك في أزمة كبيرة تعيها جيداً  .
- ارفع قدميك لتريحهما .
هذا صحيح . فراحة عشرة دقائق يومياً، وقدماك في مستوى أعلى تنعشك فعلاً .
- التسلية الهادئة تحررك من التوتر العصبي بشكل أفضل . 
فبالنسبة للاسترخاء الطويل الأمد ينصح الخبراء باستبدال المتع السلبية مثل التلفاز والمذياع بمسرات نشطة تشغل عقلك وجسمك . جرب العمل في الحديقة والرياضة  وتزيين المنزل أو أي هواية "مشاركة" أخرى .
- لا تثق بالقرارات المسائية .
صحيح ، أجلها حتى الصباح عندما تكون منتعشاً . والاحتمالات هي أن آراءك عندها ستكون مختلفة عما كانت عليه في الليلة السابقة عندما كنت متعباً .
- التبذير يتعبك .
صحيح ، التعب غـالباً ما يأتي في أعقاب شراء شيء لا تستطيع تحمل كلفته، فالحيرة والشك يولدان تعب الأعصاب والعضلات، فهما مرهقان مثل الممارسات الجسدية العنيفة .
- نم باكراً و استيقظ باكراً .
ليست قاعدة معصومة من الخطأ؛ فهناك نوعان من الناس . نوع ( أ ) تكون ذروة نشاطه في وقت مبكر في الصباح، حيث ينال أفضل نوم له أثناء القسم الأول من الليل . أما الطاقة القصوى لنوع ( ب ) فتكون بعد الظهر أو في المساء، فهو ينام خلال القسم الأخير من الليل؛ وأفضل رهان له على العمل المتأخر والاستيقاظ المتأخر .
- الوقوف يتعب أكثر من المشي .
صحيح ، عندما تمشي ترتاح كل ساق نصف الوقت، وعندما تقف لا ترتاح أي من الساقين، ومن المحتمل أن يتعبك توتر وقلق الانتظار في الصف أكثر من مجرد الوقوف .
- قم بأسوأ الأعمال الروتينية أولاً .
صحيح، ابذل جهدك لتأديتها، فالتهرب من عمل يسبب لك متاعب مضاعفة - من الخوف من العمل، ثم من القيام به . فمعالجة الأعمال الصعبة أولاً سوف يجعل الأخرى تبدو أسهل .
* * *




















كيف تقول لا
بقلم : فانس باكارد

يرهق كثير منا في حياته اليومية بسـبب عدم قدرته على قول : لا: حازمة ولكن لبقة . وغالباً ما يكون سبب مصاعبنا رغبتنا في أن نكون أشخاصاً طيبين . لي قريب اسمه إدغار رايت ، وهو رجل أعمال في بلدة صغيرة، ويعمل إدغار في /17/ لجنة، معظمها سببه فقط أنه لا يستطيع أن يقول :لا؛ ويذهب إلى سهرات البريدج التي تصيبه بالملل، وعندما تقدم له مضيفته كعكة بالشوكولاتة يأكلها بأدب، رغم أن لديه حساسية منها، ويشعر بالندم فيما بعد .
وزوجة إدغار إيلاّ في مثل وضعه السيئ، فمنذ بضعة أسابيع طلبت منها إحدى معارفها التي تبيع أدوات تجميل من خلال عرضها في البيوت، أن ترعى حفلاً لأدوات التجميل، حاولت إيلاّ أن تقول:لا، لكن المرأة استمرت بتملقها إلى أن قالت: نعم  وأقنعت إيلاّ /20/ من صديقاتها بالمجيء، وهن لم يستطعن أن يقلن:لا: أيضاً . ويقدر إدغار أن الحفل كلفه والأزواج الآخرين /148/ دولاراً .
كل يوم تقـريباً يقع العـديد مـنا في مواقف حـيث ينبغي منـطقياً أن نقـول لا، ولكننا لا نفعل مع ذلك هناك عدة طرق معقولة، وودية لقول لا، يمكنك أن تجدها مفيدة في المرة القادمة التي تواجه فيها مشكلة .
- اجعلها على أساس موضوعي :
تقول إحدى أكثر ربات البيوت هدوءاً ممن أعرفهم إنها حققت هدوءها عندما تغلبت على مشكلة قول: لا، وأوضحت، أسير حسب قواعد . فعندما تطلب منها إحدى معارفها أن تلف طروداً لبؤساء في موزامبيق تقول ببساطة: "آسفة، لا أستطيع، فهذا العام أقصر نفسـي على أمرين، الكشافة، وحملة شلل الأطفال، وأحاول أن أقوم بهما على النحو الصحيح ."
وعندما يطرق بائع بابها تكون مهذبة، ولكن حازمة وتقول : "إن مبدأنا ألا نشتري شيئاً من أمام الباب ."
- بيّن بوضوح أنك تود أن تقول نعم :
صديقي تيم مسؤول عن تسوية المطالبات المقدمة ضد عملاء أمنـت شـركته عليهم، ورغم أن مكتبه يوافق على ملايين الدولارات كدفعات كل عام، كثيراً ما كان تيم يضطر أن يقول: لا . غير أنه يظهر دائماً تعاطفاً مع صاحب المطالبة، ويوضح أنه قد يتفق معه أخلاقياً، ولكن يديه مقيدتان قانونياً . وفي هذه الحالة قضت الدائرة القانونية للشركة بأن المؤمن عليه ليس عليه أي مسؤولية قانونية، ويضيف بأسف "إننا غير قادرين أن نتطوع بتقديم أموال" .  
ويقول :"إن الناس يذهبون عادة، وهم يشعرون بأننا نود أن نساعدهم على الأقل ."
- اظهر أنك قد فكرت بالطلب جيداً :
وفكر به جيداً  . فالرفض الفظ هو الذي يسبب الاستياء . وقد أوضحت كلارنس ليونز، وكانت موظفة في المصرف التجاري فيما سبق . "يجب أن تجعل الشخص يرى أنك تفهم مشكلته، حتى وإن كان عليك أن تقول لا ."
وعندما كان جو ستوفر في شركة آير آند صن في نيويورك، رفض الكثير من الأفكار التي تقدم بها هواة من أجل برامج إذاعية وتلفزيونية، غير أنه علق قائلاً "إن معظم الناس يبدون قانعين إذا ما حصلوا على مجرد فرصة لرواية قصتهم ."
- قل لا من خلال مساعدة الشخص أن يقول لا لنفسه :
أحد جيراني مهندس ديكور داخلي، أبداً لا يقول: لا؛ للعملاء عندما يريدون أن يدخلوا أفكاراً غير عملية في منازلهم، وبدلاً من ذلك يعلمهم كيف يقولون :نعم: لما يريدهم أن يفعلوه .وقد أخـبرني عـن زوجـين بنيا بيتاً حديثـاً، فيه نوافـذ تمتـد من الأرض إلى الـسقف وموقعـه مكشوف . وجـاء اليوم الـذي كان فيه على الزوجة أن تنتقي قماش ستائر، وكانت تفضل قماشاً قطنياً مورداً غير ملائم للمنزل إطلاقاً .فاقترح مهندس الديكور قائلاً : "دعينا نقوم بجولة في المنزل لنرى ما تريدين من ستائرك أن تؤديه تماماً ." وبينما كانا يسيران تحدث عن الوظائف التي ستؤديها الستائر في كل حجرة ، وما هو النسيج الذي سوف ينسجم مع الديكور الحديث بصورة أفضل، وحينما انتهيا من الجولة كانت المرأة قد نسيت حماسها للقماش القطني المورد .
- عندما تقول لا ، بين ما يجب عمله للحصول على نعم :
إذا حاولت أن تصرف شيكاً في فندق ستاتلر هيلتون من دون وسيلة تعريف، فإن الموظفين لن يقولوا لك لا فقط، إنهم سيقترحون بشكل مفيد طريقة ما تستطيع منها أن تصرف الشيك محلياً .
كان الدكتور الراحل وليام رايلي مؤلف كتاب "العلاقات الإنسانية الناجحة"، مستشاراً إدارياً . وإليكم كيف نصح مدراء الأعمال للتعامل مع الشخص الذي يريد علاوة، ولكنه لا يستحقها . "نعم يا جورج ، إنني أفهم حاجتك إلى علاوة، غير أننا لكي نعطيك إياها علينا أن نجعلك أكثر نفعاً للشركة، والآن دعنا نرى ما نحتاجه منك ..."
- قل لا من خلال الإظهار بأن الطلب غير معقول :
من خلال طرح أسئلة يمكنك أن تكتشف ظروفاً تعطيك عذراً مشروعاً لقول: لا،كما أن طرح الأسئلة يعطيك الوقت للتفكير برفض لبق .وإليك الكيفية التي يقول فيها المدير الذكي ( لا ) بلطف لفكرة رديئة من دون أن تثبط الأفكار المستقبلية .جون ، اقتراحك فيه ميزة، ولكن ما الذي ستقرره لو كنت مكاني؟"ثم يوازن بين الحجج المؤيدة والمعارضة ليبين السبب الذي يجب أن يجعل الجواب لا .
- المهم جداً أن تقول لا  بألطف وأرق طريقة تستطيع :
لقد تعلمت واحداً من أفضل دروسي في فن قول( لا ) بلطف من ابنتي سندي البالغة أربع سنوات من العمر، فمنذ بضعة أيام قررت عجوز جياشة العواطف جداً أن تصبح صديقة لسندي، وبعد أن أمطرت الطفلة بعواطفها المتملقة لفترة سألت : "سندي هل تحبين أن تأتي إلى منزلي لكي تلعبي غداً؟" فحبست أنفاسي بينما كانت سندي تفكر بالاقتراح، وكنت سأتعثر كثيراً إذا ما حاولت أن أرفض دعوة كهذه . أشرق وجه سندي بابتسامة دافئة عريضة، وهي تعطي جوابها المكون من كلمة واحدة حيث قالت : لا . وكانت لاؤها ودية ولطيفة، وتحمل معنى التقدير، ولكنها كانت حازمة بشكل جلي إلى درجة أن المرأة لم تتابع الموضوع .

* * *
 
تمهّل
بقلم : م . فريدمان (طبيب)

أشك في أن أدق أنواع الحمية، وأفضل برامج التدريب سوف تفيد كثيراً في كبح مرض القلب في أمريكا، ما لم نفعل شيئاً أيضاً لكي نكبح سعار حياتنا . لقد توصلت، وزملائي في معهد هارولد برون إلى تلك النتيجة لأول مرة في عام 1957؛ وهي أنه ليس الغذاء الأمريكي، وتدخين السجائر،  أو حتى قلة التمارين هي المسؤولة وحدها عن الزيادة الضخمة في مرض القلب،  فكلنا نعرف أن أسلافنا كانوا يأكلون نفس المقدار من اللحم والحليب والبيض تقريباً، وأنهم كانوا يدخنون أيضاً، ولم يكونوا جميعاً يحافظون على رشاقة أولمبية؛ ولكنهم تجنبوا أذى نحن معرضون له، السرعة المتزايدة التي نعيشها باستمرار.
ما أقوله ورغم أنه مثار جدل،  فلدينا الكثير من الأدلة لتأييده؛  هو أنه كلما جاهد إنسان بشكل متواصل جداً لإنجاز أشياء عديدة جداً في وقت قصير جداً، وكلما جاهد بشكل تنافسي جداً مع الأفراد الآخرين، فإن هذا الجهد يعمق بشكل ملحوظ طريق مرض القلب التاجي،  وإذا لم ينقص هذا الجهد أشك بأن الفائدة قليلة من تغيير المرء عاداته في التغذية أو التدخين أو التمرين، لأن القوى البيوكيميائية ( الكيميائية الحيوية) المتولدة عن هذا الاضطراب الداخلي قادرة بحد ذاتها على أن تسبب متاعب قلبية، فهي تفعل ذلك من خلال رفع كولسترول الدم، وإغراق الجسم بمواد مثل الأدرينالين، واستنزاف الاحتياطات العادية من الهرمونات التي تحافظ على الحياة .
فهل يجرؤ أي شخص أن يقود محرك سيارته بسرعة ساعة بعد ساعة، ويوماً بعد يوم،  ويتوقع من هذا المحرك أن يدوم نفس المدة التي يبقاها محرك يعامل بلطف ؟؛ ومع ذلك فإن ملايين الأمريكيين يقودون محركاتهم بسرعة تتزايد بشكل مخيف، مخلفين الناجين الذين يصابون بالصدمة بسبب انهيارهم السريع . إذن، إذا كان لا بد من تحقيق تخفيض في معدل النوبات القلبية، يجب على كل شخص أن يتوقف عن المعاناة من  نمط السلوك من نوع " أ " . 
كيف يستطيع الشخص أن يتعرف على وجود هذا النمط في ذاته ؟ أولاً، إذا كان يقلق لأنه متأخر بشكل مخيف في كل الأمور التي يعتقد أنه ينبغي أن يؤديها،  أو إذا تذمر من التأخير في حركة المرور،  أو في المطاعم،  أو إذا جاهد بشكل محموم للحصول على أشياء يستحق أن يملكها، بيت جميل، ومركز أفضل، وتعليم جامعي لأولاده؛ على حـساب الأشياء التي تسـتحق أن تكون موجـودة - كعاشـق للفنون، متحمس لعجائب الطبيعة والجنس البشري،  أو إذا وجد نفسه مستعبداً للاستحواذ على الأرقام - وهي عدد الزبائن الذين استقبلهم ، وعدد صناديق البضائع التي باعها،  أو إذا كان غير راض بشكل ساخط عن وضعه الاجتماعي الاقتصادي، بغض النظر عن المستوى الرفيع الذي هو فيه . وبصرف النظر عن مدى ارتفاع منزلته، أو إذا كان يمتدح مثل الحب والصداقة بلسانه لا بقلبه .
سوف يحتج كثير من الناس بأنهم إذا أرادوا أن يحافظوا على بقائهم مادياً، فمن الضروري جداً أن يضاعفوا سرعة حياتهم بحماس متزايد . ولكن بعد إجراء مقابلات مع آلاف من المدراء وأصحاب الحوانيت والأطباء والأساتذة والموظفين وسائقي الشاحنات والباعة اقتنعت بأن التوجه السليم الوحيد إلى النجاح والأمان الاجتماعي، والاقتصادي يتكون من المحاكمة العقلية، والإبداع والحب . فمن هو الذي أصابه الإفلاس أبداً بسبب تأخر طائرة ؟ ومن فقد ثروة أبداً لأنه استخدم تقويماً بدلاً من ساعة توقيت عند اتخاذ القرارات الهامة ؟
إن نمط السلوك " أ " هذا يعمل أكثر من مجرد التعجيل بحدوث الأمراض القلبية لدى الكثير من الناس . إنه يجردهم من شخصيتهم أيضاً فهو يطلق ضحاياه من وظائفهم بعد ظهر كل يوم ليكونوا تحت المراقبة، ويعودون إلى منازلهم حيث يتحملون أحداث النهار  ولكنهم نسوا كيف يستمتعون بها، ويهتزون طرباً لها، ويصبح أطفالهم الذين يحسون أن آباءهم لا يسمعون، ولا يشعرون بالحياة مثلما يمارسونها صادقين، وغالباً ما يصبحون كئيبين . فهل نستطيع أن نعجب من أن صغارنا لا يرغبون أحياناً في أن يحاكموا عبيدهم المرهقين، بل يشفقون عليهم بشكل ما ؟ هل هؤلاء الأطفال سذج حقاً عندما يمقتون نظاماً يجعل والدهم نائب رئيس مصرف ، ولكنه يسلبه فرحه بشجرة الكرز التي زرعها بنفسه قبل عشر سنوات ؟.
هل يمكن إيقاف الضربات التي يكيلها هذا النمط من السلوك لمن يعانون منه ؟ أعتقد ذلك ، ولكن عملية تحرير الإنسان لنفسه صعبة؛  ربما تكون أول خطوة متعثرة هي الإقرار الصريح بإدمان الشخص على طراز حياة شوهته الرغبة في الحصول على أشياء كثيرة جداً في وقت قليل جداً . فعلى الإنسان أن تكون لديه الجرأة ليسأل نفسه "من سيحضر جنازتي ؟". ففي سعيه المحموم إلى المكانة يشوه هذا الإنسان من النمط " أ " سمعة نفـسه إلى درجـة أن القليلين سـوف يشعرون بفقده عنـد موته ، هذا إذا شعر به أحد ، وبعضهم - وغالباً ما تكون زوجته وأطفاله - سيشعرون بالراحة فعلاً . فيجب عليه أن يبدأ في إعادة تقويم الصداقة . والأصدقاء الذين يبحث عنهم يجب أن يكونوا أناساً ممن لا يعجبون به بالضرورة بقدر ما يحبونه .
ولكن وباءً ملازماً مدى الحياة تقريباً لا يمكن التخلص منه بمجرد الاعتراف بوجوده، والحصول على أصدقاء صدوقين،  فعلى المرء أن يرى من جديد أسرته كجانب مهم بشكل رائع من جوانب الحياة الحقيقية . وهكذا إذا تحدثت زوجته عن نشاطاتها الخيرية، أو إذا قص طفل حكاية طويلة، يجب أن يعترف بأن قضاياهم لها نفس أهمية نشاطاته الخاصة، وربما أكثر من ذلك .
والحاجة إلى إعادة تقويم استخدام المرء للوقت مهمة أيضاً . ويجب أن يسأل المرء بشكل متكرر أسئلة مثل : ما هو الفرق الذي سيحدث فعلاً لو تأخرت مغادرة طائرتي خمس دقائق خلال خمس سنوات ؟ هل أنا أحدد مواعيد كثيرة جداً كل يوم من أجل إنجاز كتلة أكبر من الأرقام بصورة رئيسية ؟. وعند أي رقم معين أتخلى عن إرهاق نفسي. وأخيراً يجب تشجيع البحث عن الجـمال، وينبغي تفحص النشاطات اليومية وفي ذهننا هذا السؤال على الدوام : هل حدث لي شيء، أم هل فعلت شيئاً تكون له قيمة الذكرى ؟ لكن الجمال وحده هو الذي يحمل قيمة حقيقية للذكرى . وقد كنت أسأل مرضاي بصورة دائمة أن يحضروا لي قائمة بتلك الأحداث التي يتذكرونها بسرور بشكل متكرر . ولم تحتو أي من هذه القوائم أبداً على إشارة إلى حيازة الأرقام .
وأعتقد أنه إذا كان كل إنسان سيبدأ كل يوم، وكأنه يومه الأخير،  فسوف يفتش بجد عن عناصر الجـمال المختلفة ، ولن يبـحث عنـها في ممرات المصارف وأسواق البورصة والمنشآت الصناعية حصراً ولم يفت الوقت بعد ، أياً كان سنك ، لكي تجرب هذا البحث عن الجمال .
* * *
 
اعرف اللحظة المناسبة
بقلم : آرثر غوردون 

لن أنسى أبداً مقابلة أجريتها مع ذلك الممثل العجوز الرائع الراحل تشارلز كوبيرن، حيث سألت سؤالاً بليداً : ماذا يحتاج المرء لكي يتفوق في الحياة: العقل، النشاط، التعليم؟.
فهز رأسه بالنفي . هذه الأمور تساعد، لكن هناك شيئا" أعتبره أهم حتى منها : معرفة اللحظة .
وأتذكر أنني حدقت فيه وقلمي مرفوع قائلاً : "أي لحظة ؟" فقال :"لحظة أن تعمل، أو أن تمتنع عن العمل، لحظة أن تتكلم،  أو تلتزم الصمت . فعلى المسرح ، وكما يعرف كل ممثل ، التوقيت هو العامل الهام جداً،  وأعتقد أنه المفتاح في الحياة أيضاً . فإذا أتقنت فن معرفة اللحظة في زواجك وعملك وعلاقاتك مع الآخرين لن يكون عليك أن تلاحق السعادة والنجاح . إنهما سوف يدخلان مباشرة من بابك الأمامي" .
لقد كان الممثل العجوز على حق إذا استطعت أن تتعلم كيف تتعرف على اللحظة الصحيحة عندما تأتي ، وتتصرف قبل أن تمضي،  تصبح مشكلات حياتك بسيطة بشكل واسع . فالناس الذين يواجهون الفشل بشكل متكرر غالباً ما تثبط همتهم بسبب ما يبدو عالماً معادياً بلا هوادة،  ولكن ما يكادون لا يدركونه أبداً هو أنهم يبذلون الجهد الصحيح من حين إلى آخر، ولكن في اللحظة الخطأ .
لقد سمعت القاضي في محكمة العلاقات الزوجية يقول مرة : آه لهذين الزوجين المتخاصمين،  لو أنهما أدركا فقط أن هناك أوقاتاً تكون فيها عتبة الإثارة عند كل شخص منخفضة ، وعندما لا يكون الشخص قادراً على تحمل المناكدة أو الانتقاد،  أو حتى النصيحة الجيدة . فلو أن شركاء الزوجية تكلفوا فقط مشقة دراسة مزاج كل منهما الآخر، وعرفوا متى يتذمرون،  أو متى يظهرون عواطفهم،  فإن معدل الطلاق في هذه البلاد سوف ينخفض بمقدار النصف .
لقد كان القاضي يقول ما قاله تشارلز كوبيرن : اعرف اللحظة، فمرة عندما كنت في نوبة ندم سألت زوجتي أي من هفواتي الصغيرة أزعجتها أكثر، فقالت في الحال "ميلك إلى أن تنتظر حتى نكون على وشك الدخول إلى حفلة، ثم تخبرني أن شعري غير مرتب، أو أن ثوبي لا يبدو بحالة جيدة تماماً ." 
إن السلوك الجيد غالباً ما لا يكون أكثر من التوقيت الجيد . فهل هناك ما يضايق أكثر من أن تقاطع في منتصف الحكاية ؟ ومن لم يقع في شراك ثقيل لا يعرف أبداً متى يغادر؛ إن التوقيت الجيد يعني أحياناً فعل ما هو غير متوقع . ففي جورجيا كان هناك طبيب قام بترتيبات لأحد الأطفال من أجل تبنيه من قبل زوجين لا أطفال لهما؛ وكان يجري مكالمة هاتفية مع  زوجته في وقت متأخر من إحدى الليالي، وفجأة قال : "إن أوراق التبني كلها جاهزة.  دعينا نذهب إلى المشفى ونأخذ الطفل إلى روث وكينيث " .
فهتفت الزوجة : أفي هذه الساعة ؟ إنهما لا يفترض أن يحصلا على الطفل قبل عدة أيام، وسوف يصابان بهلع كبير .
فقال الطبيب : "إن للأطفال الجدد طريقة في الوصول في وقت متأخر من الليل. وفي المرة الأولى يصاب الأبوان بالهلع دائماً . وسوف أقدم لهما بداية عادية جيدة . دعينا نقوم بذلك ! " 
وهـكذا "سـلمً الطــفل في منتـصف اللـيل، وكان الزوجان مرتبـكين ومنفعـلين، وكانت لحظة للذكرى فعلاً . 
وقد اعتقدت لوقت طويل أن التوقيت موهبة، شيء يولد معك مثل الأذن الموسيقية، ولكن أدركت تدريجياً بعد مراقبة الناس الذين بدوا يحملون بركة هذه الموهبة، أنها مهارة يمكن اكتسابها من قبل أي شخص يحرص على بذل الجهد، ومن أجل إتقان فن التوقيت الجيد تذكر خمس متطلبات :
أولاً، اجعل نفسك تدرك دائماً السبب الذي يمكن أن يجعل التوقيت حاسماً في الشؤون البشرية . وكم كان تبصر شكسبير صحيحاً عندما كتب : "هناك مد وجزر في شؤون الناس،  فإذا ما استغل في حالة المد أدى إلى النجاح . وبعد أن تدرك الأهمية الكاملة "لمعرفة اللحظة" تكون قد اتخذت الخطوة الأولى باتجاه اكتساب القدرة على مواجهتها .
ثانياً ، اعقد حلفاً مع نفسك ( وهو حلف قد تخرج عليه أحياناً ) على ألا تتصرف أبداً، أو تتكلم حين تعصف بك رياح الغضب، أو الخوف أو الأذى أو الغيرة أو الكره .
فهذه المفاتيح العاطفية يمكن أن تدمر آلية التوقيت التي طورت بحرص. فمرة فقدت أعصابي في اجتماع عام عاصف وقلت بعض العبارات الفظة والساخرة،  فهزم الاقتراح الذي كنت أؤيده مباشرة،  ولم يقل والدي الذي كان حاضراً أي شيء ، ولكنني وجدت على وسادتي في تلك الليلة نصاً لأرسطو وقد وضعت تحته علامة يقول أرسطو: "يستطيع أي إنسان أن يغضب - ذلك سهل، أما أن تغضب من الشخص المناسب وبالدرجة المناسبة، وفي الوقت المناسب وللغرض المناسب والطريقة المناسبة،  فذاك ليس ضمن قدرة كل شخص وليس سهلاً ."
ثالثاً، اشحذ قدراتك على التوقع، فالمستقبل ليس كتاباً مغلقاً، وكثير مما سيحدث يحدده ما يحدث الآن، ومع ذلك فإن قليلاً من الناس، نسبياً، يبذلون جهداً واعياً لكي يتخيلوا أنفسهم ما بعد الحاضر،  ويقيسوا احتمالات المستقبل وتصرفوا وفقاً لذلك . هذه القدرة على النظر إلى الأمام مهمة جداً في العمل، حتى أن العديد من الشركات تجعلها مقياساً للتقدم في العمل . ولكنها مهمة أيضاً في إدارة شؤون الأسرة0
فهل سيكون يوم السبت يوماً جيداً للقيام برحلة إلى الشاطئ ؟ من الأفضل أن تكون قطع اللحم البارد وخبز الشطائر جاهزة في حالة الحاجة إليها . هل بدأت صحة حماتك الأرملة في التدهور ؟ من الأفضل أن تواجه إمكانية أنها قد تضطر إلى الانتقال للعيش معك، أو توضع في بيت للرعاية . ويتضمن فن التوقيت الجيد معرفة اللحظة التي سيزيل عمل الحاضر فيها متاعب المستقبل أو يؤدي إلى اكتساب منافع في المستقبل .
رابعاً، تعلم الصبر، كل ما عليك هو أن تعتقد مع إمرسون أنه إذا ما وطد الإنسان الفرد نفسه على غرائزه بشكل راسخ، وصمد هناك، فالعالم الضخم يأتي إليه .ليست هناك معادلة سهلة لاكتساب الصبر، بل إنه مزيج دقيق من الحكمة وضبط النفس. لكن يجب على المرء أن يتعلم أن التصرف المبتسر غالباً ما يمكن أن يفسد كل شيء .
والخطوة الأخيرة والأصعب هو تعلم أن تمتد خارج نفسك،  فكل لحظة يشارك فيها كل مخلوق حي، ولكن كل شخص يراها من وجهة نظر مختلفة . إذن ، فمعرفة اللحظة فعلاً تتضمن معرفة كيف ينظر إليها الناس الآخرون . روت السيدة جون دايبرت الراحلة من نيو أورليانز، وكانت محبة للخير: كيف شد انتباهها رسم كاريكاتوري بينما كانت تقلب صفحات مجلة في ليلة من أواسط الشتاء . وكان يصور الرسم عجوزين مسنتين في ثياب بالية ترتجفان إلى جانب نار هزيلة، وتسأل إحداهن : "بماذا تفكرين ؟" فتجيبها الأخرى : "بالملابس الجميلة الدافئة التي ستعطيها لنا السيدات الغنيات في الصيف القادم" . نظرت السيدة دايبرت وهي ممن يقدمن الإعانات للمشافي، ويقمن بأعمال خيرية أخرى عديدة إلى الكاريكاتير لمدة طويلة . وأخيراً صعدت إلى العلية، وفتحت الحقائب، وجهزت رزماً من الملابس الدافئة لكي توزعها في اليوم التالي،  وقررت أن توقت إحسانها بطريقة أفضل، وتعطيه، كما قالت: "للأشخاص الذين يحتاجونه الآن ."
وكما يقول الكتاب المقدس "لكل شيء هناك سبب، وهناك وقت لكل هدف تحت السماء" .  
* * *      
 

 





الفصل الثالث
جِدّ وقتاً للأمور التي 
تعتبر مهمة   
 
أفسح وقتاً للحب 
بقلم : جين برادفورد

بدا ذلك المساء من يوم الجمعة، عندما أخذت وزوجي نتذكر ما كنا قد بدأنا ننساه  عادياً تماماً في البداية،  فقد دخل وعلق معطفه، وتطلع في أنحاء المطبخ، ثم سأل فجأة "أين الآخرون ؟"    فرفعت رأسي عن حبات البطاطا الست المخبوزة التي كنت أعالجها بالزبدة، وقلت : "لا بد أنهم هناك في مكان ما،  لقد كنت أتنقل كثيراً اليوم حتى أنني .... "   اختفى، وسمعت جهاز التسجيل يتوقف، ثم دق جرس الهاتف، وتلقيت رسالة بأن اجتماعه في تلك الليلة قد ألغي، فظهر ثانية، وأومأ برأسه شاكراً عندما أبلغته عن الاجتماع، وحدق مرة أخرى في زوايا المطبخ، وأعلن صراحة، "لا يوجد أي أحد هنا".
فتوقفت عن وضع البطاطا في الطبق وفكرت لبرهة : "آه ! لقد نسيت . فجيم ذهب لقضاء الليل مع الكشافة؛ ولم يخبرني تيد هذا الصباح أنه سيذهب إلى منزل بيلي لقضاء الليل " ورفعت حبتي بطاطا من الطبق، "وبوبي في منزل آل هاويس ... وجين ... " وتوقفت ساكنة تماماً، وأنا أعد في عقلي . "أتدري ؟" قلت بوهن،  وأنا أنظر إلى الرجل الذي كنت قد تزوجته منذ أمد طويل : "ليس هناك إلا نحن الاثنان..." .
إنني وزوجي، على ما أعتقد في الفترة التي يدعوها علماء الاجتماع "الفترة المتوسطة"، وكما تعلمون : "الأطفال كبروا، والمنزل مدفوع نصف ثمنه، ونصف الوقت نشـعر بأننا كعروسـين شـابين، ونصف الوقت نشعر وكأننا لم نتزوج أبداً، وقد ندرك كم نحن سعداء في معظم الأوقات .
إن الزواج يبدأ كقضية خاصة، ولكنه بالتأكيد لا يبقى على ذلك النحو طويلاً . فذلك الدرب الريفي الهادئ الذي مشيناه معاً، يداً بيد، يؤدي بسرعة كبيرة إلى (ساحة أوقات)، حيث إذا ما تمكن أي رجل وامرأة من إمساك يدي بعضهما أصلاً فسيكون ذلك من أجل الحماية المتبادلة أكثر منه من أجل الحب .
ففـي هـذه الفترة مـن حياتكما معـاً تعـاد صياغة نذركما في أن "أترك كل الآخرين وألتـصـق بــك وأحبـك"، وذلــك بسـبب رحلات العـمـل وســباقـات السيارات واجتماعات اللجان والمسرحيات من الدرجة الرابعة . وها أنت الآن تبتعد من أجل الآخرين أكثر مما تلتصق ، وقبل أن تدري تحولت موائد عشائك الحميمة لشخصين، إلى وجبات السكن الداخلي الجماعية . قد تكون حياة مثيرة ولكنها بعيدة جداً جداً عن نقطة حفلة الشاي لاثنين، وعبارة أنا من أجلك التي بدأتما منها .
وهكذا اتضح أن ذلك المساء العادي عندما وجدنا أنفسنا وحدنا فجأة . كان أبعد من أن يكون عادياً، فتحدثنا عن كثير من الأمور التي لا نتحدث عنها عادة، ولم نتحدث إطلاقاً عن الأمور التي نتحدث عنها عادة، وبعد فنجان القهوة الأول والثاني، اتكأ زوجي إلى الخلف في كرسيه، وقال بسعادة، "كنت في حاجة إلى هذا، كلانا كان في حاجة إليه ."
وهكذا ومنذ تلك الجمعة المصيرية كنا نترقب أي نوع من الطرق غير المتوقعة لكي نصبح وحيدين معاً . وهذا مختلف جداً عن كوننا وحيدين معاً كل يوم . فذلك يحدث على سبيل المثال عندما تنهضين مع زوجك باكراً في صباح أحد الأيام لكي توصليه إلى الطائرة فالمنزل هادئ، لكن العالم الخارجي ما يزال يقتحم الخلوة بقوة، فيذكرك زوجك أنه يجب استدعاء السباك ثانية اليوم، وتذكريه أنت باجتماعات لجنة تخطيط البلدة مساء الغد، وهناك بطاقة محضر تحتاج إلى مناقشة، وتطوير في المكتب يحتاج إلى قرار 0 إنكما وحيدان معاً، ولكنكما لستما وحيدين معاً بالفعل،  أترين الفرق ؟ هناك الكثير من الطرق السهلة والثمينة - لتصبحا معاً، تستطيعان على سـبيل المثال أن تذهبـا برحـلة حول العالم،  أو تقضيا بضعة أسابيع في فندق استجمام . ولكن إذا كانت هذه الأفكار تبدو غريبة، حاولا أن تفعلا ما فعلته أنا وزوجي، اكتشفا بضعة طرق بسيطة لتصبحا وحيدين دون الإغارة على حسابكما المصرفي . فأولادنا، بعد أن تغلبوا على سرورهم الذي لم يحسنوا إخفاءه، من فكرة كون شخصين بعمر والدهم ووالدتهم قد يريدان أن يكونا وحيدين معاً، كانوا عوناً كبيراً لنا . فغالباً ما كانوا ينسقون توقيت لياليهم خارج المنزل  بعد أن أوضحنا لهم الشعور الغريب والممتع الذي سببته لنا تلك المصادفة البسيطة، كما استنبط ابننا الأكبر أسلوباً ناجحاً آخر ندعوه لعبة "لا تذهب إلى الاجتماع."
فقد ابتدعه عفو الخاطر في إحدى الليالي بعد أن أطعمت الجميع باكراً لأن هناك اجتماعاً هاماً كان يفترض بزوجي وأنا أن نحضره لكي نتعلم شيئاً مهماً عن أمر ما أو آخر؛ وكنت قد ارتديت ثياب الاجتماعات ، وكان زوجي قد روض نفسه على مساء آخر ممل عندما قال ابني بصورة عرضية "هناك فيلم رائع في البلدة وبما أنكما مستعدان للخروج على أي حال ...."
فذهبنا إلى الفيلم، وتوقفنا لتناول هامبرغر بعد ذلك، وكان الوقت متأخراً تماماً عندما عدنا إلى المنزل . لقد قضينا وقتاً ممتعاً، وقد فعلنا ذلك مراراً . منذ ذلك الحين ربما لم نكن نستمع كثيراً إلى الذين يعقدون الاجتماعات ليخبرونا به، لكننا كنا نستمع إلى الكثير من بعضنا، ونعتقد أن ذلك مهم .
طبعاً نشعر بقليل من الذنب عندما نتسلل بهذه الطريقة، ولكنه أمر جيد أن تشعري بالذنب، عندما تتسلين مع زوجك لتكوني وحيدة معه . وقد أبلغتني إحدى صديقاتي، على سـبيل المثـال، أنها كانت مرة مع زوجها في رحلة عمل في عطلة نهاية الأسبوع، والتي لم تكن تتوقع أن تكون أكثر من مجرد كونهما وحيدين معاً بشكل عادي إلى أن حدث شيء حولها إلى النوع الآخر من كونهما معاً .
كل ذلك كان لأنها بدأت تقهقه بدون أي سبب إطلاقاً، وهي تراقب زوجها يوقع سجل الفندق، فرفع موظف الفندق بصره ببعض الدهشة، مما زاد من قهقهتها،  فدفعها زوجها الذي شعر بالارتباك إلى المصعد دفعاً برغبة واضحة لإخفائها عن البصر، إلى درجة أن خادم الفندق ضحك ضحكة مكتومة . وبالوقت الذي أغلقا فيه باب غرفتهما فعلاً شعرا وكأنهما غير متزوجين، وهذه طريقة جيدة يجب أن يشعر بها المتزوجون مرة في كل آن . وفي الحقيقة فإن شعورك بالخطيئة دون أن تكون مرتبكاً لها واحد من أفضل مسرات كونكما وحيدين معاً، وأكثرها بعداً عن التوقع، فهي أشبه قليلاً بالحصول على الأفضل من كلا العالمين .
ورغم أننا لا نستطيع غالباً أن نذهب في عطل نهاية الأسبوع معاً، فقد وجد زوجي طريقة أفضل للشعور بالخطيئة دون ارتكاب الخطيئة فعلاً، طريقة تجعل كل ربة منزل تشعر بأنها تركت أسرتها بعيداً وراء ظهرها . فهو يخرج بي لتناول إفطار صباح يـوم الـسبت، والآن نحن نعـرف جميعاً كـيف تـكون أيـام السبت من حيث الأطفال والأعمال المنزلية الروتينية والفوضى المركزة . لكن ابدئي يوم سبتك بالدخول إلى مطعم يفوح منه البخار في الساعة /7:30/ صباحاً، وأنت تتكئين باستحواذ على ذراع زوجك وتواجهين النظرات المتعبة لسائقي الشاحنات بابتسامة أنثوية؛  يمكنك أن تكوني ربة منزل رتيبة طوال اليوم، لكن خلال تلك الساعة الدافئة في المطعم سوف تحولين لونك إلى القرمزي، وذلك لون جيد لتصبغ به ربة منزل مرة كل فترة .
وعملية أن تكون وحيداً تحتاج إلى تمرين، إنها أشبه قليلاً بركب الدراجة، فأنت لا تنسى أبداً كيف تفعل ذلك، ولكن إذا كنت لم تفعل ذلك لسنوات عديدة يمكن أن تترنح قليلاً في البداية . عندما نكون وحيدين معاً ما يزال علي أن أتخلى عن أول ثلاثة أشياء ترد إلى فكري لكي أقولها؛  أعني أن هذه ليست أوقاتاً تبحث فيها فاتورة طبيب الأسنان،  أو المحرك الذي احترق في الغسالة، أو الكشك الذي قلت أنه سيبنيه .
فكلما أبدأ بموضوع كهذا، يبتسم زوجي، ولا يجيب، فأدرك المغزى . وأحياناً ينسى هو أيضاً . على سبيل المثال، عندما يبطئ عند تقاطع طرق، من المحتمل أن يسندني بظاهر يده على المقعد الأمامي لأنه يعتقد أنه يسوق سيارة الحضانة في طريقه إلى العمل، وعندما يحدث ذلك، أمسك ذراعه  أبتسم فيبدأ يدرك المغزى أيضاً .
الأمر المهم بالطبع هو أن كلانا بدأنا بالفهم ، وبفهم حقيقة أن حياتنا مليئة بمتع أكبر من أن يستحقها أي منا، ولكن ما لم نأخذ وقتاً لنكون وحيدين معاً فسوف ننسى أن نستمتع بما لدينا . كل ما نحتاجه هو قليل من الوقت، وقت لنصغي،  ووقت لنتحدث وقت لنحب،  ووقت لنحب، وقت لنذكر أنفسنا بأن هـذه الحياة المليئة بالعمل، والمحيرة والمزدحمـة والمجنونة والمثيرة والمنهـكة التي نتشارك فيها، بدأت بنا نحن الاثنين فقط، وسوف تنتهي بنا فقط . أليست هذه الطريقة التي خططنا لها ؟ . 


* * *
 
أين مضى كل الآباء ؟
بقلم : ليستر فيلي 

أن تصبح أباً أمر سهل أما أن تكون أباً حقاً وحقيقة  فأمر صعب . اسأل هؤلاء الآباء إنهم يعرفون.
- المكوك : بروس م . مدير اعلانات، شاب ينهض في الساعة /6/ صباحاً . بينما لا يـزال طفـلاه الصغيران في الفـراش، وينتقل /30/ ميلاً إلى مكتبـة في مدينة نيويـورك، ويعود حوالي /7/ مساءً؛ وعندما يجري تخطيط حملة إعلانية كبيرة قد يتأخر في العودة حتى الساعة العاشرة مساءً . وفي العديد من عطلات نهاية الأسبوع ، أقصى ما يستطيع عمله كأب، هو أن ينظر بحنين إلى طفليه النائمين قبل وبعد العمل، وعطلات نهاية الأسبوع هي كل سبت بعد آخر، أو نحو ذلك؛ يحبس بروس نفسه في غرفة المطالعة في منـزله، ومعـه حقيبة منتفخـة بأوراق العمـل، أو يهرب إلى مكـتبه ليفر من زوجتـه وطفليه . وهكذا فإن بروس، مثله مثل الملايين من الأزواج الشباب الآخرين الذين يعيشون هذه الطريقة من الحياة المكوكية، "أب غير مرئي" .
- البيدق : إن بيل دابليو، الذي هو أب المراهقين، بيدق في لعبة شطرنج مشتركة . فكل بضع سنوات ينقل إلى مربع جديد في مدينة جديدة من قبل شركة تعتبر أن هذا "أمر جيد للشركة، ومن أجل تطوير عمل الفرد ."  أما ما يفعله هذا التطوير بإبني بيل الذين يقتلعان من جذورهما فلا تقوله الشركة . بالطبع، ليس بيل مضطراً أن ينتقل إذا لم يكن يريد ذلك، لكن بيل بيدق مطيع لأنه يعتقد أن هذه هي الطريقة لكي يصبح فارس الشركة .
- مواطن صالح : هنري سي . أب لطفلين في مرحلة المراهقة، ويرأس مجلس المدرسة في بلدته، وهو في مجلس الصندوق الاجتماعي، ومن جامعي التبرع الرئيسيين أثناء حملات جمع التبرعات السنوية، كما أن هنري يحكم مباريات دوري الصغار بكرة القدم، ويجمع تبرعات لمكافحة سوء التغذية العضلية . وفي إحدى المرات قالت زوجة هنري له "هل تدرك بأنك لم تكن في البيت لمدة عشر ليال متتالية، وأنا لم أخرج منه ؟"
إن ميل هنري الطبيعي لفعل الخير يستغل من قبل شركته التي تبلغ مدراءها بأن مثل هذه الجهود "جيدة من أجل صورتنا ." كما أن الاتحادات تضغط على أعضائها لكي يشاركوا، وكذلك يفعل جيران معظم الناس . والنتيجة، إن الملايين من أمثال هنري يشتركون في عمل كل إنسان إلا مشاكل أطفالهم هم .
- ذو الوظيفتين : جو  هـ .  أب لخمسة أولاد يمارس عمله كشرطي في النهار، ويسوق سيارة أجرة في الليل لتأمين رزق عياله . ولجو أشباه كثيرون من بين أولئك الذين يعملون في الصناعات ذات الأجر المتدني . وتقول لك وزارة العمل (في الولايات المتحدة) إن ما يزيد على أربعة ملايين عامل يمارسون عملين أو أكثر . أمّا الأطفال ؟ تلك مهمة العجوز ؟ .
- الرجل الأدنى : هومر ج . أب لأربعة أطفال تتدرج أعمارهم من تسعة أشهر إلى تسع سنين، وهو رجل أدنى في سلم زمرة الأعمال، فبسبب لون جلده وافتقاره إلى المهارات الرائجة، هو آخر من يستأجر عندما تكون الأعمال وفيرة، وأول من يسرح عندما تصبح الأعمال نادرة . وبما أن قوانين الرعاية الاجتماعية في ولايته تمنع مساعدة الأسـر التي تضم أولاداً يعتمدون على أنفسهم إذا ما كان هناك رجل في المنزل حـتى، ولو كان عاطلاً عن العمل، لذلك اختفى هومر لكي تستطيع زوجته وأولاده أن يأكلوا . ومع ارتفاع نسبة البطالة إلى ما يزيد على 7% ، هناك ملايين الآباء ممن هم غير قادرين على أن يؤمنوا الخبز لبيوتهم، ولذلك فهم غير قادرين على أن يكونوا آباءً .
فالأب هو الرجل المنسي في مجتمعنا .
فمنذ زمن غير بعيد أصدر علماء الاجتماع وعلماء النفس قدراً كبيراً من الأبحاث عن الأمهات اللواتي يتجاهلن الأب عملياً . كما أن النقاد المعادين للأسرة يتجاهلونه أيضاً؛ وقالوا لنا : إن الأسرة نفسها أصبحت طرازاً قديماً، كما أن الطرز الجديدة - مثل الزواج الجماعي، والزيجات الاختيارية العابرة   ( المعايشة الاختيارية ) - تنجح بشكل أفضل. ولكن لم يقترح أي منهم أن النموذج السائد الذي خدمنا لقرون عديدة سينجح بشكل أفضل، لو أتيح للأب فرصة أكبر للمساعدة .
غير أن التقارير الآن تظهر أهمية الأب .فقد قال عالم النفس هنري ب . بيلر من جامعة رود آيلند : "يبدأ تأثير الأب قبل أن يولد الطفل من خلال وضع الأم الحامل في إطار ذهني جيد " .وقال بيلر : إن هذا التأثير يبقى حاسماً حتى في تلك السنوات الأولى، عندما يفترض أن تكون الأم فيها هي الطرف الرئيسي، ثم تابع بيلر قائلاً : "في الحقيقة، ربما كان الأب أكثر أهمية من الأم من أجل التطور الجنسي السوي لكلا الصبيان والبنات، فالأب يميل إلى التفريق بشكل أكبر بكثير من الأم بين أولاده وبناته، وإلى أن يكافئ تصرف أولاده الملائم لجنس كل منهم أكثر مما تفعل الأم . وهكذا فإن الطفل الذي يحرم من الأب يحتمل أكثر أن يواجه مشاكل في علاقاته مع الجنس الآخر - وهذا ينبع من الافتقار إلى التوجيه الصحيح حول دور الجنس . فالدراسات التي أجريت على الخلفيات الاجتماعية للشواذ جنسياً من الذكور والإناث ،تكشف مدى التأثير الكبير للحرمان من الأب .
وقد يضر الافتقار إلى الرعاية الأبوية بتقدم الطفل مدرسياً أيضاً، فقد درس بيلر وزميل له /44/ ولداً في الصف الثالث في منطقة كيب كود ماساشوسيتس، كانت علاقاتهم مع آبائهم تتدرج من ساعتين أو أكثر يومياً ( حضور كبير للأب ) إلى أقل من ست ساعات أسبوعياً ( حضور متدن للأب ) . وقال بيلر: "أظهرت مجموعة الحضور الكبير للأب مستوى أعلى بكثير من الإنجاز العلمي."لماذا ؟"يعتقد بيلر أن السبب الرئيسي هو أن العلاقة الحميمة مع الأب تنمي الثقة بالنفس التي يحتاج إليها الإنجاز.
إن مهمة العائلة هي تكييف الطفل مع المجتمع، وتعليمه قيـم هذا المجـتمع وقـواعد اللعبة . وقد وجد بحث أجري في جامعة كورنيل، في دراسة على أولاد الصف المتوسط، أنه عندما يكون أحد أو كلا الأبوين كثير الغياب عن المنزل، فمن المحتمل أن يتطلع المراهقون إلى أمثالهم لاكتساب القيم . وقال تقرير كورنيل إن مثل هؤلاء الأطفال من المحتمل أن يكونـوا متـشائمين بالنســبة إلى المـستقـبل، ولديـهم حس أدنى بالمسؤولية والقيادة، ويحتمل أكثر أن يشاركوا في سلوك معاد للمجتمع ."وفي دراسة مرافقة أضاف عالم النفس في جامعة كورنيل أوري برونفبرينر ربما لأن غياب الأب كان أبرز،  فإن غيابه النسبي كان أكثر تأثيراً من غياب الأم .
وعندما ينظر علماء السلوك إلى أدلة كهذه فإنهم يبدؤون بإبلاغنا أن الأب المهمل هو السبب الجذري للمتاعب الاجتماعية، جرائم الشباب، تعاطي المخدرات، التمرد  الثقافي المضاد للزواج والأسرة . وفي الحقيقة هو السبب لما دعاه مؤتمر حديث للبيت الأبيض حول الأطفال "الانهيار في عملية جعل الكائنات البشرية بشراً " .
من أجل منع هذا الانهيار، يجب علينا أن نقوي الوظائف التقليدية للعائلة . وهذا بدوره يتطلب، كما قال البروفسور لورنس هـ . فوشس من جامعة برنديسي "استعادة الأب" .لقد انخفضت سلطة الأب الأمريكي داخل الأسرة، كما قال فوشس، بسبب الضغوط عليه من الخارج . ويبدأ الضغط على الذكر الأمريكي وهو صبي، عندما يتوقع منه أكثر مما يتوقع من أخته، ويستمر هذا طوال فترة الجامعة والحياة الدراسية، ويصل إلى درجة قاتلة في شبابه المبكر وفي متوسط العمر . فعند بداية القرن كان الرجل العادي يموت قبل سنتين وعشرة أشهر من المرأة العادية؛ أما اليوم فإن الرجل العادي يموت قبل ست سنوات من الأنثى .
وبينما يقتل الأب نفسه لكي ينجح تنتقل السلطة داخل الأسرة إلى الأم، فهي التي يجب أن تحضّر المتوحشين، وهي التي تصر على أن يذهبوا إلى النوم في الوقت المحدد وينهـضوا في الـوقت المناسـب للحـاق بحـافلـة المدرسـة، وتصر، على أن يرتبوا أشياءهم ويساعدوا في إعداد المائدة، لكي يعيشوا بهدوء نسبي . والأم هي التي تتشاور مع المدرسين وتحضر اجتماعات مجالس الآباء وترتب مواعيد الأطباء .والأب الذي يتخلى عن سلطته يفعل أكثر من مجرد حرمان أطفاله من اليد القوية المطلوبة في التربية، فانشغاله في أماكن أخرى يمكن أن يفسر على أنه لا مبالاة من قبل أطفاله ، وهكذا يثير المرارة التي تؤدي إلى النفور والتمرد .
فما تحتاجه الأسرة الأمريكية أكثر، كما يقول فوشس: هو أب قوي، لا طاغية مستبد، بل أب ذو سلطة ولكنه عطوف ويجيد الإصغاء؛ أب يكون حاضراً ليقدم الخدمات الأبوية شخصياً .
فكيف نعيد الأب إلى حياة الأطفال ؟
حسناً0 يمكن للأب أن يحاول مساعدة نفسه . على سبيل المثال، فإن مساعداً شاباً للنائب العام للولايات المتحدة أعرفه، اسمه فرانك سي . ، والذي غالباً ما تبقيه وظيفته في المكتب ليالي كثيرة .وفي عطلات نهاية الأسبوع، ينجح مع ذلك في أن يكون أباً ذا حضور، فهو يدعو زوجته وابنه البالغ من العمر ثلاث سنوات إلى البلدة لتناول وجبات غذاء بشكل دوري، وفي نهاية عطل الأسبوع التي يعمل بها، ويأخذهما إلى المحكمة حيث ينطلق الولد جيئة وذهاباً على دراجته في ممراتها . أو يقوم الوالد أثناء الاستراحة بأخذ ولده إلى قاعة محكمة مجاورة، ويجلسه على منصة القاضي، ويراقبه بسرور وهو يدق الطاولة بلعبة على شكل مطرقة .
ويكشف البحث أنه ليس مقدار الوقت الذي ينفقه الوالد في البيت هو ما يهم، بل مقدار المشاركة مع الأطفال أيضاً .وإحدى القوى المهمة ، وغير المتوقعة، التي تعمل الآن لإدخال الآباء في حياة أبنائهم، هي الحركة  النسائية، فرغم أن هدفها الرئيسي بالطبع، هو تحرير الأم المهملة، فإنها تضطر لعمل شيء بالنسبة للأب المهمل أيضاً .
على سبيل المثال امتيازات الأمومة موجودة، ومعظم الشركات تتبناها، والفضل في ذلك يعود الى لجنة فرص العمل المتساوية التي فرضت اعتبار الحمل والولادة من حالات العجز التي تدفع تعويضاتها من صندوق التأمين ضد العجز . والآن تتساءل النساء وعلماء الاجتماع أيضاً : ماذا عن امتيازات الأبوة أيضا ً ؟ .
وتعبر عالمة النفس أليس روس في جامعة ماساشوستس عن الامر بهذا الشكل : "لابد من إجراء بعض التغييرات بخصوص دور الأب وقت الولادة، وربما كان علينا أن نوسع مفهوم الإجازة المرضية بشكل يسمح للرجل بأن يقضي وقتاً أكثر في المنزل بعد أن يولد أطفاله، وعندما يكونون صغاراً جداً .وقد اقترح بعض الأعضاء المحليين من اتحاد المعلمين في نيوجيرسي بنوداً في عقد العمل تتعلق بإجازة الأمومة بشكل يسمح للزوج بقدر معقول من الإجازة بدون راتب عندما تضع زوجته طفلاً . كما ارتبط الاتحاد الدولي لعمال الكهرباء والراديو والآلات بعقد مع شركة تكسترون في روشستر بولاية نيويورك يسمح لأي من الأبوين-أو كليهما- بالحصول على إجازة بدون راتب للعناية بالطفل الجديد .
وربما تستطيع النساء، وهن اللواتي استطعن أن يخترقن ذلك الحصن الرجالي ألا وهو مجلس إدارة الشركة، أن يجعلن مزيداً من الآباء يمارسون وظيفتهم الأبوية أيضاً . والأمر الذي لامفر منه هو أن المديرات سوف يبدأن قريباً بطرح أسئلة مثل " هل هذه السفرة إلى المؤتمر ضرورية ؟ ،" أو " ماذا هل ننقل الشاب جونز ثانية ؟  فلم يكد أطفاله الصغار يستقرون في مدرستهم الحالية ." 
وقد ذكر مؤتمر البيت الأبيض حول الأطفال أن العمل والصناعة تحددان أكثر من أي مؤسسات أخرى في مجتمعنا، أسلوب حياة الأسرة الأمريكية - وهكذا يملكان الفرصة لتحديد مصير الأسرة الأمريكية والطفل الأمريكي .
 ولا يمكن أن يلام أرباب العمل وحدهم بسبب الظاهرة الأمريكية المعروفة "بسباق الجرذان" ( أي التنافس العنيف) . فللفرد دوافعه الخاصة، حيث رُبي طوال حياته على التكيف مع الرغبة في تحقيق إنجاز . رغم ذلك، هناك أشياء يستطيع أرباب العمل أن يعملوها ليساعدوا الرجل في أن يكون أباً . 
يقول أوري برونفينبربر، على سبيل المثال: إن الشركات تستطيع أن تحسن فرصها في اجتذاب المواهب الإدارية من خلال تقديم نوع جديد من المزايا الإضافية، وهو وقت فراغ أكثر من أجل شؤون الأسرة تحدث عن طريق تخفيض التزامات الوظيفة التي تتطلب غياباً عن المنزل في عطلات نهاية الأسبوع والأمسيات .
كما يقول برونفينبرنر: إنه ينبغي على أرباب العمل أن يحدثوا وظائف أكثر تتطلب عملاً جزئياً، ويعطوا لهذه الوظائف مكانة أفضل - لكي يتيحوا للآباء أن يقضوا مزيداً من الوقت مع أطفالهم .
فالآباء والرعاية الأبوية يمكن استعادتهما إلى الأسرة الأمريكية، والخطوة الأولى هي: الإدراك بأن الحياة الأسرية السليمة، وسلامة مجتمعنا تعتمد على ذلك .  

*























اترك وقتاً للأمور البسيطة
بقلم اليزابيث ستار هيل 

" علمنا البهجة في الأمور البسيطة " ، هذا ما كتبه روديارد كبلنغ من سنين مضت . ويمكننا أن نضيف اليوم في عالمنا السريع الخطى " وساعدنا على أن نجعل حياتنا بسيطة لكي نفسح مجالاً لها".
في مساء أحد الأيام وصلت الى البيت في الساعة /5:30/، وأنا أشعر بالتوتر والاستعجال ، لقد تأخرت في إعداد العشاء، وكنت قد خططت أنا وزوجي لحضور اجتماع مبكر، فناديت على ابنتي المراهقة، وأنا أدخل من الباب الأمامي، وقلت : "أعدّي الطاولة " .
في تلك اللحظة انطفأت الأنوار في كل المنطقة :كان ذلك في 9 تشرين ثاني 1965، وهي الليلة التي أغرق فيها عطل كهربائي كبير معظم الولايات المتحدة الشمالية في الظلام، ولم يكن لدي وابنتي وابني البالغ اثني عشر عاماً أي فكرة عما يحدث؛ ولم نعلم إلا عندما أدرنا مفتاح مذياع السيارة, فقالت ابنتي:  أظن أن والدي لن يخرج من المدينة لفترة، فالقطارات متوقفة، وهكذا سنكون في عجلة أكبر .
ولكن أدركت عندها بارتياح أنه لن يكون هناك اجتماع الليلة إذا ما استمر التعتيم . فبدأت أسترخي، وبعد أن ارتفعت معنوياتنا وجدت والأولاد شموعاً وأضأناها .وأشعلت ناراً،وشوينا سجقاً على السيخ .
وبدون أن يشتت المذياع أو التلفاز اهتمامهما جلس أندريا وبراد ليدرسا على ضوء الشموع بعد العشاء مباشرة، وتصفحت كتاب شعر محبوب كنت قبلاً مشغولة جداً ولم أتمكن من إلقاء نظرة عليه لسنوات عديدة؛ وتمكن زوجي روس من تأمين وسيلة ركوب من المدينة، وانضم إلينا بسرور في مأوانا المريح .
لاحقاً، وبعد أن أوى الأطفال الى الفراش، بقينا أنا وروس قرب النار نراقب قلاعاً تشكلها جمرات الفحم دون أن تكون لدينا رغبة في التخلي عن هذه الأمسية الجميلة غير المتوقعة . فسألني بحنين:   " هل تعتقدين أن الأمر يمكن أن يكون على هذا النحو من حين لآخر ."
فأكدت له قائلةً : " طبعاً ! إن كل ما علينا هو أن نبذل جهداً ."
فقال وهو مستغرق في التفكير . " ربما ما نحتاجه هو أن نبذل جهداً أقل. فذلك الاجتماع الذي كنا سنذهب إليه الليلة على سبيل المثال، ليس لدينا ما نقدمه فيه، كل ما فكرنا به هو أننا يجب أن نحضر . وإنني أتساءل كم من وقتنا نملؤه بأشياء لا أهمية لها-أشياء ليست هامة بما يكفي لتبرر الجهد الذي نبذله فيها ."هل من الممكن أننا لو أبطأنا من تعاقب سير الأحداث قد نشعر ببهجة جديدة ؟ فقررت أن أحاول . 
في الصباح التالي واجهني خليط من المهام التي يجب تأديتها والأدراج التي تحتاج الى ترتيب وتلميع الفضيات، ولكنني أدركت أنه رغم مضي أكثر من أسبوع من شهر تشرين ثاني فإنني لم أقم ولا مرة واحدة بجولة بالسيارة في الريف مثلما أحب أن أفعل في الخريف . وبدافع غريزي، ركبت السيارة واتجهت شمالاً، فالأدراج يمكن أن تنتظر، ولكن آخر الأوراق الذهبية لن تفعل، وكذلك شجرة الحراب المتسلقة، وحبيبات شجرة القرانيا الحمراء . توقفت في طريق متعرج محفوف بالغابات، ونزلت من السيارة لأمشي . كانت الأغصان جافة تحت قدمي، وكانت السماء زرقاء فوقي؛ كل شيء كان هادئاً باستثناء وقع خطواتي .غير أن صوت اندفاع مفاجئ أفزعني؛فتراجعت الى الخلف   مذعورة0 لقد انطلق شيء ما عبر طريقي، ولكن تحول ذعري الى سرور، لقد كان طائراً رائعاً، وريشه يلمع في الشمس بألوانه المتعددة، وبؤبؤ عينه براق. لقد غاص الطائر بين الشجيرات واختفى . في تلك اللحظة امتلأت نفسي بالرضا، وشعرت بقرابة مع كل مخلوق حيّ ، حيّ كما أريد لنفسي أن تكون .
وقد أصبحت عادتي أن أفكر بالسعادة بعبارات منمقة، المساء الثمين، والرحلة البعيدة، وبدأنا أنا وروس، نعطي المكانة الأولى لوسائل الاستجمام الهادئة التي حرمتنا منها سرعتنا المحمومة أيام عطلة نهاية الأسبوع الطويلة في صيد السمك، وأمسيات نقضيها، ونحن نقرأ بصوت مرتفع . وسرعان ما بدا لنا أمراً لا يصدق أننا سمحنا لهذه المسرة السهلة المنال أن تطرد من حياتنا في الماضي .  وبدلاً من ذلك أصبحت الآن السعادة النادرة، والاسترخاء مناخنا الطبيعي، والطقس الجميل الذي نكتشف فيه عجائب الحياة البسيطة ونستمتع بها .
إننا نحن الأمريكيين، ميالون للمبالغة في تعقيد السعادة حتى لنخاطر بفقدها أثناء العملية، إننا نخدع أنفسنا بأعمال مختلفة ينبغي أن تكون مسلية. الكتاب الذي ينبغي أن نقرأه والمسرحية التي ينبغي أن نشاهدها، وارتياد الأوبرا الأسطورية التي تتمتم، إنني سوف أستمتع بهذا ولو كان سيقتلني، نميل الى فرض هذا الذي ندعوه سروراً على أنفسنا كما لو أنه كان عقوبة .
في إحدى المرات أخذت جارة لي ليس لها أطفال ابني لقضاء يوم من المتعة، وكان عمره حوالي الخامسة في ذلك الحين، وقد خططت لكل ما يمكن تصوره من أجل إمتاعه. فذهبا الى حديقة ملاهي في الصباح، وسيرك بعد الظهر، ومطعم خيالي لتناول العشاء، وكل هذا دون توقف تقريباً، وعندما عادت إليّ في المساء، بعد موعد نومه بوقت ليس قليل، شكرتها على اليوم الرائع . ولكن حالما ذهبت أضاف قائلاً لي: "لو أنني عرفت أي يوم رائع سيكون هذا لبقيت في المنزل ."
فالأطفال عقلاء بما يكفي لقبول السعادة كما هي دون الكثير من الحيل، ولديهم حيز كبير لها في حياتهم . فعندما كانت لويز ديكنسون ريتش تكتب عن طفولتها في كتابها المسمى " انطلقنا إلى الغابات "، قالت مستذكرة :"حفرة في الأرض بين جذور شجرة التعقيب التي كانت تنتصب أمام بيتنا.كانت رطبة، وتنبعث منها رائحة التراب والماء عندما استلقيت على بطني، ودفعت بوجهي البالغ من العمر أربع سنوات فيها؛ لقد كانت كل ما يمكن أن يكون غامضاً وعجيباً بالنسبة لي حينها، وما تزال حتى الآن، بشكل ما " .
وقد قررت السيدة ريتش أن ابنها سوف يتعلم حب الوطن لا من خلال التعاليم النبيلة، بل من خلال معرفة بلاده على أنها المكان الذي كان يمشي فيه مع أبيه في طريق بين الغابات في إحدى الأمسيات، ورأى ظبية و خشفين، والمكان الذي دخل إليه بعد اللعب في الثلج، ووجد المطبخ دافئاً ويعبق بالرائحة، وأمه تصنع فقاعات البوشار." إنها الذكريات المنزلية، وان تكن غير محاطة بالفخامة سوف يتمسك أي طفل بها وبحب .
إننا ننسى أحياناً عندما نكبر السحر الموجود في كل مكان حولنا، ونسمح لملهيات تافهة أن تحجب رؤيتنا لهذا السحر . وقد كتب هنري ثورو: "إن الحياة تتبدّد في التفاصيل .بسّط الأمر ،  بسّط الأمر "
لنا صديقان كان زواجهما في خطر كبير في الصيف الماضي، وكانا يتخاصمان بصورة متزايدة، وكان أملهما الوحيد في أنّ قضاء عطلة بعيداً عن المدينة قد يقربهما من بعضهما أكثر . فبحثا في الصحف ووجدا إعلاناً عن منزل للإيجار في الصيف بدا لهما مثالياً. "موقع مختار، وطريق مريح، وكل وسائل الراحة والعيش السهل فيه" وعندما ذهبا ليعاينا المكان لم يكادا يصدقان أعينهما، لقد كان منزلاً قديماً متداعياً في نهاية طريق ترابي ضيق في مكان مهجور، ورغم أن الداخل كان نظيفاً ومرتباً، فقد كان بدائياً بكل ما في الكلمة من معنى .
" ما هذا؟ " سأل صديقنا متمتماً في إذن صاحب المنزل الأنيس، الذي كان يدخن غليوناً.    "
لقد أعلنت عن وسائل الراحة والموقع والمكان المرغوب 000" 
فأجاب العجوز بافتخار " نعم يا سيدي تحتاج إلى جهد طويل لكي تفوز بهذه الأشياء في هذا المكان . انظر هناك ! لا يوجد طريق رئيسي على بعد أميال من هنا، وسوف تنام كجذع شجرة حيث لا يوجد ضجيج حركة مرور . أما بالنسبة إلى وسائل الراحة، فلديك مكنسة وزوج من الأواني، وموقد لا يكاد يتوقف عن العمل . وليست هناك فرصة لأعمال منزلية مرهقة، ولا فرصة للعمل في الحديقة أيضاً إن شجيرات العليق والورد في كل أرجاء الحديقة أصبحت برية، وهذا ما يجعل العيش سهلاً على هذا النحو." قال ذلك وهو يبتسم .وبنزوة جامحة قرر صديقانا أخذ المنزل، وكتبا إلينا يقولان إنهما لاشك سيمّلان، ويعودان إلى البلدة خلال أسبوع .
ولكنهما لم يرجعا. وفي منتصف فصل الصيف تلقينا رسالة مثيرة للدهشة منهما يصفان فيها حياتهما في ذلك المنزل الصغير، وأخبرانا كيف كانا يتناولان الطعام معاً على الشرفة في المساء تحت عرائش الورد المتفتحة بشكل رائع ويتحدثان، لأنه لا يوجد شيء آخر يفعلانه. "إننا لم نتحدث هكذا من سنوات."وفي النهار كانا يجمعان توت العليق، ويجلسان بتكاسل في بقعة تغمرها الشمس لكي يتناولاها، وقد وضعا راحة كفيهما تحت ذقنيهما، وخطت آخر الأخبار في نهاية الرسالة : (ما كنا لنفكر في ترك بعضنا لو عرف كل منا الآخر فعلاً من قبل 000) بارك الله في هذا المنزل،"بارك الله في أي منزل لا تزاح فيه الأشياء ذات الأهمية من قبل التي لا أهمية لها ".
منذ سنوات مضت، بعد أن كنت قد وصلت حديثاً الى مدينة غريبة، دعيت عن طريق صديقة إلى حفلة عشاء في منزل امرأة تشتهر محلياً كمضيفة، وعندما اقتربت من المنزل الأنيق، تساءلت بعصبية  إن كان لباسي مناسباً، وإن كنت سأحافظ على رباطة جأشي في المحادثات اللبقة .
عندما قرعت الجرس فتح الباب من قبل شابة مرحة بلباس عادي، هدأت من روعي مباشرة وحثتني قائلة: " تعالي معي الى المطبخ لنتسلى" . ووجدت في المطبخ ستّ ضيفات أخريات: كانت إحداهن تعد السلطة، وكانت الأخريات تحملن الصحون الى طاولة مرتبة بأناقة على الشرفة؛ وقبل أن أدرك ما أفعل كنت أشاركهن، وأثرثر وأضحك مع الأخريات .
كان العشاء لذيذاً، والحديث مرحاً . وبعد أن تناولنا الطعام، أحضرت مضيفتنا إلسا آلة حاكي إلى الشرفة . وطلبت وهي تبتسم، أن نستمع بكل جوارحنا وأدارت أسطوانة موسيقى ناي ساحرة .
فتركنا أنفسنا لانسياب الصوت الساحر، وبدأنا ندرك بالتدريج رائحة الورد المنبعثة من الحديقة، والقمر الأبيض الكبير الصاعد في السماء، وتكاثف نجوم الليل، إنه ليل الصيف الرائع 
وعندما انتهت الموسيقى، استأنفنا حديثاً هاماً، وقد قويت صداقتنا بسبب التجربة التي شاركنا فيها .
فتمتمت قائلة لواحدة من الضيفات الأخريات : " يا للمساء الرائع الذي هيأته لنا إلسا ‍‍‍*"  فأجابتني" إنها دائماً تفعل ذلك . فإلسا تفهم بساطة المرح ." 
بساطة المرح 000 إنه فهم ثمين، ويمكن أن يمتلكه كل شخص، سواء كان غنياً أم فقيراً، صغيراً أم كبيراً . وكما يعبر عن ذلك روبرت كاهن  في كتابه " دروس من أجل الحياة " : " عندما تنقضي الحياة ويجمع كل شيء، ما هي الذكريات التي تدفئ قلوبنا ؟ ضحكة سعيدة لطفل ونحن نقذف به عالياً، ومسرات ما بعد ساعة العشاء عندما نؤجل جليّ الأطباق قليلاً ونجلس ونتحدث فقط، والفيلم الذي شاهدناه معاً، والبوظة التي استمتعنا بها بعده ."
إن شذرات الروعة التي يمكن أن تصادف كلاً منّا - مسرات نتجت عن أمور بسيطة . 
 
     الآن حيث هناك وقت   
بقلم : اد بارتلي 

ناديت زوجتي قائلاً " مسيّ، هل لطّخت سطح مكتبي بالفازلين ؟ ."
" كلا يا عزيزي، ربما تكون ميغان قد فعلت ذلك ". بهذه البساطة، وساد السكون . وكما خشيت فقد فاتها سخرية السؤال المنمقة ذات الحدّين، فأنا أعرف أنها لم تضعه هناك، فالسؤال كان تنميقاً لفظياً، وكانت مهمته الأساسية أن يوضح لها أنها لم تقمّ بواجبها : وهو حماية مكتبي من العبث .
    فتخليت عن متابعة الحديث وسوف أتعامل مع ميغان ابنتنا البالغة / 22/ شهراً من عمرها فيما بعد .  كان ذلك كله البارحة . واليوم أجلس هنا على نفس المكتب ذي الغطاء الذي يمكن طيه، والذي أنقذته من عليّة أحد الأصدقاء قبل سنتين، وأنا أحملق في الصفحة الفارغة الموضوعة في الآلة الكاتبة، وأنتظر بصبر لكي تأتيني الأفكار  . إنها أسئلة امتحان عن هيرمان ملفيل لاختبار سوف أجريه لطلابي في اللغة الإنكليزية غداً .
لقد خرجت زوجتي الى لقاء عائلي في مكان ما، ولكنني لست وحيداً،  فطفلانا يؤنسان وحدتي . إن إدوارد البالغ من العمر عشرة أشهر يتعاون إلى حد ما، فهو يقضي معظم يومه، وهو يحملق في سلسلة تبدو لانهاية لها من البطاقات والخرق، وقطع الورق المختلفة الأنواع، وأمامه كتالوج ما يمزقه صفحة صفح، ويمدّ نفسه من حين الى آخر ويعبث بجنون بالبيانو الذي لا يكاد يصله .
ولكن ميغان كانت منذ الأبد من قدر لخططها، أن تتعارض مع خططي اليوم، فهي تتبع روتيناً يومياً يستهلك الوقت، ويشكل تحدياً في آن واحد، ويتضمن بعض المهام الأساسية : مراقبة " الغروب " .  ( وهذا معناه بلغتها السميكة، ولا يمكنني أن أفسر اشتقاق الكلمة أكثر من ذلك )، وكنس السجادة  في غرفتها، وكذلك سريرها. ( نعم ميغان تكنس سريرها )، ثم الجلوس لبضع دقائق على الرف الأسفل من خزانة المكتبة لترى ان كان لا يزال يتسع لها الجلوس عليه ( لقد اتسع لها البارحة، وتبدو التوقعات بأنه سيكون كذلك غداً )، أمّا الإطلال على إدوارد من حين الى آخر، وربما الانضمام إليه لتشكيل ثنائي لفترة قصيرة،  والتسلق الى داخل عربة الأطفال والى خارجها كتمرين، واختبار نوابض الأريكة .
ورفيقها الدائم في كل هذا هو دومبتي، وهي لعبة من الخرق ضاعت معالمها، ومضت أفضل أيامها منذ زمن بعيد، فمنذ سنة كانت ما تزال محشوة جيداً وعلى وجهها ابتسامة طيبة، وقد جعلتها هذه الابتسامة الدائمة عزيزة على ميغان . وهي تؤمن نقلها من مكان الى آخر بينما تؤمن اللعبة الاطمئنان لها . وكلما أصبحت اللعبة أقذر كلما بدت ميغان تعتمد أكثر على حكمتها وفلسفتها المنزلية .
منذ أسبوع مضى وضعت زوجتي دومبتي في الغسالة على أمل أن تصبح معالم اللعبة جليّة على الأقل، ولم نكن على استعداد لمواجهة المخلوق الهزيل الذي برز من الغسالة؛ وقد قضّت زوجتي /20/ دقيقة، وهي تجمع أحشاءها المكونة من المطاط الرغوي من الغسالة؛ وظننّا أن ميغان قد تلقي بدومبتي هذه التي أصبحت مجرد قشرة . وكنّا مخطئين، فلم نلاحظ أي فرق في تعاملها مع لعبتها باستثناء أنها وجدتها أسهل للحمل،  وهي تؤدي مهامها الروتينية .
وأستطيع أن أقوم بأعمالي بشكل لا بأس به خلال معظم هذه المهام الروتينية .وهكذا ركزت على ملفيل .( " ابحث عن تشابه موضوع العزلة في "الكاتب العمومي باريلي" و"مسخ"كافكا")، وكنت أتابع عملي ولسوء الحظ لم أحسب حساب وصول "البيبس-بيبس" ( بيبس- بيبس هي الطيور بلغة ميغان . ومرة أخرى يفوتني الاشتقاق ) .
صرخت ميغان " بيبس - بيبس "وعيناها تشعّان ترقباً . وأصّرت على أن آتي معها إلى النافذة" خلال ثانية . دعيني فقط أكمل هذا السؤال، هل قرأت "مسخ" كافكا ياميغان ؟  ألم تفعلي ؟ إنك كنت ستستمتعين به حقاً .
لكن السخرية لم تترك أثراً، وجرتني من  يدي (من إصبعين فعلاً) نحو نافذة غرفة النوم  فأرى نفسي كغبي في إحدى الروايات الجنوبية، يقادّ مثل أخرق لمراقبة البيبس-بيبس . فراقبناها . إنها تزقزق بلا انقطاع، وتقفز جيئةً وذهاباً على الممر الواقع خارج نافذة شقتنا مباشرة . فاستغرقت ميغان في المشهد، ولكنني كنت وأنا أراقبها أتساءل إن كنت قد أوقفت سيارتي تحت الشجرة ليلة البارحة .
وفجأة اندفعت خارجة من الغرفة (إذ نادراً ما تمشي)، وسمعت صوت قدميها العاريتين يرتطمان بالأرضية الخشبية في الخارج، وعادت ومعها دومبتي، وأمسكت باللعبة الى النافذة، ومدتّ ذراعيها المثلثي الشكل المثيرين للشفقة، وهمست في أذنها الصماء " بيبس-بيبس ، هذه بيبس-بيبس" فابتسم دومبتي . إنها ابتسامة أوسع من المعتاد بكثير .
فتركتهما في حديثهما، وعدت الى مكتبي . وخلال خمس دقائق ظهرت أمامي، وهي تلبس حذائي أمها، ومدّت نفسها الى مفاتيح الآلة الكاتبة، وضغطت أربعة منها في وقت واحد .
" كلا ! أشكرك يا ميغان، لقد شاهد والدك عملك، وسوف يقوم بالعمل بنفسه".
فتراجعت. وأستطيع أن أراها من زاوية عيني في المطبخ، وهي تراقب السمكة وهي تسبح في عالمها الدائري . وأستطيع أن أرى أن الماء في حوضها يحتاج الى تغيير . 
وعدت الى الاختبار،  وأنا أكثر تصميماً، " ابحث الوهم والحقيقة في "بينيتو سيرينو،" حتى لا تسألي يا ميغان، ليس اليوم " وكانت تقف أمامي، وحذاؤها وجواربها في يديها إنني أعرف الأسلوب . أولاً الحذاء والجوارب، ثم عربة الأطفال، وبعدها بقليل نكون في المنتزه؛ وستطلب مني أن أقطف لها هندباء برية، أو ورقة من تلك الشجرة التي رماها الإعصار، ولكنه لم يقتلعها من جذورها منذ بضع سنوات، وسوف تمسك بتلك الورقة أو بالهندباء البرية بالطريقة التي تفعلها دائماً عندما نسير الى المنتزه . نعم أعرف الأسلوب. حيث تضع رأسها على ساقي تماماً مثلما فعلت، عندما تعلّمت المشي لأول مرة . وكانت معتادة على أن تجلب مشطها البلاستيكي الكبير، أو فرشاة أسنانها، أو ما كان فرشاة أسنان فيما مضى، وتضع رأسها على ساقي بينما أمشط لها شعرها، غير أن هذا النوع من الطقوس انتهى بعد بضعة شهور فقط .
وأخيراً غادرتني .  وراقبت خيبة أملها بينما كانت تجلس على الأرض، وتحاول لعدة دقائق أن تلبس أحد جوربيها . لكنّ المهمة تبدو صعبة . أما في السنوات القادمة فسوف تلبس الجوارب، أو أثواب الرقص بسهولة ورشاقة راقصة الباليه، أما اليوم فان زوجاً صغيراً من الجوارب يهزمها .
وتراني أنظر:(" ما مغزى الشعار المنقوش على مقدمة سفينة بينيتو سيرينو؟ ") فتربت على الكرسي الهزاز، وهو الكرسي المريح الذي نجلس عليه معاً لمراقبة التلفاز أو لنقرأ. ثم تجمع كتبها بسرعة، " الجرو الصغير الفضولي، والحافلة العجيبة، والقطة في القبعة "، وحتى تلك النسخة القديمة جداً من "الجغرافيا الوطنية" التي تحمل صورة بطريق على غلافها 000 يا الهي لقد جمعتها كلها، وأخذت تشدّ كمي بيدها الحرة .
" كلا يا ميغان . قلت بحدّة ليس الآن: "ابتعدي ودعيني وحدي، وخذي مكتبتك معك". وكان الأمر كذلك حيث غادرت، ولم تقم بأي محاولات أخرى لمضايقتي . وأستطيع أن أنهي الاختبار بسهولة الآن دون تدخل، فلا أحد يحاول أن يتسلق الى حجري، ولا أصابع إضافية تساعدني في الضرب على الآلة .
وهاأنذا  أراها تقف بهدوء، وظهرها الى الأريكة، والدموع تنهمر على خديها، وقد وضعت إصبعين من يدها اليمنى في فمها، وأمسكت دومبتي المسكين بيدها اليسرى . وكانت تراقبني وأنا أطبع، وتمسح ببطء أطراف الذراع المهزولة لدومبي على أنفها لتهدئتها.    في هذه الآونة، وللحظة واحدة فقط، أرى الأشياء كما يريدها الله -في منظور تنسجم فيه كل الأمور، أرى فتاة صغيرة تبكي لأنه ليس لدّي وقت من أجلها .
فتصور أن تكون في وقت ما بهذه الأهمية لشخص ما . إنني أرى اليوم الذي لن يعني كثيراً بالنسبة لمخلوقة صغيرة أن أجلس بجانبها وأقرأ قصة، الأمر الذي يعني قليلاً بالنسبة إلينا كلينا، وندرك بشكل ما أن الجلوس بجانب بعضنا هو الذي له معنى . وأرى اليوم الذي أجد فيه دومبتي الضعيف المخلص المحبوب يختفي من حياة فتاة صغيرة كبرت بالنسبة له .
وأمقت دومبتي لبرهة. انه يواسي ابنتي، وهذه مهمتي وليست مهمته، فأنا وهو لدينا ما يكفي من أيام كهذه لنتقاسمها . وهكذا انزلقت الورقة بلطف في الدرج العلوي، وانزلق الغطاء فوق الآلة الكاتبة. ولسوف أنجز الاختبار بشكل ما. 
ان الاختبارات تنجز دائماً .
" ميغان، إنني أحس أنني أودّ القيام الى المنتزه، وكنت أتساءل إذا كان يهمكما أنت وإدوارد أن تنضما إليّ ؛ وأظن أنك ربما تحبين أن تذهبي الى المراجيح لبرهة. أحضري دومبتي- وكنزتك الحمراء أيضاً. فقد تهبّ الريح هناك .
عند كلمة "منتزه" تركت الأصابع الفم، وضحكت ميغان بابتهاج، وبدأت بحثاً محموماً عن حذائها وجواربها .سيكون على ملفيل أن ينتظر، ولكن لن يتضايق . لقد انتظر معظم حياته لكي يكتشف أحدهم معجزة موبي ديك، وتوفي قبل ثلاثين سنة مما فعله أحد غيره . كلا إنه لن يتضايق .
فضلاً عن ذلك، إنه يفهم لماذا عليّ أن أذهب للتوّ - بينما لا تزال البيبس-بيبس تنتقل . وقبل أن تصبح الهندباء البرية أعشاباً، وبينما تفكر الفتاة الصغيرة بأن ورقة شجر من أبيها هي هدية فوق كلّ الهدايا .  
* * *






















الجزء الثاني 
نَظّمْ حياتك 

الفصل الرابع  
ضَعّ خطة لحياتك











سبع خطوات نحو حرية شخصية أكبر
بقلم : فانس بكارد  

إن الأمريكيين شعبٌ حرّ، وربما كانوا الأكثر حرية في العالم، ولكن بعضهم أكثر حرية من الآخرين. فماذا عنك أنت ؟ هل أنت حٌرّ بما يكفي لكي تعيش بالطريقة التي تودّ ؟، أمْ هل تشعر بأنك محاصر ومُسْتَغَلّ ومُحْبَطّْ في كثير من الأحيان ؟ هَلّ أنت مضطر أن تقضي جزءاً كبيراً بشكل غير معقول من حياتك، وأنت تفعل أشياء لا تريد القيام بها ؟. هَلّ تَتوقُ إلى أن تكون شخصاً أكثر حيوية وفعالية مما تحسُ أنك عليه ؟ .
إذا كان الأمر كذلك فأنت لست وحيداً، فمعظمنا نَحسّ بالضغط على حياتنا حيث أننا نقطُنْ في تجمعات تزداد حجماً، ونعمل في مؤسسات تنمو باستمرار.
وخلال مراجعتي لخمسة كتب ألفتها عن الضغوط التي تهددّ الحرية الشخصية اليوم، وجدت بأننا نتعرض لضغط متزايد من أجل التكيف، لكي نتسلق هرم العمل، ونحقق مكانة اجتماعية الى درجة أننا نتعرض بشكل متزايد الى محاولات لمصادرة آرائنا، والتطفل على حياتنا الشخصية . وقد سألني العديد من القراء : ما الذي نستطيع أن نفعله لكيّ نحافظ على الحرية في مجتمعنا ؟ .
إننا كأفراد  لا نستطيع أن نكون أحراراً بحق إلا عندما نكون مستقلين وأقوياء وذويّ نفوذ بجدارة وبشكلٍ كافٍ، لكي نصبح أشخاصاً يُعتْمَدُ عليهم .وهذا هو السبيل أيضاً إلى الراحة الفردية في الحياة، وذلك لأن الحرية مع المسؤولية هي الأساس السليم الوحيد للسعادة الشخصية .
إِذن ، ما الذي يستطيع كلٌ منّا أن يفعله ليقوي الحرية الفردية ؟ إليكم سبعة طرق للعمل يمكنكم التفكير فيها :
1- ادخر نقوداً :   يفكر كثيرون جداً منّا بالمدخرات على أساس أنها ضمانة للشيخوخة، ولكن وظيفتها الأهم هي تقوية استقلالنا الفوري. غير أنني رأيت بياناً يقول: إن الأسرة المتوسطة تعيش على مدى ثلاثة أشهر من الإفلاس ، وإن مديونية التقسيط الاستهلاكي قد ارتفعت عدة أضعاف منذ الحرب العالمية الثانية . ومن الواضح أن الرجل الذي لا يستطيع أن يتحمل البقاء من دون عمل لبضعة أشهر، لا يمكنه أن يتحمل ترك عملٍ يجعله يشعر بالاختناق والذنب .
لقد أصاب هذا الشعور بالاختناق والذنب مدير مبيعات في منشأة طباعة . لقد كان يتلقى أجراً جيداً، ولكنه كان يعاني من صداع مؤلم لأنه كان يتلقى معظم طلبياته من وكلاء مشتريات كانوا يتوقعون عمولات كانت مؤسسته تقدمها لهم بشكل خفيّ ، وكان هذا يزعجه بعمق، فحثته زوجته التي كانت تدير أمور دخله على ترك العمل. فاحتج قائلاً : " ولكن ما الذي أستطيع عمله ؟"، فأبلغته أن لديها مبالغ مدخرة في سندات حكومية وحساب مصرفي كافية لمنحهم فرصة سنة للقيام ببداية جديدة .
  فانتقلوا إلى الشمال الغربي حيث أنشأ عملاً خاصاً به؛ ألا وهو بيع الأدوات المنزلية. وعندما قابلته . كان مفعماً بالحيوية والمرح . وقال : " أتدري أنني لم أعانِ من أي صداع منذ عشر سنوات، والفضل في ذلك يعود لتدابير زوجتي الاقتصادية "
وعلى النقيض من ذلك أخبرني أحد الإداريين في حقل الإعلان مرة بأنه وأسرته لا يستطيعون أن يعيشوا على راتبه البالغ /50000/دولار سنوياً؛ واحتج بأن رؤساءه يتوقعون منه أن يحافظ على أسلوب معين من الحياة  الجيدة .
لكن الحقيقة هي أن أي أسرة فوق خط الفقر يمكنها أن تؤمن مدخرات، وتؤمن الاستقلال إذا ما كانت مقتصدة وغير مادية فيما تعتبره الحياة الجيدة .
    كنت أعرف أسرة في ضائقة مالية ويُدَخِّنْ  الزوج فيها علبتي لفائف في اليوم، بينما تُدَخنْ كلٌ من زوجته وابنه المراهق علبة . وفي إحدى الليالي بينما كان الزوج يتذمر بشأن متاعبه المالية ذَكرتُهُ  بأن الكثير من دخله يبدو أنه يتلاشى مع الدخان . فإذا ما وضع هذا المبلغ في مصرف فإنه سيصل مع فائدته خلال خمس عشرة سنة إلى آلاف الدولارات مما يزيد على قيمة الرهن المستحق عليهم، والذي يمتد على مدى اثني عشر عاماً . لقد توقفت العائلة عن التدخين .
2- حَسّن تعليمك ومهارتك :  يمكن توسيع  الحرية الشخصية عن طريق التعليم والمهارات لأنها تضع أمامنا مدى أوسع من فرص العمل . فالمعرفة مصدر قوة محسوس، وغالباً ما تكون أهم أداة في عملنا . فكلما حصلت على معرفة رائجة أكثر كلما  أصبحت أكثر حرية لأنها يستحيل أن تُنزَعْ منك - إنك تحملها معك في رأسك .
في الحقيقة لا يمكن انتزاع هذه المقدرة منا إلا بالإهمال . ففي عالم اليوم لا يستطيع العديد منّا  أن يشعروا  بأنهم أَكفاء وأحرار إلا إذا ظلوا مُتَمشين مع التطورات الجديدة في مجالهم . إننا سوف نسمع في السنوات القادمة قدراً كبيراً عن أهمية التعليم المستمر . وعلى سبيل المثال، فإن أحد أصدقائي، وهو مهندس كهرباء ناجح، يذهب إلى الكلية عدّة ليال في كل أسبوع. فهو يبقي نفسه على إطلاع مستمر في ميدانه السريع التغير من خلال إعادة 10% من مناهج كلّيتَهُ كلَّ عام .
3- حافظ على نظافة شرفك :  من أجل الحفاظ على حريتنا ينبغي علينا أن نقلل من عيوبنا الشخصية لأن هذه تجعلنا عرضة للتجريح .إذ لا يزال صحيحاً بأن الرجل المستقيم أكثر احتمالاً لأَن يتجرأ ويقول الحق .
ففي عالم اليوم نجدُ أن تصرفاتنا الماضية الحمقاء أو المشكوك فيها يحتمل أن تطاردنا أكثر مما كان يجري في السنوات الماضية . فمع نمو منظمات حفظ السجلات وخزانات الذاكرة الإلكترونية وهيئات التحقيق الطويلة الباعّ في كلا الحكومة وحقل الأعمال  هناك فرصة أقل في أن تَمُرْ حماقة أو طيش الماضي دون لفت الانتباه . ففي الفترة الأخيرة كان شاب من كونيكتيكوت يُسْتَجوَبْ من قِبل  الشرطة في وقت متأخر من الليل بعد وقوع حادث، وقد استاءَ من الأسئلة الروتينية، وبدلاً من أن يجيب بصورة طبيعية استثارَ الشرطة ساخراً طالباً منهم؛ إما أن يعتقلوه أو يطلقوا سراحه . فوضعوه في السجن على مضض، ولكن الشاب لم يدرك بأن قضاءه وقتاً في السجن سوف يُسَجَلُ ضِّدَهُ،  إذا ما تقدم إلى عملٍ لدى الدولة أو لدى العديد من مؤسسات الأعمال . ويمكن لهذا أن يَحُدَّ  من فرص حصولِه على الوظيفة، ويَحُدَّ من حريته أيضاً.
4- حافظ على خصوصية حياتك الخاصة : إن الخصوصية لُبّ مفهومنا للحرية . إنها أول شيء يختفي عندما تختفي الحرية. والخصوصية في خطر اليوم.
    فماذا بوسعنا أن نفعلَ حيالَ ذلك ؟ نستطيع على الأقل، أن نحافظ على الخصوصية المتبقية لدينا بدلاً من التخلي عنها كما يفعل كثيرون. وقد قال إمرسون : " ينبغي أن تكون الحياة الخاصة لكل شخص أشهر ملكية من أيّ مملكة "، فالمؤمن الأصيل بالفردية يحتاج إلى الحياة الخاصة مثلما يحتاجها الفرد العادي، وذلك لكي يحافظ على ذاته . فالشباب يحتاجون إلى الخصوصية لكي يحكموا ويخططوا ويكشفوا ذواتهم. وفي ترجمته لحياة الرئيس جون ف. كندي، ذكر آرثر شليزنجر الأصغر:كان تصميم كندي الصارم أثناء وجوده في البيت الأبيض على الدفاع عن فترات عزلته الخاصة، لأنها كانت تتيح لذاته الداخلية أن تَبلُغَ النضج الحرّ الواثق - وأن تجددَّ وتُرَمِمَّ  الذات العامة.
5- لا تُكرسّ نفسك لمؤسسة واحدة - ما لم يكن ذلك من كلِّ قلبك : إن معظمنا يعمل اليوم في مؤسسات واسعة لا نسيطر عليها شخصياً. وأحد المشاهد المحزنة في عصرنا هو العدد الكبير من الناس الذين  يشعرون بأنهم قد أُبتلُعوا أو "أُمتصوا" من قبل هذه المؤسسات. فالطبقات العديدة من السلطة المحيطة بهم قد تجعلهم يشعرون بأنهم ضئيلون.
لِحسنِ الحظ فإن العديدين من "رجال المؤسسات" بدؤوا يظهرون إحساساً جديداً بالحرية، فقد أصبح من السهل بشكل متزايد على شخص ذي موهبة أن يبدل الوظائف وقد نشأ حشد من مؤسسات "البحث" التي يسّرها أن تعمل كوسيط. لكن مشكلة المؤسسة الكبيرة هي أيضاً مشكلة التخطيط الفردي والاختيار. فالعديد من الناس لا يضعون خططاً، فهم يسيرون مع التيار، ويستفيدون من أفضل وظيفة يحصلون عليها . لكن الحياة هي مسألة  خيارات، والحرية تكمن في صنع هذه الخيارات لنفسك. فينبغي علينا جميعاً أن نُقَوم احتمال الحرية في أي تصرف هام، وينبغي علينا مثالياً  أن نعمل من أجل الأمور التي نؤمن بها فقط .
    لقد أَحسَّ رجل من بلدتي بالإهانة مؤخراً بسبب اختبار طويل للشخصية طلبت منه شركته أن يتقدم إليها . فاستقال قائلاً: إنه لا يريد أن يعمل لدى شركة تبحث في حياته العائلية، وعاداته الجنسية وما إلى ذلك. وقد حصل بسرعة على عمل في شركة أخرى حيث يعمل بسعادة الآن. وحسب رأيي فإن خياره جعل مستقبله أكثر حرية .
6- كَوِّن شبكة نفوذ لنفسك :  إنني مضطر لأن أسافر أكثر مما أودّ، وأواجه صعوبة في البقاء مطلعاً على مشاكل بلدتي التي أقيم فيها في كونيكتيكوت. لحسن الحظ هناك رجل أعمال في حييّ اعتبره دليلي عندما يتطلب الأمر بحث قضايا مثل تغيير القوانين المحلية، أو إعادة النظر في منهاج المدرسة الثانوية، وهناك رجال ونساء كهذا في العديد من الأحياء. وقد وجد العالم السياسي جيمس ماكغريغور بيرنز  أن هناك "شبكة قيادة"  تمتد عبر المجتمع، ويدخل ضمن هذه الشبكة الرجل الذي يقطن بجوارك، والذي يبدو أنه يعرف حقائق الموقف، والجَدّ الذي لا يزال يسيطر على كل أسرته، والرجل العالم ببواطن الأمور الذي يشارك في أفكاره أولئك الذين يرافقونه إلى العمل . كل هؤلاء قادة. ويزداد نفوذهم لأنهم موثوقون، وليس لديهم أمور خاصة يسعون إلى ترويجها .
    إن العملية الديمقراطية تستند، لحدٍّ كبير، إلى هذه الملايين من قادة الرأي. وقد لاحظ العالم السياسي حنّا أرندت  أن المستبدين لا يكونون ذويّ تأثير إلا على الناس الذين عزلوا عن بعضهم، فأحد أول اهتمامات المستبد هو إحداث مثل هذه العزلة لكي يحسّ الناس بأنهم ضعفاء، وغير قادرين على العمل بانسجام، فحينما توجد شبكات من النفوذ لن يكون أي إنسان صفراً منعزلاً. وأولئك من بيننا الذين يصبحون قادة رأي من خلال البقاء على إطلاع بالأمور، واتخاذ القرارات المسؤولة يحصلون على قوة الحرية من خلال ذلك. ويفكر الناس مرتين قبل أن يضايقوا قائد رأي.
كيف تستطيع  أن تكوّن شبكة نفوذ؟ بالتواصل ومشاركة الآخرين في اهتماماتك . ومن خلال التأكد من أن هذه الاهتمامات صحيحة ومتوازنة . فإذا بقيت على إطلاع، وطورت إحساساً بالحكم الجيد على الأمور، فإن آراءك لابدَّ أن تؤثر في الآخرين. وعندما يصبح الآخرون يحترمون آرائك فإنك تستمد القوة.
7- طَوِّرْ إحساساً بالمسؤولية الشخصية :  إن الطريق الرئيسي إلى الحرية الشخصية هو أن تتمكن من أن تحددّ القوى التي تقيدك. كُنّ فعالاً، وتَحمَّل  المسؤولية. فإذا لم تفعل فإنك تترك مصيرك للآخرين الذين يعملون .
ما هي المجموعات التي تنشط فيها، والتي تساعد على جعل بلدنا أفضل، أم أنك تترك ذلك للحكومة ؟ إذا كان الأمر كذلك، قد تكون مهتماً بما كتبته إديث هاملتون   المختصة الشهيرة بتاريخ اليونان عن سقوط أثينا :" عندما أصبحت الحرية التي يتوقون إليها تحرراً من المسؤولية توقف الأثينيون عن أن يكونوا أحراراً، ولم يعودوا أحراراً على الإطلاق". 
يستطيع الأفراد أن يعملوا بشكل فعّال من خلال مجموعات متطوعين من أجل تصحيح الظروف التي تضّر بهم، ولكن الفرد القوي الإرادة الذي يعمل لوحده يمكن أن يولدّ الفعل أحياناً . فمنذ سنوات عديدة، وفي ولاية جنوبية حيث كانت الجامعات الأخرى ما تزال مشغولة في نزاعات مرّة حول ما إذا كانت ستقبل تسجيل أول طالب أسود لديها، قام رئيس إحدى الكليات التابعة لإحدى الطوائف وبهدوء بتسجيل أكثر من /40/ طالباً أسود بدعم من الطائفة، ومن الهيئة الطلابية . سألت أحد زملائه عن تفسير النجاح البارز الذي حققه رئيس الكلية؟ فأجابني : "ألم يكن توماس جفرسون   هو القائل إن الأغلبية هي رجل واحد لديه الشجاعة ؟" .
الحقيقة هي أن هناك الكثير مما يستطيع معظمنا عمله فردياً من أجل زيادة حريتنا . إننا نستطيع أن نقاوم القوى التي قد تجعلنا أذلاء، ونستطيع أن نحصّن أنفسنا بالصفات والظروف التي تعزز الحرية الفردية، وعندما نفعل ذلك نكون قد ساعدنا على خلق مناخ أفضل من الحرية للجميع .
 
كيف تكون أكثر نجاحاً
بقلم : إدوين ديموند 

هل يمكن التنبؤ فيما إذا كان الفرد سوف ينجح في أي مهنة معينة أم لا ؟ .
في كليات الأعمال ومراكز البحث النفسي وفي الشركات الكبرى اليوم هناك اعتراف متزايد بأن عاملاً حافزاً قد يكون أهم من العديد من العوامل الأخرى في وضع مثل هذه التنبؤات . ولكن الفطرة السليمة كانت تشكك في هذا دائماً أما الآن فيوجد تأكيد كبير لهذا في الدراسات العلمية .
فقد قام علماء السلوك تحت قيادة عالم النفس ديفيد مكليلاند من جامعة هارفرد، بعزل ذلك النوع من الحافز الذي يبدو مترابطاً مع النجاح، وأطلقوا عليه اسم "حافز الإنجاز"، ويعتقدون بأنهم يستطيعون أن يختبروه لدى أي فرد، ومن ثم يتنبئون بأدائه. والأبرز من ذلك أنهم يعتقدون بأنهم يستطيعون أن يزيدوا الحافز، وهو العامل الذي كان يسود التفكير بأنه غير قابل للتغيير نسبياً . دعونا نلقي نظرة على واحد من هذه الاختبارات :
في عام 1973، وفي مبنى يضّم مكاتب في الحيّ التجاري في بالتيمور كان نحو /15/ شخصاً يدورون حول أنفسهم ببعض التردد، وكانوا قد دعوا لكي يلعبوا "لعبة رمي الحلق". وقد نُصِبَ وتد في أحد طرفي الغرفة ، وأُعطي كل شخص قبضة من حلقات الحبال لكي يرميها على الوتد، وكانت أشبه بلعبة كان العديد منا قد لعبها كأطفال، ولكن هذه لم تكن لعبة أطفال . لقد كانت جزءاً من منهج تجريبي حظي بموافقة إدارة الأعمال الصغيرة في الولايات المتحدة-وهو واحد من عدد من الاختبار لمعرفة مقدار حافز الإنجاز لدى الطلاب، وهم أُناس لديهم خطط لإدارة أعمال صغيرة .
بالطريقة التي وُضِعَ فيها الاختبار لم يكن هناك خط محدد لإلقاء الحلقات منه . وقد وقف الناس قريبين تماماً مما جعلهم يطّوقون الوتد بسهولة-ففقدوا الاهتمام بسرعة، بينما وقف آخرون على مسافة بعيدة نسبياً، وفشلوا في تحقيق أي نجاح في تطويق الوتد فأصيبوا بالإحباط . ولكن قلّة وقفوا على مسافةٍ كافية تجعل إلقاء الحلقات تحدياً، ولكن ليست بعيدة بشكل يجعل النجاح مستحيلاً. تلك كانت إحدى الدلائل بأن لديهم درجة عالية من حافز الإنجاز . فالدرس الذي تلقوه كان أن الأشخاص ذوي الحافز القوي دائماً يضعون أهدافاً عالية بما يكفي لخلق نوع من التحدي، ولكن ضمن المتناول لكي يمكن لبعضها على الأقل، أن تتحقق بسرعة . فهؤلاء الناس مرتبطون بما يدعوه مكليلاند "التغذية الاسترجاعية للإنجاز". وهو إحساس مستمر بالرضا عن قدرتهم على تحقيق الأهداف القصيرة المدى .
بعد اختبارات كهذه أُخضِعَ الأشخاص إلى تدريب مكثف زاد من حافزهم فعلياً؛ وقد شارك أكثر من /200/ شخص في ثماني مدن رئيسية في مشروع التجربة هذا، وبعد ستة أشهر كشف اختبار لإنجازهم في العمل أن معظمهم قد حقق تقدماً كبيراً . وقد ساعد تدريب مماثل أصحاب مصنع لصّب الحديد، وسائقي شاحنات في الهند، ومزارعين في تونس، وعاطلين مزمنين عن العمل في بوسطن بولاية مساشوستس، وطلاب الرياضيات في مدرسة إعدادية في سينت لويس بولاية ميزوري، وفي مقاطعة سان ماتيو في كاليفورنيا .
    تعتمد طريقة مكليلاند بكاملها على تغيير الحافز من خلال تغيير الطريقة التي يفكر بها الناس عن أنفسهم وعن محيطهم . غير الكيفية التي يفكر بها الإنسان عادةً بالنسبة لأدائه فتستطيع أن تغير أداءه الفعلي هذا، ما يعتقده ماكليلاند وزملاؤه .
يؤكد مكليلاند أن الدوافع يمكن تصنيفها عقلياً تحت مستوى الإدراك الكامل مباشرةً وذلك في "العقل ما قبل الواعي" - وهو الحدّ الفاصل بين الواعي واللاواعي . هذه هي منطقة التفكير الحالم وأحلام اليقظة حيث يتكلم الناس مع أنفسهم دون أن يدركوا ذلك تماماً . لكن يمكن اختبار نمط هذه الأحلام، ويمكن تعليم الشخص كيف يغير حافزه من خلال تغيير أحلامه النهارية حيث يستطيع الفرد أن يبرمج خيالاته بشكل يجعلها تحته دائماً بدلاً من إعاقته .
في أحد المستويات تبدو أفكار مكليلاند وكأنها لا تزيد عن مجرد بديهية جيدة، ولكنه يؤكد بأنها مبنية على أكثر من /25/ سنة من البحث "الشاق المليء بالعثرات". ولذا فإنه  قد رفد البديهيات الشائعة بإثبات علمي دقيق .
وفي الواقع اعتقد ماكليلاند وزملاؤه في جمعية هارفارد لاختبارات تحسين الحوافز أنه أصبح لديهم في أواسط عقد الستينات، ما يكفي من المعرفة المحددة لاختبار أي شخص من حيث ما يتعلق بحافز الإنجاز، ولتحسين أدائه اللاحق . وهكذا أنشأوا مؤسسة مكبر وشركاه  (مكليلاند رئيس مجلس الإدارة الآن) ، وقاموا منذ ذلك الحين بإجراء برامج اختبار، وتدريب لعملاء مثل شركة ماتيل في مونسانتو، وشركة مخابر باكستر، وشركة جنرال إلكتريك وشركة كوكاكولا .
تستخدم المؤسسة مجموعة مترابطة من الاختبارات لقياس الحافز، وبعد أن يتم ذلك. كيف تستطيع أن تغير حافزك ؟ لقد توصل مكليلاند وزملاؤه إلى طريقة جديدة : عَلِّمَ  الدارس كيف يسجّل نقاطاً أعلى في الاختبارات التي تقيس خياله، فإذا كان الحافز راشحاً في تفكيره وقاست الاختبارات طبيعته، فإن تدريبه لكي يؤدي بشكل أفضل في الاختبار يمكن أن يغير تفكيره فعلياً ومن ثم يغير حافزه. وسرعان ما تراكمت الأدلة بأن هذا الأسلوب غير العادي قد نجح . وهكذا وُضِعت مناهج تدريب الحافز -وهي تدريبات للخيال- التي يُعَلَّم الطالب فيها كيف يتفوق على الامتحانات .
يتدرب الرجال والنساء لمدة عشر ساعات يومياً خلال مدة ثلاثة إلى خمسة أيام . وفي اختبار نموذجي، على سبيل المثال، تُعرض عليهم صورة رجل يعمل بمسطرة منزلقة على طاولة، ويُطلب منهم أن يكتبوا "قصة قصيرة ولكن خيالية" عمّا يحدُث في الصورة . و "أفضل" الإجابات (تلك التي تُبين الحافز الأقوى) تلتقي حول موضوع حلّ مشكلة أو استنباط وسائل جديدة للقيام بعمل أفضل . ويشرح المبدأ للمتدربين بعد أن يكونوا قد أدوا الاختبار، وبعدها يستمرون في كتابة نماذج مختلفة إلى أن يتمكنوا بسهولة وعفوية من كتابة قصص تحصل على درجات عالية .
يرى مكليلاند في دراسات الحافز هذه إمكانيات واضحة لمساعدة الذات . 
وإليكم بعض المقترحات :
1- اعمل ترتيباً من أجل الحصول على تغذية استرجاعية للإنجاز : وهذا هو فنّ تخطيط المهام بشكل يجعلك تنجح قليلاً قليلاً، فتحصد بذلك مكافأة في كل مرة، فتقوى بذلك رغبتك في تحقيق المزيد . وقد نجح ذلك معي، فقد عجزت عن تحقيق تقدم في مشروع كتاب معقد للغاية، عندها قررت أن أُجرب نشر أجزاء من كل فصل كمقالة منفصلة في مجلة، وقد ساعدني الإحساس بالإنجاز في كل خطوة على الاستمرار .
2- ابحثّ عن نماذج الإنجاز : فحسب رأي ديفيد كولب، وهو أستاذ مساعد في إدارة جمعية اختبارات تحسين الحوافز: "إذا ما رأيت أُناساً حولي ينجحون فسوف يُحفِزُ هذا رغبتي في النجاح". وتنجح هذه العملية بطرقٍ أخرى أيضاً . لقد تخرج هاري ترومان من بيت متواضع، لكنه عزا المكانة التي حققها إلى الأبطال الذين رسم حياته على نموذجهم- إنهم السياسيون المشهورون الذين قرأ عنهم في الكتب .
3- عَدِّلْ صورتك الذاتية : يبحث الأشخاص الذين لديهم حافز إنجاز قوى عن التحديات والمسؤوليات الشخصية، ويحتاجون إلى تغذية استرجاعية مستمرة من النجاح . وهذه تجارب يرغبون كثيراً في أن يُقالَ إنهم بحاجة إليها . ويعتقد مكليلاند أنه من الممكن تطوير مثل هذه الإحتياجات من خلال تصوير الإنسان لنفسه على أنه شخص يحتاج إلى هذه الأمور، وكخطوة أولى تخيل نفسك كشخص يجب أن يحصل على النجاح والمسؤولية والتحدي والتنويع .
4- تَحَّكمْ في أفكارك الحالمة : إن معظمنا يتكلم مع نفسه باستمرار فيما وراء حدود الإدراك مباشرة، فبعضنا يمنح نفسه الاطمئنان، وآخرون يفعلون العكس تماماً . فالرياضيون الكبار - وأحدهم بيلي جين كنغ - يتحدثون إلى أنفسهم أثناء المباريات مرددين كلمات التشجيع، وبالمقابل فإن الأفكار السلبية التي تمرّ في حلم اليقظة يمكن كبحها بمجرد قولك "قفّ!" كلما اكتشفت وهي على حدود الوعي . وهناك أدلة كثيرة من الدراسات الحديثة عن السلوك بأن هذه الوسيلة ناجحة .
ويعتقد مكليلاند أن الأشخاص الذين طوروا هذا النوع من الحافز هم المسؤولون إلى حد كبير عن النمو الاقتصادي في مجتمعاتهم، ويصف بعض التحولات الإنسانية التي تحققها مناهجه . فصاحب محل صغير للراديو في حيدرآباد في الهند أصبح لديه الحافز بعد الدورة لإقامة مصنع كبير للدهانات والورنيش، فنجح المصنع وأُحدثت فرص عمل . كما قرر أحد المصرفيين بأنه كان محافظاً جداً بشأن الضمانة التي يطلبها مقابل القروض التجارية ، فبدأ يغامر بشكل هادف فازدهر مصرفه .
إن مغزى كلام مكليلاند هو أنك تستطيع أن تكون واحداً من الفاعلين إذا ما غيرت حافزك . حيث يقول :"يستطيع الناس أن يكونوا مختلفين إذا ما أرادوا أن يكونوا كذلك". إننا جميعاً نستطيع أن "نعيد اختراع أنفسنا من خلال التغيير الواعي للحوافز التي تحدد، أكثر من أي شيء آخر، الكيفية التي سوف نتصرف بها، ونوع الشخص الذي سنصبح عليه نتيجة لذلك .

* * *
 
خَطِّطْ لحياةٍ أطولْ
بقلم : بليك كلارك 

"كيف يمكنني أن أشعر بتحسن وأعيش أطول ؟".
من أجل الإجابة على هذا السؤال يأتي نحو /255000/ شخص سنوياً إلى عيادة مايو  الشهيرة . فمنذ بداية القرن عندما أنشأ الأخوان وليام وتشارلز مايو العيادة في بلدة روشستر الصغيرة بولاية منيسوتا .
أمَّ هذه المحجة الطبية ما يزيد على ثلاثة ملايين ونصف شخص، ملوك وسباكون ورؤساء جمهوريات، وفنانون مشهورون ومزارعون ومدراء شركات .
ورغم أنهم يأتون بكل العلل المعروفة لدى علم الطب، فإن ما يريدون أن يعرفوه فعلاً هو: "كيف يمكنني أن أشعر بتحسن وأعيش أطول؟ ".
فسألت عشرة أعضاء حاليين وسابقين من جهاز عيادة مايو (بخبرة وسطية في العيادة /28/سنة)، " ماذا تقولون لهم ؟).
وكانت إجابتهم تستند إلى ملاحظات لآلاف الأفراد، الكثيرُ منهم يرونهم عاماً بعد عام، وتتأثر هذه الإجابات بالأسماء وذلك لأن مثل هذا العدد الكبير من الناس كان بإمكانهم أن يحولوا دون مرضهم، أو موتهم المبكر . وفي الحقيقة فإن العديد منهم ما كانوا بحاجة إلى اللجوء إليهم إطلاقاً .
وهذه هي الخطوات التي يوصي بها الأطباء من أجل أيام أطول وأكثر صحة على الأرض .
1- اعرف أن الحياة الأطول أمرٌ يعود إليك بشكل رئيسي : يقول الدكتور بروس إي.دوغلاس، رئيس قسم الطب الوقائي والطب الداخلي : "إن طول الحياة، باستثناء الحوادث التي يمكن الوقاية من معظمها، يعود إلى الفرد إلى حدٍّ أكبر من أي وقت سابق". فالزيادة الهائلة في العمر المتوقع في أمريكا-73.3 سنة في عام 1978 والتي تمثل زيادة مقدارها 24.8 منذ عام 1900 هي هبة الطب الحديث، والبحث العلمي وإجراءات الصحة العامة . فأفتك القتلة في بداية القرن كانت مسؤولة عن ثلث جميع الوفيات . أما الآن فهي في مركز متدَّن جداً في قائمة الأخطار، والفضل في ذلك يعود إلى التقدم الصحي والطبي .
يقول الدكتور دوغلاس إن القتلة الرئيسيين اليوم هي أمراض وسط وآخر العمر . فتصلب الشرايين والسرطان مسؤولان عن 70% من حالات الموت الناجمة عن غير الحوادث بين البالغين . غير أن الفرد اليقظ يمكن أن يفعل أكثر من الطبيب لكي يحمي نفسه من الإصابة بهذه العلل الجسدية . ومعرفة ذلك تعطينا الحافز لكي نكون أقلَّ اعتماداً على القضاء والقدر - ولكي نعتني بأنفسنا بشكل أفضل .
2- اجرِّ فحصاً طبياً دورياً : هذا أول استثمار لك  في صحتك المستقبلية كما يقول الدكتور ألبرت هيغدورن، وهو خبير متمرس في أبحاث الدم والطب الداخلي . فأشعة إكس للصدر يمكن أن تكشف عن آفة مبكرة، وفحص البروستات قد يكشف عن ورم، وتخطيط القلب قد يكشف تصلب الشرايين ، واختبارات ضغط الدم قد تكشف استعداداً لزيادة ضغط الدم. فإذا اكتشفت ذلك يمكنك أن تتخذ إجراءات وقائية في الحال .
إن قتلة العصر تتسلل بخاصة إلى المجموعة العمرية الحرجة من /40-50/ عاماً  . ويقول الدكتور دوغلاس:"نجِدّ أنك إذا ما نجوت بسلام من هذا العقد الخطير فسيكون أمامك سنوات عديدة من العيش الهادىْ حتى عقد السبعينات وما بعد ".
3- لتتجاهل الأعراض : تقول الأخصائية النسائية الدكتورة ماري إليزابيث موسي:"إنني أفكر بشابة من وسكونسين كانت قد تجاهلت نزيفاً رحمياً ". حيث اكتشفت سرطان عنق الرحم لديها في مرحلة متأخرة جداً. وتضيف الدكتورة موسي بأن المرأة يمكن أن تقلل إلى حَدٍّ كبيرٍ من فرص وفاتها بهذا النوع من السرطان لو أنها لجأت مرة في العام إلى إجراء اختبار "باب"  الرخيص الكلفة والخالي من الألم ، والذي يكشف الخلايا الخبيثة في الوقت المناسب لمعالجتها بنجاح .
كما قال كبير المستشارين في قسم طب الأورام، الدكتور هاري بيزل بهلع :"هذا الصباح بالذات اعترفت امرأة في أوائل العقد الثالث من عمرها بأنها ظلت تراقب الكتلة في صدرها، وهي تنمو إلى أن أصبحت بحجم كرة البيسبول .  إن سرطان الثدي هو الورم الخبيث رقم /1/ الذي نراه بسرعة، ونستطيع أن نُشفي ثلاث حالات من خمس على الأقل، إذا ما عالجناها باكراً . أما إذا طّال بها الوقت لكي تنتشر إلى العقد اللمفاوية في الإبط فإن فرص الشفاء تنخفض إلى نسبة واحدة من أربع حالات . وعلَّق الدكتور كنيث جي.بيرج  المستشار في قسم الطب الداخلي، وأستاذ الطب الداخلي قائلاً :"لدى الناس قدرة كبيرة على تجاهل الأعراض. فكلنا هنا رأينا رجالاً  تحملوا آلاماً صدرية متكررة دون أن يخبروا أحداً . ويقولون : كنت أخشى أن يكون قلبي وكنت آمل أن يزول." غير أن الزيارة المبكرة للطبيب تعني في أغلب الأحيان الفرق بين العيش في خوف من مرض غير موجود وإجراء العناية اللازمة بمرض موجود فعلاً .
4- خَفِضّ وزنك بانتظام كل عام : أبلغني الدكتور دوغلاس بأن "معظم المرضى يأتون إلى هنا، وهم يعتقدون بأنه من الطبيعي أن يزيد وزنهم مع تقدمهم بالسن، وهو مفهوم خاطئ خطير . فعندما نتقدم في السن نكتسب الشحم على حساب العضلات . فإذا كان وزنك /170/ ليبرة في سن /30/، وحافظت على نفس الوزن في سن /60/، فقد تكون تحمل زيادة غير نافعة".
وقال الدكتور كليفورد ف.غاستينيو، المستشار في قسم الغدد الصم والأيض (التغيرات الحيوية) والطب الداخلي :
رأيت هذا الصباح ميكانيكياً متين العضلات في الثلاثين من عمره، وكان كرشه منتفخاً من الشحم . فقلت له إن عليه مهمتين -الأولى، أن يخفض وزنه إلى الحد الطبيعي، ثم يتابع بعدها التخفيف من وزنه ببطء . وفي سن الستين سيكون وزنه أقل بخمس إلى عشر ليبرات، وتكون لديه نفس العلاقة بين الشحم والعضلات التي كانت لديه، وهو في سن الثلاثين وسيكون ذا تناسب جيد .
5- توقف عن التدخين : إن الأطباء الذين يعرفون التبغ أفضل من غيرهم يكرهونه أكثر. فقد اعتاد الدكتور دانيال سي.كونولي، المستشار في قسم أمراض الأوعية القلبية والطب الداخلي، أن يدخن /40/ لفافة يومياً. لكن بعد أن رأى الآثار المأساوية على المرضى توقف عن التدخين . وقال :"يصبح لدىالمرضى دافع قوي لترك التدخين بعد نوبة قلبية؛ ونحن نريد منهم أن يكون لديهم هذا الدافع قبل ذلك" .
وقال الدكتور جون ل.جورجينز : "إن اختصاصي هو أمراض الأوردة الطرفية . وأقول أحياناً لأصدقائي من جراحي الشرايين إنني أستطيع تقريباً أن أعمل لساقي المريض من خلال جعله أو جعلها يترك التدخين كما يستطيعون هم أن يعملوا من خلال الجراحة." وقد تابع الدكتور جورجينز بدقة تقدم حالة /156/ مدخن سجائر يعانون من تصلب شرايين متقدم في الأطراف، ومن بين /71/ شخصاً توقفوا عن التدخين لم يحتج أحد إلى عملية بتر، ولكن عشرة من /88/ شخصاً استمروا في التدخين كان لابدّ أن يفقدوا أحد أعضائهم . ويقول الدكتور جورجينز :"إن النكوتين قابض قوي للشرايين . فالتدخين يسرع تصلب الشرايين من خلال آلية ما غير معروفة بعد، ولقد قلت لبعض المرضى إما لفائفكم أو ساقكم ".
قام الدكتور ديفيد ت.كار، الذي ترك عيادة مايو في عام 1979، وهو في الوقت الراهن رئيس مشارك في وحدة علم أورام الصدر في مشفى م.د. أندرسون ومعهد الأورام الخبيثة في هيوستون، بمعالجة آلاف الأشخاص المصابين بسرطان الرئة ويكره السجائر بشدة . إنه يعتبرها الخطر الصحي رقم /1/ في أمراض الصدر . ويقول إن التوقف عن التدخين هو أمر يستطيع ملايين الأفراد عمله لحماية صحتهم وإطالة حياتهم، ويقول لمرضاه إن التبغ لن يحظر قانونياً، وأنتم وحدكم تستطيعون إنقاذ أنفسكم من آثاره المهلكة .
6- احذر الكحول : يقول الدكتور غاستنيو إن الشخص العادي لا يدرك مقدار السرعة التي يزحف بها الكحول نحو القتل . ويبين أن الكحول يحوي على مقدار كبير من الحريرات ."فكأس من المارتيني قبل الغذاء وكأسان قبل العشاء يعني أنك تتناول نحو/4000/حريرة يومياً . وقد تكون الاحتياجات الكاملة للشخص /1800/الى/2000/حريرة ". 
وبهذا المعدل قد لا يشعر الشخص أنه سكير، ولكنه كما يقول غاستنيو، "يشوه نمط تموين جسمه بالطاقة إلى درجة كبيرة، وفي نهاية الأمر، وفي عدد معين من الحالات، تتراكم الشحوم في الكبد وتؤدي إلى التليف الكبدي،  وهو سبب للموت المبكر لا يمكن وقفه . وقد لا يدرك شارب الخمر أن الكبد يمكن أن تعطب خلال مدة من الزمن من دون أن تسبب ألماً .
7- مارس التمارين الرياضية بانتظام : صَرَّحَ الدكتور دوغلاس "بأن التمارين الرياضية التي كانت تعتبر فيما مضى ترفاً لقلة أصبحت الآن ضرورة للجميع ". فالعضلات ذات اللياقة والاستجابة تضغط على الأوردة وتدفع الدم ليعود باتجاه القلب، وبذلك تساعده على ضخ الدم عبر جهاز الدورة الدموية. 
كم هو مقدار التمارين الرياضية ؟ لدى الدكتور دونالد إريكسون، عضو الجهاز الفخري في عيادة مايو، وهو متقاعد، حكمة قائمة على التجربة . "تمرَّن إلى أن تشعر بأن أنفاسك تكاد أن تتقطع .فمثل أي عضلة أخرى يحتاج القلب تحولات عميقة في متطلباته؛ حد أقصى من العمل وحد أقصى من الراحة." ويوصي بعشرين دقيقة من النشاط بالنسبة للشخص العادي، مثل المشي السريع أو العدّو الوئيد أو السباحة أو ركب الدراجة، فمعدل نبضات القلب يجب أن يزداد، وتصبح عملية التنفس أقصر." ويقول من خلال التمرين ثلاث مرات أسبوعياً يستطيع الفرد أن يقوم بالمزيد والمزيد طوال الوقت، ويفيد بصورة عامة جهاز أوعيته القلبية ونشاطه البدني وتوقده الذهني .
8- كُنّ متفائلاً : إن السعادة صحة من الناحية الفيزيولوجية، فالإنسان المكتئب يعاني من تباطؤ في جميع عملياته الحيوية . ويقول المثل إن القلب المرح يفعل فعل الدواء لكن النفس الكسيرة تجفف العظام .
ويُحَذر الدكتور هاغيدورن قائلاً :"تستطيع أن تُرغم نفسك على المرض".  إن حالة عصبية ما لن تكون في ذهنك فقط، بل إنها حقيقية مثل النوبة القلبية، فالجهاز العصبي له وظيفة مثل القلب، وعمله يتأثر بالضغط مثل مسؤولية إضافية أو قلق عقيم .
ويقول الدكتور هاغيدورن :"إن مرضانا لديهم مشاكل متماثلة . غير أننا نرى بعضهم يموتون لأنهم يفتقرون إلى الموقف الإيجابي ". فأحد أصدقائه من الأطباء كان مصاباً باحتشاء في العضلة القلبية، ومات من الخوف، ويُعلّق الدكتور هاغيدورت قائلاً :"غير أن الرئيسين إيزنهاور وجونسون أُصيبا بنوبات متماثلة واتخذا موقفاً مؤداه انهما يستطيعان التغلب على ذلك ونجحا ."
9- خُذّ إجازة : إن الخلاص من الضغوط اليومية يعيد بهجة العيش . ويقول الدكتور جورجينز : " ينظر العديد من المرضى في عينيك مباشرة، ويقولون إنهم لا يستطيعون أخذ إجازة. هذا سخف . إن أفقر مزارع في ولاية مينيسوتا يستطيع أن يجد شخصاً ما ليقوم يأعماله الروتينية عندما يذهب في عطلة لصيد السمك لمدة أسبوع ."
ويجب أن تكون عطلتك مخططة بشكل معقول، هذا ما ينبهنا إليه الدكتور بيرغ."فالتخييم لمدة أسبوع مع الأسرة في منطقة يالوستون هي كابوس وليست راحة بالنسبة للبعض ."
كما أن لعبة الغولف، ولعبة البريدج ليستا جيدتين إذا ما كان الجانب التنافسي فيهما يجعلك تقرض أظافرك بأسنانك . كل ما عليك هو أن تبتعد عن روتين العمل، وتعمل شيئاً تستمتع به . إن السعادة قد تكون قريبة من حديقة منزلك .
    هذه هي نصائح بعض أشهر رجال الطب المعتبرين . واتباعها قد يعمل بسهولة على إطالة أمدّ حياتك من /10/ إلى /30/ سنة .
فلأول مرة في التاريخ يعود الأمر كله إليك .
* * *












الفصل الخامس
تنظيم أسلوب الحياة

 
الدعوة إلى أسلوب حياة أفضل
بقلم : لورنس إس.روكفلر 

لقد أدى الحرص القومي المتزايد على توفير بيئة أفضل وأسلوب حياة أبسط إلى تحسين المحيط المادي في أمريكا، وقد يكون هذا مصدراً أخلاقياً ومعنوياً جديداً أساسياً أيضاً .
لقد كانت  السنوات العشرون الأخيرة مرهقة ومثيرة للشقاق مثل أي سنوات أخرى غيرها في التاريخ؛ فعمليات الاغتيال والحروب المأساوية والثورات السياسية والاقتصادية قد قسمت وأرعبت هذا البلد .
ومن أجل مواجهة مشكلات كهذه، تحتاج الديمقراطية إلى مواضيع وأهداف مشتركة تؤدي إلى الوحدة والالتزام، وقد يكون علم أخلاق البيئة والتغيرات في أسلوب الحياة التي ترافقه يشكلان مثل هذه القوة.
قد يعتقد البعض أنه من السخرية أن يدعو شخص وُهِب نعمة موارد مادية هائلة إلى أسلوب حياة أبسط . وفي الحقيقة فإن الأمر طبيعي تماماً حسب رأيي . فتقاليد قيمة العمل تنغرس عميقاً في تراثنا العائلي، فأبي وجدّي كانا يعلماننا بأن التبذير خطيئة مهما تكن موارد المرء كبيرة .
وقد أصبح المزيد والمزيد من الناس يدركون بأن الإنسان يجب أن يعيش في انسجام مع الطبيعة وليس كعدو لها . ومن الواضح أن المفهوم القائل: " إن لدينا موارد لا حدود لها من المواد والقوى البشرية والروح المعنوية ولذا يمكننا أن نحتمل التبذير". لم يعدّ صحيحاً . وقد أخذ الناس يجدون فردياً، أن أسلوب الحياة الأبسط يؤمن ارتياحاً أكبر من الجري الذي لا هوادة فيه وراء المادية .
إن الأسلوب الأبسط هو اصطلاح نسبي يعني أموراً مختلفة في حيوات مختلفة . وهو يتضمن بشكل أساسي تخفيض الهدر واستخدام القدرات المادية وكذلك العقلية والروحية إلى أقصى حدّ ممكن . وهو لايتضمن تغييراً جذرياً بالضرورة، وهو لا يعني بالنسبة لمعظم الناس التخلي عن وسائل الراحة الحديثة والعودة إلى الطبيعة تماماً .
إنه يعني فتح شكل ما من الاتصال مع الطبيعة، وهو يعني تقليل الاعتماد على الأشياء الميكانيكية، واكتشاف متعة الاعتماد على الذات، والرضا الناجم عن العمل الجسدي . فعلى سبيل المثال، ومن تجربتي الخاصة ، فإنني أعرف أن تقطيع وتشقيف حطب الوقود يؤدي لا إلى المشاركة الجسدية الكاملة فقط، بل يمنح الراحة والاستقرار الروحي والعقلي أيضاً.
يعتقد علم أخلاق البيئة أن الإنسان يجب أن يعيش كجزء من العالم الطبيعي، ويجب أن يُعامل الأرض والهواء على أنها حلقات في سلسلة حيوية تعتمد الحياة عليها . إن السيادة للإنسان الآن، ولكن هل سيستمر في البقاء ؟ يجب عليه أن يتجاوز الاهتمام الضروري من أجل بقائه الخاص إلى ذلك الاهتمام اللازم لجميع المخلوقات الحيّة الأخرى. وهكذا يندمج علم البيئة بعلم الأخلاق، ويتفاعلان معاً، ويقوّي كل منهما الآخر فيما يدعوه ألبرت شويتزر  "احترام الحياة" .
وإذا ما وضعنا الأمر بشكل آخر فإن علم البيئة يخبرنا براغماتياً (ذرائعياً) بأننا لا نستطيع أن نستمر في الهدر، ويخبرنا علم الأخلاق النابع من تقاليدنا الدينية بأننا ينبغي أن نبتعد أخلاقياً عن التبذير .إن الأمريكيين يجدون، بأعداد متزايدة، أن إرضاء الاحتياجات المادية لن يؤدي بالضرورة إلى إحساس بالرفاه الدائم . والكثيرون يتوقون إلى شيء ما يمنحهم إحساساً أكبر بأن لحياتهم هدفاً ومعنى .
لقد أدت الخرافات والمفاهيم الخاطئة عن أسلوب الحياة الأبسط المستندة إلى سلوك "ممارسين زائفين" تدور حياتهم على المخدرات إلى ابتعاد بعض الناس؛ ولكن  مثل هذا السلوك لا يمثل هذه الفلسفة بحق . فعلم أخلاق البيئة ليس ابتعاداً منحرفاً عن المجتمع الأمريكي الآخذ بالنضج، بل هو تطور طبيعي له . ولنلق نظرة على العوامل التي تجعله جزءاً من التيار الرئيسي للفكر الأمريكي:
1- فبدلاً من التعبير عن الحرمان والمصاعب فإن أسلوب الحياة الأبسط يمكن أن يعني تماماً حياة أكثر متعة وحتى أكثر راحة . قد يختار البعض أساليب حياة شديدة التقشف، أو طوباوية كطريقة لحياتهم، ولكن بالنسبة لمعظم الناس نجد أن طريقة الحياة الأبسط لا تحتاج إلاّ إلى تطبيق تحولات متواضعة فقط، فمبادلة وقت نقضيه أمام التلفاز أو في السيارة بنشاط جسدي أقرب إلى الطبيعة، ليس تضحية، إنه إغناء . فقد كتب عالم البكتريا الواسع الإطلاع ريني دوبوس  :
"إننا لن نعود إلى العصر الحجري، ولن نتخلى عن المساهمات التقنية التي لا تقدر بثمن، ولكن بما أننا نحسُّ بالقلق بشأن النقص في الموارد والطاقة، نستطيع أن نستمد الراحة من حقيقة كون مجموعات عديدة من البشر في كل مراحل التاريخ كانت صحيحة الجسم وسعيدة مثلنا على الأقل، وحققت إنجازات حضارية مجيدة بتقنيات ومواد تُعتَبر بدائية للغاية حسب معاييرنا ".
2- منذ ما يزيد على قرن مضى كان مفكرون أمريكيون كلاسيكيون مثل، هنري ديفيد ثورو ، ورالف والدو إمرسون يدعون إلى قيم الاعتماد على الذات، والعيش بانسجام مع الطبيعة؛ فقد أدركوا أن الإنسان قد اختبر كقيّمٍ على الكائنات الحيّة الأخرى والأرض، لا كمستغل لها .
فهذا ثورو يدعو إلى هذا المبدأ قبل قرن مضى ."إذا ما سار الإنسان في الغابات حباً بها - نصفاً من كل يوم، لأصبح في خطرٍ أن يعتبر متسكعاً، ولكن إذا ما قضى يوماً كاملاً، كجزار محتمل لهذه الغابات، وجعل الأرض جرداء قبل أوانها، فيُحتَرم على أساس أنه مواطن مجتهد ومُبدع " .
3- يمكن أن تمارس طريقة أبسط في المدن كما في الريف، فالعديد من عمليات التوفير والممارسات المعقولة قابلة للتطبيق في البلدات والضواحي والمناطق الريفية على نحو متساوٍ. فالتخطيط الحكيم والاستخدام والتصرف الذكيان بهوائنا ومائنا وأرضنا مُهمان بالنسبة لنوعية الحياة في كلا الريف والمدينة على حدٍّ سواء . إن المهم هو الإحساس بأننا جزءٌ من الطبيعة لا أعداء لها .
4- إن العودة إلى طريقة عيشٍ أبسط وأقل تبذيراً  تتلاءم تماماً مع النمو الاقتصادي . على سبيل المثال فإن أزمة الطاقة تَخلقُ أسواقاً مثلما تخلق مشاكل؛ ولكي نستخدم طاقة أقل نحتاج إلى وحدات تسخين شمسية أكثر، وإلى المزيد من عمليات العزل الحراري، وإلى المزيد من سيارات وطرق النقل الجماعي . إن التغييرات الكبيرة في عمليات التصنيع من أجل توفير الطاقة يستدعي الاستثمار والوظائف التي يحدث إملاؤها النمو .
إننا نسمعُ غالباً أنّ إجراءات المراقبة البيئية تجعل الصناعات تغلق وتؤدي إلى ضياع فرص عمل، ولكن بالمقارنة نجد أن الأمر ليس كذلك بالضرورة . فالتقليل من تلوث الماء والهواء، وتنظيف مدننا يعنيان إحداث الآلاف والآلاف من الوظائف الجديدة في بلادنا.
5- إن الموقف الجديد في الحياة ينسجم تماماً مع اهتمامنا بالمحرومين، فمازال العديد من الناس لا يملكون ما يكفي من العناصر الأساسية المطلوبة حتى من أجل وجود مُجزِ بشكل متواضع؛ فمشكلات التوزيع المعقدة ذات صلة بموضوعنا هنا، ولكن ذلك الجزء من الناتج الوطني الإجمالي الذي يُستخدم لتأمين الغذاء والسكن والضروريات الأساسية للفقراء يجب أن يزداد . ونفس الشيء صحيح بالنسبة لذلك الجزء الذي لا يزال فقيراً من العالم . إن العيش ببساطة أكثر، وبمطالب أيسر، وتبذير أقل من قبل المحرومين لا يتلاءم مع هذا الشكل من النمو . فإذا ما خفف الأمريكيون الميسورون من مطالبهم على الموارد المحدودة فسيكون هناك ، وعلى المدى الطويل، المزيد من أجل أولئك الذين لا يحصلون الآن إلا على القليل جداً ، سواءٌ في هذا البلد أو في أنحاء العالم .
6- يمكن أن يكون العلم والتكنولوجيا من أكبر حلفائنا في تخفيف الهدر في إنتاج الطاقة وفي الصناعة . فاليوم لا نحصل إلا على نحو أربعة بالمائة من موارد الطاقة الإجمالية من مصادر متجددة، فيجب علينا أن نتحول الآن من اعتمادنا على مثل هذه الموارد غير المتجددة مثل الموارد الهيدروكربونية والمعادن إلى موارد متجددة مثل الخشب والقدرة المائية والطاقة الشمسية والريح والأمواج والمد والجزر وحرارة الأرض . إن إيجاد طرق لاستخدام هذه الموارد المتجددة الوفيرة والنظيفة للطاقة بكفاءة يشكل تحدياً ذا أولوية قصوى، وإيجاد طرق أقل كلفة وأنظف لاستخدام الفحم الذي لدينا منه مصادر واسعة لم تستخدم بعد يمكن أن يُخَفِّض بشكل حاد اعتمادنا على الطاقة المستوردة .
إن إعادة تدوير وإعادة استخدام المصادر غير المتجددة يلعبان دوراً كبيراً في القضاء على الهدر، فالقمامة في المدن وحدها تستطيع أن تؤمن جزءاً لا بأس به من احتياجات الطاقة فيها . إذا ما طبقنا مهارات علمية وتكنولوجية لحل المشكلة .
ولكن ماذا عن الناس كأفراد ؟ ماذا يستطيعون أن يفعلوا لممارسة موقف أبسط في الحياة ؟ إن الأمثلة سرعان ما تردُ إلى الذهن .
- المزيد والمزيد من الناس يذهبون إلى أعمالهم سيراً على الأقدام، أو يركبون الدراجات العادية؛ وفي هذه العملية يوفرون الطاقة والنقود، ويجدون أيضاً بأنهم يشعرون بصحةٍ أفضل . والعديد من الناس الذين يشترون الآن سيارات يبحثون عن سيارات أصغر، ويعيدون اكتشاف الاقتصاد الذي يوفره المحرك ذي الاسطوانات الأربع .
- هناك تحركٌ عام نحو المشاركة في كل أنواع الرياضات، وهو تغير صحي من مجرد متفرجين سلبيين . فالناس يقومون بنزهات على الدراجات، ويخيمون في العراء، ويقومون بالتزلج على الجليد والهرولة والسباحة؛ فهم بصورة عامة يستمتعون بالعيش خارج المنازل بأعداد تتزايد بشكل واسع .
- إن العادات القديمة البسيطة في الاقتصاد، والاعتماد على الذات تعاود الظهور في أشكالٍ مختلفة، وبعض هذه عادية تماماً :على سبيل المثال، اكتشف الكثيرون منا أن ترك الأنوار مضاءة بدون ضرورة عادة لا يمكن تبريرها لا بالراحة ولا بالحاجة . والتعاظم الكبير في الاهتمام بالحرف اليدوية يوضحُ توقاً داخلياً إلى الاكتفاء الذاتي، إضافة إلى التعبير عن الذات . لقد بدأ الناس يوفرون الطعام من خلال رفضهم أن يضعوا في صحونهم أكثر مما يريدونه، أو يحتاجونه فعلاً .
- وأخيراً، هناك إدراك متزايد لأهمية التخطيط الأسري . لقد بدأنا ندرك العلاقة الحاسمة بين عدد الناس الذين يعيشون على هذا الكوكب، واستمرار توافر المصادر الطبيعية المحدودة .ويؤدي هذا بمجموعِهِ إلى نمطٍ جديدٍ في الحياة، وهو نمطٌ ضروري لخير الأفراد والأمة.  وإذا لم نتبعَهُ طوعياً وديمقراطياً فقد يُفرَضُ علينا قِسراً . ويجادل بعض الاقتصاديين والمحللين قائلين إننا إذا ما استمررنا في استهلاك الموارد على نحو ما نفعله الآن، فإن الطريقة الوحيدة لتحقيق توازن بين العرض والطلب سيكون من خلال ضوابط قسرية . إن روبرت هيلبرونر عالم الاقتصاد المشهور متشائم بشكل خاص بالنسبة إلى قدرة الدولة الديمقراطية والرأسمالية على فرض النظام الضروري للبقاء في عالم يعاني من نقص الموارد.
باختصار، فإن أسلوب الحياة الأبسط، والالتزام الوطني بأخلاق البيئة يمكن أن يساعد أمريكا على التغلب على أزماتها المادية والروحية . ورغم أننا نعتقد بأننا عمليين (براغماتيين) وغير فلسفيين فإن الأمريكيين كانوا يتأثرون دائماً بما هو صحيح أخلاقياً . فالأحداث الكبيرة حقاً في تاريخنا قد تركزت على القيم الروحية .
فثورة 1776 والحرب الأهلية والحربان العالميتان الأولى والثانية خضناها كلها لأسباب لا تتعلق بالفتح أو المكسب المادي؛ وبعد كل صراع كانت أمريكا تبذل قصارى جهدها لتأمين القضية التي كانت موضوع القتال . لقد بنينّا أمة جديدة وشكلاً جديداً من الحكم بعد عام 1776 . ورغم أن التحرك كان بطيئاً جداً، فقد كنا ننشر الحق بالعزة الإنسانية منذ الحرب الأهلية .
وبعد الحرب العالمية الثانية بذلنا أكبر الجهود في التاريخ لمساعدة الأمم الأخرى . وخلال مآسي الماضي استخدمنا مؤسساتنا لتصحيح الأخطاء، فغيرّنا سياستنا، وغيرنا رئيسنا. لقد كان أمراً صعباً ومثيراً للجدل ولكننا فعلنا، لا من أجل مكسب مادي ولكن من أجل التعبير عن قيمنا الأخلاقية .
ونحن نواجه الآن تحدياً أخلاقياً يدعو إلى تبسيط حياتنا المعقدة جداً والشديدة الإسراف، وإلى صياغة التزام قومي بأخلاق بيئية؛ ويجب علينا أن نفعل هذا لكي نحمي الموارد المحدودة التي تعتمد حياتنا عليها . فإذا ما فعلنا ذلك بشكلٍ جيد فإن هذا الالتزام القومي والشخصي يمكن أن يعزز الحياة الروحية لكل فرد منّا  .
فضلاً عن ذلك، فسنكون نصوغ أساساً للالتزام المشترك والأهداف المشتركة التي ستمنح هذه الأمة قوة أساسية . فمن هذه الجهود المشتركة تستمد الديمقراطيات القوة وتطور النسيج الأخلاقي والانضباط الذاتي الذي تحتاجه لتجديد نفسها ومواجهة التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها الآن .

* * *
 
كيفَ تستفيد أكثر من إجازتك 
بقلم : ويلبور كروس 

في صيف أحد الأعوام قضيت أسبوعين في كوخٍ مُستأجر عند الشاطئ مع زوجتي وأربع بنات، وكانت أول إجازة عائلية لنا في خمس سنوات . ورغم أننا كنا نقولُ باستمرار : " غداً سوف نُنَظِمُ أنفسنا ونَقومُ بشيء مسلٍ، تلاشت الأيام دون فائدة؛ حيث لم يحدث شيء يستحقُ أن نستعيدَ ذكراه . وفيما بعد قدمت لي زوجتي ألبوم صور عنوانه "إجازتك" . وقد أظهرت الصور التي تضمنها والداً يجلس بتراخٍ، وهو يقرأ مجلة عن الأعمال، أو وهو يتثاءب في أرجوحة للنوم، أو يغسل جواربه الموحلة في بركة خَلّفَها المدّ . وثبتت على هذه المجموعة ومجموعات أخرى مقبضة مثلاً من كتاب الزندافستا يقول : "ليس هناك أي يوم يعود ثانيةً، فبوصة من الوقت تساوي قدماً من اليشب (حجر كريم)" .
وعلى النقيض من ذلك، سَمِعتُ، عندما ذهبت إلى المكتب وصفاً رائعاً لإجازة أحد الزملاء، وكان قد اختار، مثلي، كوخاً عند الشاطئ، ولكنه، بخلافي، وظَّفَ وقته بشكل بنّاء، ففي البداية جرَّبَ "مقايضة المنازل"، حيث أعطى منزله في منطقة ويستشستر إلى زوجين من مدينة مين أرادا  أن يقضيا إجازتهما في مدينة نيويورك . وفي مقابل إعداد دفتر مذكرات شخصي بالأشياء التي يمكن أن يروها ويفعلوها في مدينة نيويورك ، وترتيب الأمر مع الأصدقاء ليضموا الضيفبن إلى نشاطاتهم، حصل على إهتمامٍ ممائل من جيرانه في مجتمع الشاطئ. ولولا هذا الترتيب لألفى نفسه غريباً بينهم .
نتيجة لذلك شارك هو وعائلته في سباقات الزوارق، واستمتعوا بنزهات على الشاطئ، وتجولوا في المباني التاريخية غير المفتوحة للجمهور، وعادوا إلى منزلهم بمجموعة 
قيمة من الصور الرائعة . وعندما استمعت إليه أدركت مقدار المساهمة البناءة التي كنتُ يمكن أن أحصل عليها من وقت إجازتي لو كان لدّي منظوره عندما أعددنا خططنا؛ غير أنني اكتشفت أن الأمريكيين يجدون من الصعب، تقليدياً، أن يستفيدوا بشكل جيدٍ من وقت فراغهم الثمين .
لقد أظهرت دراسات عديدة هذه النقطة المؤسفة . حيث قال مجلس الأبحاث في كاليفورنيا الجنوبية : "إننا لا يسعدنا أن نتصور مجتمعاً مستقبلياً يكون فيه وقت الفراغ خواء، أو يملأ بمجرد تسليات محمومة . إننا بحاجةٍ إلى تطوير أشكال جديدة من أوقات الفراغ تساعد على توسيع مداركنا ".
ليست هناك وصفة سحرية من أجل تخطيط وتنفيذ الاجازة، ولكن إليكم بعض الخطوط العامة، من أجل القيام بإجازات منعشة وأكثر فائدة : 
- خطِّط مسبقاً : تقوم إحدى العائلات التي نعرفها بتخصيص يوم تسميه "أحد الإجازة"، ويكون عادةً في أواسط كانون الثاني،  حيث تجتمع الأسرة حول طاولة المطبخ وتنشر أمامها كتيبات عن السفر وقصاصات صحف ورسائل من الأصدقاء تتحدث عن الإجازات، وملاحظات مكتوبة جُمِعَت كلها خلال الأشهر السابقة . وعلى روزنامة يضعون إشارات على أيام العطل والعطل الأسبوعية الطويلة، وعلى أنسب الأيام للتمتع بإجازة كاملة . 
ويوضح الأب قائلاً : " أمام كل واحدة فرصة لتقديم اقتراحات، ونقوم بتدوين كل ذلك مهما تكن الاقتراحات جامحة أو غير عملية، ثم نضع دوائر حول تلك الأفكار التي تستهوي معظم الموجودين ونعتبرها أهدافاً . ومن المثير للانتباه العدد الكبير من الأفكار التي تصبح حقائق في نهاية الأمر . " 
ويتساءل العديد من أفراد العائلة " كيف نعرف أن ما يبدو مسبقاً كخطة إجازة جيدة لن 
يتحول إلى إخفاق تام ؟ ". والجواب : اختبر الفكرة بشكلٍ مسبق .
    فقد أصبح روبرت دينز، على سبيل المثال، مهتماً بالتراث الشعبي، وقررَّ أنه سيكون من الممتع "الذهاب إلى المواقع"  بدلاً من مجرد القراءة عن الشخصيات والأحداث الممتعة في الكتب؛ ولكنهم لم يكونوا متأكدين مما إذا كان أطفالهم الثلاثة بين 12-15 من عمرهم - يمكن أن يتقبلوا ذلك .
وهكذا قاموا باختبار مسبق للفكرة مستخدمين العطل الأسبوعية الطويلة لاستكشاف مناطق مجاورة معروفة بأبطالها وأحداثها الأسطورية، وقد سُرّوا لما وجدوا أن أطفالهم استغرقوا في تتبع معلومات لا يعرف عنها إلاّ القليل .
وهكذا قاموا معاً بالتخطيط لقضاء إجازة مدتها أسبوعان حول موضوع : "عيد الفولكلور " .
- انغمسْ في اهتمام جديد : يتضمن التخطيط الجيد التطلع إلى المستقبل على أساس طويل الأمد والاستفادة من الفرص غير المتوقعة . فكر مثلاً في تقليد ما فعله الدكتور موريس سلتزر من بنسلفانيا . ففي أحد الأيام وبينما كان يركب دراجته في موقع مهجور لاستخراج الفحم الحجري توقف وكسر قطعة من بقايا حجر كلسي ويروي ما حدث قائلاً: "لقد شاهدت بدهشة كبيرة مستحاثة من نبات السرخس ظلّت مدفونة في الطين مدة /300/ مليون سنة، وكانت كل تفاصيلها مطبوعة بصبغ أصفر" .
وقد حفزت لحظة حب الاستطلاع العارضة تلك اهتمام الدكتور سلتزر وهكذا بدأ يقرأ الكتب عن الخامات المعدنية وعلوم التربة، واجتذب ذلك زوجته أيضاً، وبدأا معاً يخططان لرحلات في إجازتهما يستطيعان فيها أن يجدا تشكيلات جيولوجية، وعلى مرِّ السنين امتدت جولاتهما من ووترغاب في ديلاوير ودلتا نهر الميسوري إلى جبال روكي الأمريكية والكندية .
يمكن أن يهيئ التاريخ نقطة مركزية مفيدة لإجازة دائمة الاهتمام، فقد علم تكسانز 
ماريون وفرانك دافدسون أن دائرة الطرق في الولاية قد خططت واختبرت عشرة "طرق سفر" قديمة من الحدود إلى الحدود، وبعدها قام آل دافدسون مع ولديهما -/12 و 10/سنوات - برحلة إجازة على طول "طريق الاستقلال"، وزاروا أماكن مثل، ميدان معركة سان جاسينتو، وممر سان لويس (المعروف بطريقه الوعر القديم للعربات)، ومقرّ القرصان جان لافاييت . وتقول ماريون : "لأول مرة أصبح لنا هدف وكل ما رأيناه كان يتعلق به .كانت التجربة مثيرة إلى درجة أنهم يخططون الآن لزيارة كل طرق السفر القديمة الباقية التي ذُكِرَت لهم .
- خططّ لنشاطات إجازة تستطيع تنفيذها طوال العام : لدينا جارة اعتادت أن تشكو بانتظام من أن الأمسيات كانت مملِّة جداً لأن زوجها غالباً مايكون خارج البلدة في عمل. وفي العام الماضي حدث تغيير ملحوظ، فقد أخذت تمارس الرسم الزيتي، وسريعاً ما أخذت ترسم بشكل ناجح إلى حدٍّ مكنها من إشراك لوحاتها في المعارض المحلية .
    وأوضحت قائلة : :بدأ هذا كله نتيجة لإجازتنا الرائعة، فقد سجلنا أنفسنا لدورة فنية في كيب كود، ولم أكن أعرف أبداً أن الفن يمكن أن يكون ممتعاً جداً . وبالطبع لست مضطراً  إلى أن تخزن أمتعتك مع كرات النفتلين بعد أن تنتهي الإجازة ."
    فملايين عديدة من الأمريكيين ينتمون إلى جمعيات تمنحهم ارتباطاً مشتركاً مع الغرباء. وهكذا يمكن أن تخدم كأساس للتخطيط لإجازة مجزية .
على سبيل المثال، سمعت عن جمعية مطيري الطائرات الورقية العالمية التي يتجاوز أعضاؤها حواجز اللغة من خلال تبادل الزيارات، وعن هواة الأجراس الذين يبحثون عن أجراس قديمة وجديدة في كل مكان في العالم تقريباً، إضافة إلى محليين يقبلون بالعمل كأدلاء ومضيفين، وكذلك هواة السيارات، أو الطائرات القديمة الذين يرحبون ببعضهم مثل الأخوة . 
- فَكرّ بالإجازات التي يمكن أن تساعد على تشكيل المهن : فقد اعتاد أحد المعلمين الذين قابلتهم أن يكرّس جزءاً من إجازته بانتظام من أجل مساعدة أبنائه الثلاثة وابنته الوحيدة على البحث عن إمكانات إيجاد عمل .
وفي إحدى المرات كرسوا أسبوعين في صيف أحد الأعوام لإجراء مسح واسع لوسائل النقل (وهو مجال كان قد عبَّرَ ابنه عن اهتمامه به)، ومحطات السكة الحديد والمطارات ومكاتب الشحن البحري؛ وفي مناسبة أخرى ذهبوا إلى إلقاء نظرة قريبة على الحياة في الحكومة والسياسة .
وقد دُهشتُ عندما علمت كم من الناس أصبحوا مستغرقين بعمق في اهتمامات جديدة أثناء الإجازات إلى درجة أنهم غيروا مهنهم بالفعل، فجيري وود من مدينة أنابوليس في ولاية ميريلاند، والذي كان مديراً في حقل صناعة اللعب، كان يريد دائماً أن يجرب نفسه في مجال الإبحار، فاشترى أخيراً قارباً قديماً وبدأ بإصلاحه. وعندما سأله رجل على الشاطئ: أين بإمكانه أن يستأجر قارباً لمدة يوم؟. عرض عليه جيري قاربه . وكانت تلك بداية خدمة إيجار جزئية مكنت آل وود في نهاية الأمر من امتلاك أسطول صغير .
وقال لي جيري : "مع تنامي عمل التأجير بدأت أُعطي دروساً في الإيجار، كان معظمها نوعاً من الدفاع عن النفس من أجل حماية قواربي من سوء الاستعمال ."
ويخصص جيري الجزء الرئيسي من وقته للزوارق، وقد ابتدع "إجازات إبحار، وعطل أسبوعية للابحار" مكنّتُ المبتدئين من أن يتعلموا ويستمتعوا في نفس الوقت .
- استخدم الإجازات لمعاونة الآخرين : تقضي أرملة عاملة في إحدى ضواحي  نيويورك نصف وقت إجازتها في أخذ أطفال المدينة الفقراء إلى المعارض والمزارع والأماكن الأخرى والمناسبات التي ما كانت لتذهب إليها بمفردها، وتقول : "هذا يخرجني من قوقعتي، ويبقيني نشيطة وغير متوترة الأعصاب - بدلاً من الجلوس في شرفتي، وأنا أُجهد عقلي لكي أعيش من جديد المتعة التي كنت أعيشها قبل أن يتوفى زوجي، وتنتقل بناتي من منزلي ".
إن للإجازة الخلاقة فوائد عديدة مهما كان النوع الذي يلائم حاجات المرء بشكل أفضل . إنها تنفثُ شيئاً في الحياة يصبح مصدراً مستمراً للمتعة، وحتى للإلهام بعد زمن طويل من انتهاء الإجازة . وكما كان المؤلف والمربي سيباستيان دي غرازيا ، الذي أجرى دراسة شاملة للإنسان ووقت فراغه، قد كتب : "إن العمل يمكن أن يجعل  إنساناً ما منحني الكتفين أو غنياً، ويمكن حتى أن يسمو به . إلاّ أن وقت الفراغ يمنحه الكمال. وفي هذا يكمُن مستقبله ".





* * *
 
كيف تستفيد أكثر من قراءاتك 
بقلم : جون كورد لاجيمان 

لاحظت في مساء أحد الأيام أن ابني كورد البالغ من العمر تسعة عشر عاماً، والذي هو قارئ نهم، كان يواجه متاعب في قراءة إحدى قصص فولكنر لمحببة لدّي، وهي رواية "الصوت والغضب"،  وكنت أعرف السبب تماماً . فالفصل الافتتاحي يصف لعبة غولف من وجهة نظر صبي أبله 000 ومن الصعب تَتَبعه .
وقد تذكرت استراتيجيه كنت قد تعلمتها منذ سنوات خَلَتْ عندما عجزت عن التقدم في الصفحات الافتتاحية من رواية دوستويفسكي "الأخوة كرامازوف". فقلت لكورد "دَع الفصل الأول، وادخل في القصة في مرحلة لاحقة، وبعد ذلك تستطيع أن تعود إلى البداية ."
بعد ذلك لم يكدْ يستطيع أن يترك الكتاب جانباً حتى في أوقات الطعام .
هناك حيل صغيرة أخرى يستطيع القراء المُجَربون أن يستخدموها؛ وغالباً ما يحدث ذلك دون انتباه منهم . فقد راقبت مرة إدوارد باريت، ناشر مجلة "كولومبيا جورناليزم ريفيو"، وهو يستعرض كدسة من الكتب التي وصلته حديثاً، فكان يسحب المجلد، ويتصفح الفهرس وثبت المراجع، ويبحث عن بعض  المقاطع الرئيسية في النص، ثم يرجع إلى الملاحظات الواردة عن المؤلف، وقد قوَّمَ في خمس عشرة دقيقة نحو عشرة كتب بهذه الطريقة، واختار ثلاثة منها لإجراء مزيد من القراءة .
    وقد عَلَّقَ قائلاً : "إن تصفح كتاب أشبه بالتنقيب عن النفط، فبعد أن تعرف الدلائل يكون عدد الآبار الجافة التي تحفرها أقل ."
يعتقد معظم الناس أن الطريقة لقراءة كتاب هي البدء بالصفحة رقم واحد ومتابعة القراءة حتى آخر الكتاب . يوافق وليام جي.بيري، الابن، وهو مدير متقاعد لمكتب المجلس الاستشاري للدراسة في هارفارد، على أن هذه هي الطريقة الوحيدة أحياناً للفهم الحقيقي لمؤلف كبير . غير أنه يقول : "ولكن هذا يستهلك قدراً كبيراً من الوقت والجهد وليست كل الكتب جديرة بذلك . ففي نهاية المطاف يجب على القارئ المشغول أن يسأل : إلى ماذا يهدف مؤلف الكتاب ؟ ثم يتجه إلى غايته بشكلٍ مباشر ".
وغالباً، عندما أباشر عملاً صعباً غير روائي، فإنني أبدأ بالاستنتاجات، فالعلماء يقرؤون الكتب والمقالات التقنية بهذه الطريقة؛ فهم يبدؤون بشكل ثابت تقريباً بالملخص الموجود في النهاية، ثم يعودون لمراجعة النتائج الأساسية .
هناك أوقات لا تستطيع معها الاستمرار بغض النظر عن الطريقة التي تبدأ بها . وقد اعتاد زميلي أستاذ الفلسفة، جيمس بيسيت برات، أن ينصحنا : "لا تحاول أن تقتحم الكتاب اقتحاماً، وعندما تحاول أن تقرأ ولاتنجح، ضَعّ الكتاب جانباً لبعض الوقت ثم عُدّ إليه، وفي النهاية سوف يُذعِن لك."
ويوصي يوجين إهرليتش، المسؤول عن تحسين القراءة في كلية الدراسات العامة في جامعة كولومبيا بالحصول على عدة كتب حول نفس الموضوع، وبالانتقال من كتاب إلى آخر . ويقول : إن ثلاثة أو أربعة نصوص صعبة أسهل من نص واحد، وذلك لأن أحد الكتب يفسر الآخر ."
من السهل التقليل من قيمة قدرتنا على قراءة الكتب الجيدة، ومن الخطأ الشائع حسب قول جوزيف وود كروتش، كاتب المقال والناقد الافتراض بأن الكتب التافهة أو السخيفة أو الرديئة هي "الممتعة" للقارئ، ويقول : "ليس هناك أصعب من قِراءةِ ما لا يستحقُ القراءة . وكون الشيء متوسط الجودة لا يعني أبداً أنه مسلٍ، وليس هناك أثقل في اليد من الكتاب الخفيف جداً ." وحالما يتمُ اكتساب عادة القراءة؛ من المدهش أن تلاحظ كم تصبح القراءة الجدية ممتعة .
وفي يد القارئ المتمرس يشكل قلم الرصاص مسبراً يستخرج المعاني من الكتاب . فمرةً قال لي الدكتور الراحل جون سي.ثيرلوول، الاستاذ السابق للغة الإنكليزية في كلية نيويورك سيتي، "إنني أضع خطاً تحت المقاطع الرئيسية، وأُرقمها على الهامش، وأُفهرسها حسب الموضوعات على الورقة البيضاء في أول الكتاب أو آخره؛ وكلما احتجت إلى استشهاد أو فكرة حول ما قاله مؤلف ما عن الحب أو الموت أو الضرائب يدلّني فهرسي على رقم الصفحة، وبمساعدة الخطوط التي وضعتها أستطيع العودة إلى كتاب لم أقرأه لسنوات بسرعة، واستوعب ما فيه ثانية . وإذا كان الكتاب الذي أقرؤه لا يخصني أسجل أرقام الصفحات التي تضم المقاطع الرئيسية على قطعة من الورق ."
إن تلخيص الكتاب فصلاً فصلاً طريقة فعالة جداً لفهم ما يقرؤه المرء واستذكاره . ولدى فارنسوورث فاول، الذي كان من كُتّاب النيويورك تايمز فيما مضى وسيلة يستخدمها لبلورة زبدة مايقرؤه؛ فهو يتظاهر بأنه يبرق الملخص إلى مكتبه بقيمة دولار للكلمة .
ولكن ألا يؤدي وضع خطوط لتعليم مقاطع في الكتب إلى تباطُؤ  قراءة المرء ؟
يقول الدكتور مورتيمر ج.آدلر، أحد أوسع استشاريينا معرفة بشؤون القراءة، "هذا أحد الأسباب للقيام بذلك، فمعظمنا خضعنا لسيطرة فكرة خاطئة "هي أن سرعة القراءة مقياس لذكائنا"،  فبعض الكتب يجب أن تُقرأ بسرعة، وأخرى ببطء، بل حتى بجهد . إن الذكاء في القراءة هو القدرة على أن تقرأ الأشياء المختلفة بطرق مختلفة حسب قيمتها، ففي الكتب الجيدة ليس المهم أن ترى مقدار ما تستطيع أن تنجزه، بل بالأحرى ما مقدار ما يستطيع أن ينفذ إلى ذهنك ."
ففي بحر لا حدَّ له من الكتب كما هو واضح، من السهل أن تفقد الاتجاه، وأن تتساءل إن كان المرء يحقق أي شيء بالفعل، لقد حلَّ ستوارت تشيس، هذه المشكلة  بعمل قائمة عن "بعض الأمور الجديرة بالمعرفة" - وهو عنوان كتاب كتبه في نهاية المطاف عن نتائج رحلاته الاستكشافية، وقد سأل نفسه ببساطة: "ما الذي أريد أن أعرف المزيد عنه ؟" وقد بدأ بالكون ثم انحدر إلى الأرض مروراً بالنظام الشمسي، وتتبع أحداثاً من بداية الحياة حتى ظهور الإنسان، ثم خاض في أنشطة الإنسان المختلفة من خلال قراءة الاقتصاد والفلسفة والانثروبولوجيا (علم أصل الانسان) والدين . إنه نظام واسع - ولكنه من النوع الذي يمكن أن يؤدي إلى إنجاز كبير .
    كان قائد الفرقة السمفونية غاي هاريسون، يكتب مذكرات عن قراءاته لسنوات عديدة . وقد قال لي : "إنني أدون عنوان ومؤلف كل كتاب أقرؤه، إضافة إلى سطر، وأحياناً فقرة، يلخصه انطباعي عنه . وأفكر فيما سأقوله، وأنا أقرأ، وهذا يساعدني على الوصول إلى هدف الكتاب، وتدوينه يثبته في ذهني . وعندما ألقي نظرة على ملاحظاتي فيما بعد أجد حتى أكثر الفقرات اختصاراً تعيد إليّ قدراً كبيراً من روح وجوهر الكتب التي أكون نسيتها كلية ."
إن القراءة تعزز مسرات الحياة الأخرى . فمؤخراً عندما اشتريت ألبوم لتسجيلات سوناتات بتهوفن، اخترت أيضاً كتاباً عن رسائل بتهوفن، واستمتعت بالموسيقى أكثر لأن الكتاب جعل الملحق حقيقياً .
هذا وأنا أعتمد كجنائني هاوٍ على الكتب بشكل كبير لمعرفة المزيد . والآن ربما كنت أقرأ حول الموضوع بقدر يساوي تماماً ما أقوم به من حفر وزراعة وتعشيب .
يقوم أحد أصدقائنا لعدة أشهر قبل أن يأخذ أسرته من إحدى رحلاتهم الصيفية  إلى كندا أو المكسيك أو انكلترا أو فرنسا أو اليونان - بإحضار كتب إلى البيت عن المنطقة التي يوشكون أن يزوروها، ويعقد ندوات في غرفة الجلوس، وعندما يقفون في نهاية الأمر على قمة مرتفعات تشابولتبيك القديمة،  أو يشاهدون تبديل الحرس في قصر بكنغهام، فإن متعة العائلة تكون مضاعفة بسبب الاستعراض الخيالي المسبق للموضوع .
إن للكتب طريقة في تقريب الناس من بعضهم، فقد أبلغني صديق عن تجربة حديثة له عندما كان يقرأ كتاب جيمس آجي، "وفاة في الأسرة"، في عربة الطعام في القطار المتجه إلى شيكاغو . "قرأت دون توقف، ولم أكد أتذوق الطعام ناسياً كل شيء. وعندما بلغت منتصف الكتاب شعرت بالدموع تنحدر على وجنتي،  وكنت أمسحها آملاً ألا يكون أحد قد لاحظ؛  عندما قال الغريب الجالس قبالتي بهدوء "لقد حدث نفس الشيء معي عندما قرأته "، فشعرت وكأنني أعرفه طوال حياتي، وقد أمضينا أمسية ممتعة معاً وأصبحنا أصدقاء منذ ذلك الحين ."
ولكن قد تقول : "لدي وقت قليل جداً للقراءة" . في أحد الشتاءات وبينما كنت أساعد ابني جاي البالغ من العمر /17/ سنة على تفريغ أمتعته بعد رحلة تزلج،  أخرجت لفيفة مبللة من الورق من إحدى فردتي حذائه، ووجدت أنها الصفحات المائة الأولى من إلياذة فيرجيل، أما الفردة الأخرى فأخرجت منها جزءاً من ديوان "غولدن تراجدي" لبالغريف.
وقد أوضح جاي ذلك بقوله : "إن الصعود في المصعد الجبلي ست مرات في اليوم كان يتيح لي ثلاث ساعات من القراءة، ولم يكن للكتب مكان في معطفي ولذا انتزعت منها ما كنت أحتاجه ."
لقد كان هذا التصرف قاسياً قليلاً على الكتب بالطبع، ولكنها كانت من نوع الغلاف الورقي المعرضة للاستهلاك . وقد سررت بأن جاي قد تعلم وسيلة القراءة أثناء التنقل .
لقد كانت زوجتي معروفة بأنها تتذمر من ركام الكتب في منزلنا . وللاعتراف بالحقيقة كانت الكتب مبعثرة في كل مكان  على طاولات القهوة والطاولات المجاورة للأسرّة وعلى عتبات النوافذ، وحتى في الحمام والمطبخ (هي المسؤولة عما في المطبخ) . ولكنني أظن بأن توفرها قد يكون له علاقة بتطوير عادة ابننا في القراءة حيثما وجد نفسه.
لقد ذكر أحد زوار البيت الأبيض أن الرئيس كندي كان كثيراً ما يستغرق في مجلة في اللحظات القليلة التي يحتاجها أحد الزائرين للخروج والآخر للدخول . وقد قال الرئيس كندي : "لقد حصل روزفلت على معظم أفكاره من التحدث مع الناس، وأنا أحصل على معظم أفكاري من القراءة ."
وبذا ربما كان أفضل اقتراح على الإطلاق من أجل القراءة بشكل أفضل والحصول على قدرٍ أكبر من هذه القراءة  "هو الإقتراح البسيط التالي" :
لا تُضِعْ أي فرصة أبداً 




* * *
 
كيف تستفيد أكثر من العطلة الأسبوعية
بقلم : فاريل كروس 

تُفزِعْ سكرتيرة جذابة الجمهور وهي تمارس ألعاباً بهلوانية خطيرة على جناحي طائرة ذات جناح مزدوج، وهي تندفع بسرعة في الجو؛ كما يخوض وكيل شركة تأمين على الحياة لمدة ساعات مع ولديه في الجداول الشديدة البرودة، وهو يغسل التربة والحصا بحثاً عن الذهب، كما يقوم جراح بتجبير وتقليم الأشجار لجيرانه، وتقوم مؤلفة بإرشاد الغرباء في رحلات موجهة إلى المعالم البارزة في مدينتها .
فما الشيء المشترك بين كل هؤلاء الناس ؟.
الجواب هو أنهم جميعاً جزءٌ من الفئة المتزايدة ممن يقضون عطل نهاية الأسبوع بذكاء، ويتعاملون مع فترة راحتهم الأسبوعية من العمل الروتيني، والتي تمتد يومين أو ثلاثة بإبداع وإدراك وبجرأة في بعض الحالات . ففي كل عطلة أسبوعية يرفع هؤلاء الناس أنفسهم من عالم العمل اليومي إلى عالم مختلف جداً إلى درجة أن قضاء يومين أو ثلاثة أيام تعيد لهم النشاط مقدار ما يعيده شهر كامل من الكسل المعتاد في العطلات .
تقدم "خصوصيات العطلة الأسبوعية" الآن من قبل عدد متزايد من الزملاء وهي تبحث كل شيء تقريباً، "من الفن والتصوير إلى الجيولوجيا وعلم النفس والدين واللغتين الصينية والهندية". وفي خلال هذه العملية لايعمل الزملاء على زيادة دخلهم من خلال الحصول على فوائد إضافية من إمكاناتهم فقط، بل يهيئون عطلات أسبوعية مثيرة غير أنها مريحة بدلاً من ساعات المساء المعتادة وأجواء الملل المألوفة .
وتقول الكاتبة جانيت غراهام، التي تحول أسرتها أحياناً إلى إثاريين في عطل نهاية الأسبوع، "إن العطل الأسبوعية إجازات مصغرة، فالموظف العادي لديه من العطل الأسبوعية ما يعادل زمنه خمس مرات من زمن إجازته كلها في كل عام ".
وإذا ما جُمِعَت معاً فهي تشكل /104/ أيام على الأقل ، هذا عدا عطل الدولة الرسمية تهيئ العطل الأسبوعية مزايا محددة أكثر من الإجازات الكاملة، فتكاليف قضائها لا تسبب خسارة كبيرة في الميزانية وتخطيطها أبسط .

 كما أنه من الأسهل ترك الأطفال عند الأقارب لمدة بضعة أيام فقط من تركهم لعدة أسابيع . لكن أهم ميزة هي التنوع : فأنت تستطيع أن تقوم باثنين وخمسين شيئاً مختلفاً في العطل الأسبوعية في عام واحد .
    إن الزيادة في عدد عطل نهاية الأسبوع المكونة من ثلاثة وحتى أربعة أيام قد جعل العطلة الاسبوعية أكثر أهمية من أي وقت مضى . فالعديد من أرباب العمل يمنحون الآن يوم الجمعة أو الاثنين كإجازة عندما تأتي عطلة قومية يوم الخميس أو يوم الثلاثاء . فلماذا لا نستخدم وقت الفراغ الإضافي هذا بشكل خلاق ؟ .
يقول الدكتور هاري جونسون، رئيس معهد إطالة العمر : "قطعاً من الأفضل للشخص أن يحصل على عطل قصيرة من روتين العمل من أن يحصل على إجازة طويلة مستمرة، فالتغيير هو العامل المهم . فالناس يحتاجون إلى الاستمتاع بأنشطة تكون منعشة ومختلفة، وينبغي أن يحصلوا على أكبر قدر ممكن من النشاط البدني، ولكن بشكل معقول." ويدعم هذه الفكرة العمل الواقعي لطبيب من الساحل الغربي، حيث يقول : "إننا غالباً ما نَصفْ القيام بعطلة أسبوعية طويلة كعلاج طبي،  إن ذلك يعطي الناس فرصة لإعادة شحن مدخرات الطاقة لديهم ."
والمثال البارز عن النشاط البدني في عطلة نهاية الأسبوع يقدمه طبيب يعيش بالقرب من الحدود بين كاليفورنيا ونيفادا . فهو يمارس دور نجم الروديو في العطل الاسبوعية، حيث يمارس ركوب الخيل ورمي الحبل في عدة مناسبات كل عام .
ومع أن القليل من الناس سيعتبرون هذا كهواية "مريحة" ، فإنه يجد أن هذه الرياضة تريحه من التوترات وتعيده إلى واجباته في المستشفى بتطلعات جديدة .
ويشعر طبيب آخر بالانتعاش والراحة بعد تقطيع الأشجار ونشر الجذوع حتى أنه قرر ألاّ يتوقف عن ذلك عندما ينتهي الخشب من قطعة أرضه الصغيرة، فبدأ يقطع الأشجار لجيرانه بشرط أن يستطيع بالمقابل الاحتفاظ بالقدر الذي يريده من الجذوع ليستخدمه في موقده . ومع تطور مهاراته في التحطيب تعلم أيضاً كيف يقلم ويدعم الأغصان، وحتى كيف يُطَعِمُها . ويقول : "إنني استمتع بذلك جداً إلى درجة إنني يراودني إغراء في أن أتقاعد بسن /55/ سنة وأَمتَهن التحطيب كمهنة . ولكن سيكون علي عندها، أن أجد شيئاً آخر لأقوم به في العطل الأسبوعية ".
إن أسرتي، مثل العديد من الأُسَر، اعتادت أن تتطلع بشوق إلى العطل الأسبوعية فقط من أجل النوم إلى وقت متأخر، ومتابعة الأعمال الروتينية ليومي السبت والأحد ثم الوصول إلى مساء الأحد منهكين من عدم القيام بأي شيء ذي معنى عملياً؛ وبعدها تعلمنا أن العطل الأسبوعية يمكن أن تصبح إجازات حقيقية إذا ما خُططتْ ونُظمت مسبقاً قبل أسابيع أو أشهر .
ووجدنا أن أفضل وسيلة هي التخطيط السنوي، فهو يُمَكّنْ المرء من أن يحجز قبل وقت كاف من العطل الأسبوعية التي تمتد إلى ثلاثة أو أربعة أيام، ويساعد على ضمان وضع برنامج متوازن يشمل التسلية والتعليم والنشاط البدني والقيم الهامة الأخرى الموزعة توزيعاً جيداً على كل أفراد الأسرة؛ كما أن مثل هذا التخطيط يزيد المرونة إذ حين تستطيع أن تضع برامج بديلة تُعَّد بشكل يسمح باستخدامها إذا ما أُلغي طقس سيئ رحلة ميدانية، على سبيل المثال، إذ يكون لديك عندها بديل جاهز يمكن القيام به داخل المنزل.
وينبغي أن تكون النقطة المركزية تقويم خاص و"مكتبة تتعلق بقضاء أوقات الفراغ ما أمكن . ابدأ بجمع الكتب ومقالات المجلات المتعلقة بالرحلات في العطل الاسبوعية وبرحلات الإجازات القصيرة، وبمواعيد وسائط النقل والخرائط والبطاقات التذكارية من الأصدقاء، وغير ذلك من المعلومات .
واطلب من وكلاء السفر والأندية والجامعات وإدارات الأماكن التاريخية الحكومية ومجلات الطبيعة والمتاحف أن يضعوك على قائمة مراسلاتهم، ورتب مواعيد زيارات إلى أماكن شعبية أو مشهورة على أساس أن يتم ذلك بعيداً عن موسم الذروة فيها، وذلك لكي تتجنب الازدحام وأسعار الذروة  .
لقد طور آل كورتيس بانكروفتس من كليفلاند في ولاية أوهايو توجهاً خاصاً خلاقاً وفريداً من نوعه  يتعلق بالإعداد لعطل الإسبوع، فهم يملكون منزلاً عائماً يتسع لعشرة أشخاص في الجزء الأعلى من نهر الميسيسبي . وفي عدة عطل أسبوعية في العام يختارون موضوعات لا يعرفون شيئاً عنها على الإطلاق، كعلم الفلك وعلم النبات والأدب اليوناني، ثم يبحثون بمساعدة رابطات الخريجين في الجامعة والجمعيات المهنية عن أساتذة وغيرهم في مجالات تخصصية قد يودون قضاء عطلة أسبوعية نهرية . ويقدم آل بانكروفتس القارب وقيادته بينما يهيء ضيوفهم -في جو غير رسمي مريح- مناقشات فنية في مجالات دراستهم .
ويشير السيد كورتيس إلى هذه الرحلة قائلاً "إنها ندواته البحرية" .
وهناك عازف كمان يقوم في الأيام التي لايكون مرتبطاً فيها بحفلات في نهاية الأسبوع، باصطحاب زوجته وأطفاله الثلاثة برحلة على الزورق.
وبدأ ذلك كله عندما سأل الابن الأكبر أباه عن موقع منبع الجدول القريب منهم، فاقترح الأب ، الذي لم يكن يعرف الموقع ولكنه متشوق لذلك، أن يقضوا يوم السبت في البحث عنه . وهكذا ساروا جميعاً باتجاه منبع الجدول ووجدوا أن الماء يخرج من غدير تحت أرضي غامض بالقرب من تلة صخرية .
    وقد أدت هذه التجربة إلى عمليات استكشاف أخرى، وسرعان ما بدؤوا يرسمون خرائط أولية عن مكتشفاتهم؛ وعندما لم يستطيعوا أن يجدوا أسماء للمعالم الجغرافية كانوا يخترعون أسماء خاصة بهم مخلدين أولاً أسماءهم هم ثم أسماء جيرانهم وكلبهم . وتقول الزوجة : "لقد جعلنا هذا جميعاً أدق وأكثر ملاحظة، وجعلنا ندرك أن هناك "عجائب" طبيعية عديدة على مسافة قريبة من باحة منزلنا ."
وتقوم أسرة أخرى باستكشاف المناظر المحلية بطريقة مختلفة نوعاً ما؛ حيث يصبح أفرادها صحفيين في عطلة الأسبوع، وحيث يجرون مقابلات مع الناس الذين يمارسون مهناً غير عادية، ويكتبون عن النشاطات الاجتماعية مواد من المكتبات والجمعيات التاريخية والمصادر الأخرى وعن مواضيع ذات أهمية محلية، ويقومون مرة في الأسبوع بنشر رسالة إخبارية محدودة العدد يوزعها أطفالهم على الأصدقاء والجيران . ومن حين إلى آخر يتمتع الأطفال بسعادة إضافية عندما يُعاد طبع إحدى قصصهم في جريدة البلدة.
هذا وتجد عائلات قليلة جداً سحراً وبٌعداً جديداً في الحياة بقضاء أحد أو إثنين في الشهر بحضور الطقوس الكنسية لطوائف غير طائفتهم؛ وهناك عائلتان نعرفهما يستخدمان وقت فراغهما لتتبع شجرتي عائلتيهما، فهم لا يلتفتون بمجرد البحث في السجلات القديمة وكتب السلالات، بل يذهبون لزيارة المواقع التي تلعب دوراً في تاريخ السلالة الكنيسة التي تزوج فيها أحد الأعمام والخالات القدامى، والبحيرة التي كان يجذف فيها عندما عرض الزواج على الجدة، والطرق التي كان يتبعها المستوطنون الأوائل من الأسرة لاصطياد الغزلان .
إن نصف المتعة والسعادة الناجمة عن العطلة الاسبوعية الخلاقة على الأقل، يأتي قبل وبعد العطلة نفسها، أي عند مناقشة الخطط وتسجيل النتائج،  فأحد جيراننا يحتفظ بقائمة تضم كل الأمور الهامة التي قام بها أفراد من عائلة أو يهتمون بالقيام بها، وعندما يبرز السؤال : "ماذا سأفعل في عطلة الأسبوع ؟". من المؤكد أن يجري أحد الأطفال بمرحٍ إلى الدرج الذي تُحفَظ فيه هذه القائمة، ويبدأ يطرح الأفكار بسرعة؛ وسرعان ما يثير هذا مناقشة، وتنتهي الأسرة حتماً بالقيام بشيء ممتع، وغالباً ما يكون نشاطاً حتى غير مذكور في القائمة .
إن العطلة الأسبوعية الخلاقة رَدٌّ على الاحباط الذي يعبر عنه المؤلف ماكس غونثر   في كتابه  "من يقضون عطلة الأسبوع" .
حيث كتب : "إن العطلة الاسبوعية في أمريكا هي لحظة الأمل لها،  فمساء كل يوم جمعه تبدأ عملية تحول قومية، ولكن،  هل يجد من يقضون العطل الأسبوعية ما يسعون إليه ؟ إنهم جميعاً تقريباً يعانون بدلاً من ذلك، وقد أرهقهم التعب، إحساساً بائساً في أعقاب العطلة لشعورهم بأنهم قد فقدوا شيئاً ما" .
فالحياة المليئة الخصبة التي حلموا بها يوم الجمعة الفائت قد فاتتهم مرة أخرى .
إن هذا النوع من الإحباط لا يحتمل أن يصيب الناس الذين يفكرون ويناقشون ويخططون، ثم يبدعون تسليتهم في العطل الأسبوعية  .

* * *
 
مسألة حياة أو موت 
بقلم : أرلين سيلبرمان 

في عام 1980، أنفق الأمريكيون /243.4/ بليون دولار على الرعاية الصحية . كما دخنا /630/ بليون سيجارة تقريباً، وخاطر المدخنون بدقائق من حياتهم مع كل سيجارة . وقد صرفنا الملايين على ما يزيد على /7000/ مستشفى تضم ما يزيد على /1.5/ مليون سرير . وخَّرَجنا /14000/ طبيب جديد . كما شربنا /51/ بليون زجاجة من البيرة و /934/ مليون غالون من الخمر والكحول - ودُفِعَ ثمن ذلك أرواحاً بشرية مرة أخرى .
فثلثا جميع جرائم القتل والغرق، وثلث عمليات الانتحار تقريباً تتضمن سوء استعمال الكحول؛ مثلما هو الحال بالنسبة لنصف كل وفيات الحرائق وحوادث السيارات القاتلة تقريباً .
باختصار، لقد اخترنا أسلوب حياة يُضَحِّي بالصحة، ومع ذلك فنحن نحاول بعدئذٍ أن ندفع ثمن استعادة الصحة .ولسوء الحظ، ليست الصحة جاهزة للبيع دائماً كما نكتشف باستمرار .
إن أطباء اليوم يقومون بأعمال بارزة بالطبع، غير أن فيكتور ر.فوشز كتب، بصفته خبيراً في الاقتصاد الطبي، في مجلة "من سيعيش ؟" : "في الوقت الحاضر  هناك القليل مما تستطيع الرعاية الطبية أن تقدمه لرئة تضخمت إلى حَدٍّ كبير بسبب الدخان، أو لكبد أصيبت بندوب بسبب الكحول ".
إن سجلنا الصحي القومي على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية يؤيد كلامه. فحالات الوفاة الناجمة عن سرطان الرئة تضاعفت أكثر من ثلاث مرات، وُعزى ما يزيد على 75% منها إلى التدخين؛ وبقيت الوفيات التي ترجع إلى الكحول على معدلها الثابت على مدى العشرين سنة الأخيرة . إننا ننفق على العناية الطبية الآن أكثر باثني عشرة مرة مما كنا نفعل عام 1956، ولكن حتى لو ضاعفنا المبلغ الحالي ثلاث مرات فلا يكاد يتأثر هذان القاتلان بذلك .
كما أن المزيد من النقود لن تساعد، المستشفيات والأطباء الذين يتعاملون مع أجسام شوهها حطام السيارات أيضاً؛ فحوادث السيارات هي القاتل الرئيسي للناس بين سن /5/ و/35/ سنة . وفي الحقيقة فإن استهتارنا بالقيادة على المستوى القومي مسؤول سنوياً عن حوادث وفيات أكثر من أسوأ سنوات أوبئة شلل الأطفال .
فما هو الرد على ذلك ؟. من الواضح أننا في حاجة إلى أن نلقي نظرة صارمة على ما نستطيع أن نتوقع بشكل معقول من أطبائنا أن يفعلوه من أجلنا، وعلى ماذا يجب أن نفعله من أجل أنفسنا .
إن جداول الأعمار المتوقعة تجعل من الواضح بشكل صارخ أن الأطباء وحدهم لا يستطيعون أن يقرروا  مدة حياتنا، فلو كانوا يستطيعون لكانت ولاية نيويورك التي تحظى ب /265/ طبيباً لكل /100000/ شخص ، أكثر الولايات صحة في البلاد، وليس الرقم /31/ بدءاً من الأعلى .
ومن ناحية أخرى فإن ولاية داكوتا الجنوبية التي لديها /106/ أطباء لكل /100000/ شخص ينبغي أن يكون ترتيبها الخمسين من حيث طول العمر المتوقع، وبدلاً من ذلك فإن ترتيبها هو الحادي عشر.
والولايات التي يستطيع السكان فيها أن يتوقعوا حياة أطول بما في ذلك هاواي وإيوا وكانساس ومينيسوتا ونبراسكا وداكوتا الشمالية ويوتا بينها شيء مشترك : أسلوب حياة هادئ وزراعي بشكل عام . إن الحنين إلى أمريكا الماضي الزراعية لا يمكن بالطبع أن يغير مناطق المدن والعواصم الكبرى إلى بلدات أمريكية صغيرة. لقد عملت التجارة والصناعة على قولبتنا في معظم الحالات على شكل أمة من سكان المدن والضواحي، وعلينا أن نجد طريقة للعيش والعمل هناك من دون أن نقتل أنفسنا، وهذا ليس سهلاً دائماً .على سبيل المثال، لا يستطيع الشخص مهما كان مقدار المسؤولية الفردية التي يكون على استعداد لممارستها، أن يمنع بمفرده الأخطار الصحية البيئية . فلا أحد يختار الهواء الملوث والماء الملوث، ومع ذلك غالباً ما نضطر إلى التعايش معهما، إضافة إلى أخطار بيئية أخرى، وهكذا فإن السؤال القائل "ماذا بوسعي أن أفعل؟ إنني مجرد شخص واحد".  هو سؤال مشروع .
ومع ذلك فقد وجدت، وفي أحداث معينة إجابات ناجحة بشكل مذهل . فمن أجل الحفاظ على البنزين خلال أزمة الطاقة في عام 1973، على سبيل المثال، خُفِّضَت حدود السرعة بحكم القانون .
وقد وفرنا البنزين، كما كان الهدف، كما أنقذنا أرواحاً كذلك أكثر من /9000/ روح، حيث انخفضت وفيات حوادث السير من رقم قُدر ب/54600/ شخص في عام 1973 إلى /45500/ شخص في عام 1975، وهو انخفاض بمعدل 17% . وما كان باستطاعة أقدر الأطباء، وأفضل المراكز الطبية تجهيزاً أن يفعلوا، وحتى بكلفة باهظة ما فعلناه "نحن الناس"، وواضعوا القوانين من بيننا دون أي كلفة .
فماذا يمكن أن يحدث لو أننا قُدنا آلتنا البشرية بحرص أكبر ؟.
إن ولايتي يوتا ونيفادا اللتين أشار إليهما فيكتور فوشز في كتابه "من سيعيش؟" يوحيان بإجابة واعدة . فالولايتان تشتركان في مناخ متماثل وبنفس الدرجة من التحضير تقريباً، وبمستويات دخول متماثلة تقريباً، ولكن التماثل ينتهي عند هذا الحد . فالحياة المتوقعة هي /72.90/ سنة في يوتا، وهي الثالثة من الأعلى ، بينما هي /69.03/ سنة في نيفادا، وترتيبها السادس من الأسفل . فلماذا ؟.
لقد وجد فوشز زيادة مروعة في الوفيات في نيفادا بسبب تشمع الكبد وسرطان الرئة. وهذه دلائل على الإفراط في الشراب والتدخين - وذلك بالمقارنة مع يوتا. ولاحظ أن العدد الكبير من سكان يوتا من أتباع طائفة المورمون الدينية مُحَظَّر عليهم شرب الكحول والشاي والقهوة وأنواع الصودا التي تحتوي الكافئين بأمر من الكنيسةالمورمونية. كما أنهم لا يدخنون أي نوع من التبغ . وبما أن المورمونيين ينظرون إلى الجسد على أنه معبد الإله، فاللياقة البدنية مأمور بها، فلا تجد الكثيرين من السمان بين المورمونيين .
بالطبع لست مضطراً أن تكون مورمونياً لكي تعيش حياة صحية طويلة، كما يبرهن لنا سكان هاواي ومينيسوتا بوضوح . (غير أن الحياة الصحية يمكن أن تكون حلماً صعباً بالنسبة لملايين الأمريكيين. فليست هناك دولة تنفق على الصحة أكثر من الولايات المتحدة، ومع ذلك فإن الكثير من فقرائنا ما يزالون يفتقرون إلى الرعاية الطبية الكافية) .
ولكن إذا كان طول العمر هو حالة بمقدور الغالبية العظمى من الأمريكيين أن يختاروها؛ يصبح السؤال: ما هي أفضل طريقة للقيام بذلك؟ لقد أنفق المختبر البشري التابع لدائرة الصحة في ولاية كاليفورنيا، ومقره في بيركلي، أكثر من /15/ سنة في دراسة الأنماط الحياتية والنتائج الصحية لها بالنسبة ل/7000/ شخص من البالغين في مقاطعة ألاميدا؛ وخلال الدراسة تم تمييز سبع عادات صحية تهيئ أساساً لجواب، على الأقل . فعلى سبيل المثال، وجد المختبر أن رجلاً عمره /45/ سنة يمارس ستاً من هذه العادات،  يمكن أن يتوقع أن يعيش /11/ عاماً أطول من رجل من نفس السن يراعي أقل من ثلاث منها، وكان الفرق /78/ سنة إلى /67/ سنة؛ والأكثر إثارة حتى من ذلك هو أن رجلاً عمره /55/ إلى /64/ سنة قام بمراعاة العادات السبع كلها سيكون بنفس الحالة البدنية كرجل عمره من /25/ إلى /34/ سنة ولم يراع أياً منها أو راعى اثنتين فقط. وليس هناك أكسير سحري في كل هذا، وليست هناك وصفة عجيبة . هذه العادات السبع فقط  :
1- الوجبات في أوقات منتظمة، ودون تناول وجبات بينية خفيفة .
2- الإفطار بانتظام .
3- تمرين معتدل إلى سريع مرتين أو ثلاث مرات أسبوعياً .
4- نوم كاف - سبع أو ثماني ساعات ليلياً .
5- الامتناع عن التدخين .
6- وزن معتدل .
7- تناول الكحول باعتدال، هذا إذا جرى تناوله أصلاً .
لاشك بأن الأمريكيين، باعتبارهم الأكثر حرية واستقلالية في العالم سوف يستمرون بالعيش كما يهوون، ولكن حان الوقت لكي يتحمل كل منا ثمن كل خيار يقوم به. فكم ساعة من حياتك أنت على استعداد أن تتنازل عنها مقابل العلبة التالية من السجائر؟ وكم مطلع شمس ستتخلى عنه بسبب غاراتك الليلية على البراد ؟ فكرْ بصوت ضحك الأطفال وبدفء الشمس يداعب وجهك وبمتعة اللقاءات العائلية : وبَعدَها قُمْ بالاختيار.


* * *







التأمين ضِدَّ أَخطائك !
بقلم : الدكتور كيث ريمتسما
رئيس دائرة الجراحة في كلية الأطباء والجراحين في جامعة كولومبيا

في الولايات المتحدة اليوم أصبحت الصحة إلى حَدٍّ كبير، وبخاصة بعد أن أصبحت الأمراض المعدية تحت السيطرة، مسألة خيار شخصي . ولكن كيف تُقْنِعْ /227/ مليون أمريكي بالعناية بأنفسهم بشكل أفضل ؟ .
قد يكون التعليم هو الجواب في عالم مثالي؛ غير أنه في عالمنا الواقعي حيث مخاطر التدخين والإفراط في الشراب أصبحت معروفة منذ سنين . هناك أدلة ضئيلة على أن التعليم كان له تأثير ملحوظ على العادات الصحية . والتوجه الأكثر عقلانية هو نظام الثواب والعقاب المبني على الخيار الفردي . وبموجب هذا المفهوم-ولنسمه التأمين ضد "أخطائك"- سوف يكافأ الأشخاص الذين يختارون أن يدخنوا ويشربوا الويسكي ويسوقوا السيارات بسرعة زائدة ويحوزون أسلحة نارية ضرائب لتغطي العواقب الطبية لهذه الخيارات، وتضاعف ضرائب الرعاية الصحية على ثمن منتجات التبغ والكحول والسيارات ذات المحركات القوية والأسلحة النارية، كما تُفرَض ضرائب من أجل العواقب الطبية للتلوث على الصناعات التي تنتج ملوثات .
لدينا سؤال أساسي هنا : ما هي النفقات الطبية التي ينبغي أن يتحملها المجتمع ككل ، وأيها ينبغي أن يدفعها أولئك الذين اختاروا أن يعرضوا أنفسهم والآخرين للخطر ؟.من الواضح أن تكاليف المشكلات الطبية التي ليس للفرد سيطرة عليها - الحفاظ على نظافة المياه أو التلقيح أو معالجة الأمراض ذات الأسباب المجهولة - ينبغي أن نتحملها كلنا .
ولكن بعد تحديد المخاطر الصحية ، وإذا اختار بعض الأفراد والصناعات أن يتجاهلوا تحذيرات المجتمع ، يبدو من المنطقي أن نطلب من أولئك الأفراد والصناعات، وليس من المجتمع ككل، أن يدفعوا كلفة العواقب الطبية لخياراتهم .
 








الجزء الثالث
نَظّمْ نفسك

الفصل السادس 
السيطرة على الذات
 
إستراتيجية العيش اليومي
بقلم :آري كييف (طبيب) 

في ممارستي كطبيب نفسي وجدت أن مساعدة الناس على تطوير أهداف شخصية قد أثبتت أنها أكثر الطرق فعالية لمعاونتهم على مواجهة المشكلات . ومن خلال مراقبة حياة الناس الذين تغلبوا على المحن لاحظت بأنهم قد حددوا أهدافاً وسعوا بكل جهودهم لتحقيقها؛ ومن اللحظة التي قرروا فيها أن يُرَكزوا كل طاقاتهم على هدف محدد بدؤوا يتغلبون على أصعب العقبات .
كتب المؤلف البريطاني إدوارد جي.بولور-ليتون: "الرجل الذي يتفوق على أقرانه هو الشخص الذي يرى في فترة مبكرة من حياته هدفه بوضوح، ويوجه قواه نحو ذلك الهدف بشكل اعتيادي؛ وحتى العبقرية نفسها ليست إلا ملاحظة دقيقة يقويها ثبات الهدف . فكل من يراقب بحرص ويقرر بحزم يتحول إلى عبقري بشكل غير مقصود ".
إن تحديد الهدف هو المفتاح إلى الحياة الناجحة . وأهم خطوة نحو تحقيق هدف ما هي تحديده   أولاً 0 إنني على ثقة بأن لديك ثلاثين دقيقة في اليوم على الأقل تستطيع فيها أن تُدون أفكارك حول الأهداف الممكنة .  فخصص مثل هذه الفترة كل يوم ولمدة شهر . وفي نهاية ذلك الوقت، اختر من الأهداف الممكنة التي دونتها الهدف الذي يبدو من أكثرها أهمية، وسجله بشكل منفصل على بطاقة منفردة، واحمل تلك البطاقة معك طوال الوقت، وفكر بهذا الهدف كل يوم، وتخيل صوراً ذهنية محسوسة لهذا الهدف، كما لو أنك أنجزته من قبل .
لا تخشْ من الفشل . وكما كتب هيرودوت: "من الأفضل أن نغامر بجرأة نبيلة  وأن نكون عرضة إلى نصف الشرور المتوقعة من أن نبقى في تكاسل جبان خوفاً مما يمكن أن يحدث ".
يمكنك أن تحدد مواهبك أو قواك بعدد من الطرق تتدرج من الاختبارات السايكولوجية(النفسية) إلى تحليل الرغبات غير المجسدة في أحلامنا .إذ لا تصلح طريقة واحدة لكل شخص . فبإمكانك أن تبدأ على سبيل المثال بقصّ وإلصاق المقالات الصحفية التي تثير اهتمامك، وبعد ثلاثين يوماً انتبه ما إذا كان يوجد اتجاه ما يوحي باهتمام عميق الجذور أو بميل طبيعي، وابقْ متيقظاً  لأي دلالات على أي مهارات أو مواهب خاصة، حتى عندما تبدو سخيفة أو غير هامة . من خلال هذا التمرين يمكن أن تتمكن من تكوين إحساس ما حول قدرات كامنة . وكلما اكتشفت قدرة أو موهبة ، فكرْ بخمس طرق ممكنة لتطويرها . دَوّن هذه الطرق على بطاقة أيضاً، وارجع إليها دورياً لكي تبقيها حية في ذهنك .
رَكّزْ على هدف واحد في كل مرة، فالدماغ مثله مثل آلية التحكم الميكانيكي، يقوم إذا ما حُددّ له هدف بتحريك كل العمليات العقلية التي ستؤدي إلى إيصال جهودك إلى نتيجة مثمرة؛ وسوف تنسجم أعمالك مع توقعاتك، مما يؤدي بالتالي إلى تحقق الحدث . فإذا اعتقدت بأنك سوف تصل إلى هدفك، فسوف تستمر بالعمل بجهد حتى تنجزه . واحتفظ دائماً بالهدف التالي في ركن خلفي من ذهنك لأن أقصى حالات الرضى تأتي من متابعة الهدف، وليس من مجرد تحقيقه؛ علاوة على ذلك لا تكنْ نافذ الصبر من حيث ما يتعلق بالوصول إلى أهدافك . وقد يحدث أنك لا تستطيع في البداية أن تكرّس إلا ساعة واحدة في اليوم للنشاط الذي يهمك فعلاً، ولكن حتى ساعة واحدة يومياً يمكن أن تعني سبع ساعات في الأسبوع، وثلاثة آلاف وستمائة وخمسين ساعة في عشر سنوات.  إنك تستطيع إنجاز الكثير في تلك المدة الزمنية-أن تتبع دورة أو تكتب كتاباً أو ترسم لوحة .كلما جزئت المهام إلى عناصرها الأولية أكثر، كلما أصبحت أقدر على إنجاز المهام الأصعب والأكثر تعقيداً . أمّا الاعتقاد بأنك لا تستطيع أن تفعل أمراً ما فهو مجرد إضفاء صبغة منطقية على عدم الرغبة في المخاطرة .
وحسب قول إرنست نيومان الناقد الموسيقي الانكليزي : إن "الملحن الكبير لا يجلس للعمل لأن إلهاماً هبط عليه، بل يأتيه الإلهام لأنه يعكف على العمل . فبيتهوفن وباخ وموزارت ثابروا يوماً بعد يوم على أداء العمل الذي بين أيديهم بانتظام كبير، مثلما يجلس المحاسب كل يوم ليتابع أرقامه، فهم لم يضيعوا الوقت بانتظار الإلهام ".
حيث كان هناك هدف مهيمن يتحكم بنشاطات هؤلاء الملحنين وغيرهم، ويمكنهم  التغلب على أقسى العقبات، فالنشاط نفسه يولد الدافع إلى مزيد من النشاط .
فاحذر الأوضاع التي تولد الأعداء الكبار للاطمئنان النفسي :
الطمع والطموح والغضب والتكبر . فقد قال بترارك: "إذا ما تم التخلص من هؤلاء الأعداد فإننا سوف نستمتع بطمأنينة دائماً ودون خلل ".إن الطمع يأتي من الاعتقاد بأنك تحتاج أشياء معينة في حين أنك ربما لم تكن تحتاجها، ومن الإحساس بأن ما تعتمد عليه سوف يُؤخذ منك . أما الطموح فينبع من عدم الرضا عن نفسك وعن نشاطاتك . من الجميل أن نطرح تحديات وأن نريد النجاح، لكن الطموح المفرط يمكن أن يؤدي إلى وضع أهداف يصعب بلوغها . فتابع أهدافك بخطوة ملائمة لمزاجك وركز على جهودك لا على النتائج. ويأتي الحسد من المقارنة غير المنطقية بين ما حققه الآخرون، وما حققته أنت . فالافتقار إلى ما يمتلكه الآخرون لا يسبب الإحباط، بل الفشل في تطوير إمكانياتك هو الذي يسبب ذلك . هذا ويمكن للغضب أن يطوقك ويدمر حوافزك، فكلما غضبت استعرض ما كان قد حدث . هل تجاهلك أحدهم أو انتقدك ؟. هل ينبغي أن يضايقك ذلك ؟. هل يجب عليك أن تعتمد على آراء الآخرين ؟. هل سمحت للآخرين أن يفرضوا توقعاتهم عليك، أو أن يوجهوا سلوكك ؟ . أما التكبر فينشأ من حاجتك إلى أن تحدث تأثيراً على نفسك وعلى الآخرين من خلال صفات تفتقر إليها . والشخص الناضج يعترف بنقاط قصوره، ويتصرف بتواضع، ويحتمل الفروق بينه وبين الآخرين . وسوف تختفي محنتك حالما تعترف بأنك عرضة للخطأ . فالاعتماد على الذات يأتي من عملين منفصلين : توجه إيجابي نحو الأهداف، والتقليل من أنماط الاعتماد غير الضرورية والضارة . إن محاولة تلبية توقعات الآخرين من أجل أن تصبح مقبولاً لديهم يخلق إلزاماً بالعمل بطرق معينة تحدّ من قدرتك الخاصة على التعبير عن نفسك بصورة كاملة . وهذا هو التواكل .
يصبح العديد من الناس مفرطي الحساسية تجاه مواقف النقد أو العداء أو الرفض الضمنية وغالباً الصادرة دون وعي - من قبل الآخرين . فإذا ما وجدت نفسك تتصرف برد فعل تجاه استخفافات حقيقية أو متخيلة، فلا تتجادل مع الناس حول انطباعاتك . فاتهام الآخرين بمشاعر مشكوك فيها أو بسبب قلة الاهتمام فيك يمكن أن تصيبك بالإحباط وتولد نزاعات، وقد تثير الاستجابة التي توقعتها ذاتها . فتجنب أي ميل إلى رد الفعل تجاه التهكم أو الغمز، واعترف أن لكل شخص الحق في أن يفكر لنفسه ثم اغلق المناقشة . إن الحفاظ على موقف إيجابي سوف ينتزع ردود فعل إيجابية من الآخرين على المدى الطويل .
ركّزْ على مواقفك تجاه الناس الآخرين؛ فهل أنت مهتم جداً بما يظنونه فيك ؟. وهل نزوعك إلى الكمال يخفي ضعفاً ضمنياً ؟. وهل أنت خائف من النقد ؟. إذا كانت هذه الأنماط تبدو مألوفة لديك، ينبغي عليك أن تكتسب ثقة بنفسك، وتحدد بعض الأهداف التي تنسجم أكثر مع اهتماماتك وحاجاتك ومهاراتك .
اسأل نفسك "ما هي العوامل في حياتي التي تستنزفني ؟ وإلى أي مدى أُهمل احتياجاتي الخاصة ؟ وهل أنت معروف بأنك من الأشخاص ذوي الأكتاف القوية الراغبين في تحمل كل أنواع الأعباء ؟. هل أنت سهل التعامل إلى حد أن الأصدقاء والأقارب والآخرين لا يشعرون بأي تردد في استغلال وقتك ؟. يجب المقارنة بين الإحساس الإيجابي بالرضا الناجم عن هذا، والثمن السلبي الذي تدفعه في تخليك عن الخيار الحرّ .
لا تقلق بشأن رفض الطلبات التي تبدو ثقيلة عليك . فمن الأفضل، وعلى المدى الطويل، للأسرة والأصدقاء  أن يعرفوا أن ما تفعله من أجلهم تفعله عن طيب خاطر ولأنك تريد ذلك، لا لأنك لا تملك الشجاعة الكافية -لتقول لا .
إن القدرة على الانعزال سوف تزيد ثقتك بقدرتك على تحقيق أهدافك، كما أن هذا سيعطيك القوة على تحمل الاحباطات والشك . تَعَلمْ أن تصغي لأفكارك الخاصة؛ فهذا سوف يساعدك على تعلم المزيد عن ذاتك الداخلية، وعن أهدافك الحقيقية . اقضْ بعض الوقت وحيداً في كل يوم لكي تتعرف على أفكارك، وتستطيع أن تفعل هذا وأنت تسير في الخارج أو تستريح في المنزل ، أو في الكنيسة، أو حتى في المكتبة العامة . فالوحدة سوف تزودك بفرصة لكي تصبح مرتاحاً مع مشاعرك وأفكارك، ولكي تقوم الاستراتيجيات اللازمة من أجل التوصل إلى أهدافك .
    لقد كتب كونفوشيوس : "إن من يرغب في تأمين صالح الآخرين يكون قد أمن صالحه مسبقاً ". فهناك صلة مباشرة بين خدمة الآخرين والمكافآت في الحياة .
فمن تستطيع أن تخدم ؟. وأين تستطيع أن تقدم مساهمة ؟. انظر إلى الناس من حولك، عائلتك وأصدقائك وزملائك في العمل والزبائن والآخرين الذين تقابلهم في حياتك اليومية . إنك ستكافأ بالقدر الذي سوف تساهم فيه لخيرهم . فإذا كنت تريد من الآخرين أن يحترموك، يجب عليك أن تظهر الاحترام لهم . ومن أجل تحقيق هذا قد تريد أن تجرب برنامجاً خاصاّ . قُمّ لمدة شهر بالتعامل مع كل من تقابله كما لو كان أو كانت أهم شخص في العالم . فكل شخص يريد أن يشعر بأنه مهم لدى شخص ما، والناس بلا استثناء سوف يقدمون حبهم واحترامهم واهتمامهم للشخص . فلدى كل منا قصة يريد أن يرويها ولديه نظرة فريدة . إن الطريقة التي ستحاول فيها أن تفهم العالم هي أن تراه من خلال أكثر عدد ممكن من وجهات النظر .
وحسب قول المحامي جون فوستر:"إن إحدى أقوى خصائص العبقرية هي القدرة على إشعال نارها الخاصة". فأولئك الذين ينجزون الكثير يمتلكون هدفاً موحداً لحياتهم ، ويعبرون عن أنفسهم بأي طريقة ضرورية لتحقيق هذا الهدف سمها البساطة أو التواضع أو الالتقاء الذاتي . قد تعتقد أن سترافنسكي، أو إنشتاين، أو بيكاسو قد أكتسب من خلال عبقريته الحق في أن يكون غريب الأطوار وذا خصوصية متميزة ومتصلب الرأي؛ ولكنني أُؤكد بأنه كان قرارهم في أن يصبحوا سادة، ومصيرهم الخاص هو الذي منحهم الشجاعة لكي يجربوا أشياء جديدة . إن الرغبة في التفكير بما لا يمكن التفكير فيه يتطلب شجاعة وذلك لكي يستطيع المرء أن يقضي وقته وحيداً ويتعرض لخطر السخرية . ليس كل شخص هو بيكاسو، ولكن كل شخص يمكن أن يميز نفسه بوعي عن العالم المحيط به، فقدقال سويفت:  "مع أن الناس متهمون بأنهم لا يعرفون نقطة ضعفهم الخاصة، غير أنه ربما كان هناك القليل ممن يعرفون قوتهم الخاصة . ففي الرجال، كما هو الحال في التربة ، قد يكون هناك أحياناً عرق من الذهب لا يعرف المالك شيء عنه " فالوقت الذي تضيعه في التفكير بعدم كفاءتك يمكن أن تقضيه في البحث عن عرق الذهب في نشاطاتك وفي نفسك . 
أشعل نارك الخاصة، تابع أهدافك دون خوف من الفشل أو اللوم أو النقد . فهذا سوف يحرر ذلك الفريد من العوامل التي تكمن مدفونة تحت ذاتك الاجتماعية . إن نشاطك العقلي جزء منك بقدر ما هو نبض قلبك أو انتظام أنفاسك . إنك ستجد الطمأنينة العقلية عندما تقرر وتتصرف وفق طبيعتك الخاصة وأهدافك الخاصة .

* *
 
تَحَكَّمْ في أمزجتك 
بقلم : ديفيد إس. فسكوت (طبيب) 

إن المشاعر السلبية تتطلب تصرفاً، فعندما تكون في مزاج سيئ حاول أن تَصغهُ، اجلس في غرفة هادئة، واغلق عينيك، واجعل ذهنك خالياً من أي شيء لبضع دقائق، ثم رَكز على مشاعرك، اسأل نفسك : "ما هذا الذي أشعر به ؟ هل أنا ،َنزق أم سريع الغضب، أم ميال للبكاء، أم غير راضٍ عن نفسي ؟؛ " ودَّون الصفات التي تصف الطريقة التي تشعر بها بشكل أفضل، وحاول أن تجمعها تحت مزاج عام واحد مثل الغضب، أو الاستياء أو القلق .والآن اسبرْ غورَ نفسك . ما الذي يدور في داخلك ؟ وهل شعرت بهذا الشكل من قبل ؟ وما الذي سبب مشاعر سيئة مماثلة ؟ وما الذي تستطيع أن تفعله الآن ليجعلك تشعر بتحسن ؟ وإذا كنت لا تستطيع أن تتغير ، فلماذا لا تستطيع ؟ .
وبغض النظر عما نسميها فإن معظم أمزجتنا السيئة مجرد مظاهر لمشاعر أساسية معينة ¬- الاستياء، الغضب، الذنب وما الى ذلك . وما يلي هي " خارطة إرشادية " إلى داخل هذه المشاعر لكي تساعدك على أن ترى كيف تعمل ومن أين تأتي : 
الاستياء : يشعر الناس بالاستياء عندما يفقدون شيئاً (صداقة أو شخصاً عزيزاً ، أو احترام الذات) . فعندما تشعر بالاستياء حاول أن تفهم الشيء الذي فقدته . ما الذي تعنيه هذه الخسارة بالنسبة لك ؟ وما الحاجات التي تلبيها ؟ وأين يمكنك الآن إرضاء هذه الحاجات ؟ ما الذي ينبغي عليك أن تفعله عندما تشعر بالاستياء وتعرف من الذي تسبب في ذلك، قابل الشخص وجهاً لوجه، وقل له إنه أساء إليك ، وكيف أساء إليك؟، والسبب الدقيق الذي جعلك تشعر على هذا النحو؟.  لماذا تخبره ؟ لأن مشاعرك ، إن شئت أم أبيت ، تحتاج الى التعبير عنها بشكل ما، أو بآخر . فإذا لم توجه الى الشخص الذي تسبب بها - كما ينبغي أن يحصل - فسوف تجد متنفساً لها حيثما استطعت . وغالباً ما يحدث هذا في المكان الخطأ وفي الزمن الخطأ ، مثلما يحدث عندما تحطم الزوجة أطباقاً في المطبخ بدلاً من أن تقول لزوجها عما يدور في ذهنها على مائدة الطعام .فمن الأفضل أن تعبر عن المشاعر عندما تحصل لأول مرة وباتجاه الشخص الذي تسبب بها . 
القلق : يحس الناس بالقلق ( الاضطراب ، الخوف ، التوتر ) عندما يخشون من أن يصابوا بأذى أو يفقدوا شيئاً . فعندما كانت والدة جوان البالغة من العمر /17 / عاماً في المستشفى لإجراء فحوص وجراحة صغيرة لم يقل لها شيء محدد عن حالة أمها ، فالعائلة لم تكن تريد أن تقلقها ، ولكن جوان التي ظنت أن الوضع أسوأ بدأت تفسر كل مخابرة هاتفية على أنها رسالة القدر المحتملة، وقد أصبحت قلقة إلى درجة لم تكد تكون قادرة على العمل في المدرسة أو البيت . وعندما أخبرت بالحقيقة في نهاية الأمر ، كانت لا تزال مضطربة ولكنها قادرة الآن على تحمل الأمر بشكل أفضل لأنها فهمت ما كان يجري، وسيطرت على وضعها بشكل أفضل .  فإذا ما شعرت بالقلق حاول أن تحدد ما هو الشيء الذي تخشى أن تفقده . هل هو الحب ؟ أم الاهتمام أم الناس الآخرون ؟، وهل هو سيطرتك على الوضع، أم على نفسك، أم هل هو احترامك لذاتك، أو قيمتك لشخص؛ وأنظر ما هي المساعدة التي يمكنك الحصول عليها لمنع الخسارة أو الاستعداد لها . لا تتجنبها لأن التفكير فيها مخيف ، فتجنب الأشياء التي تخشاها . لن يجعلها إلا أكثر تحذيراً ويجعل السيطرة عليها صعباً . 
الغضب : يشعر الناس بالغضب بشكل عام عندما يتعرضون للأذى . فعندما تغضب اسأل نفسك :" من آذاني ؟ وكيف ؟ ماذا قلت لهذا الشخص ؟ وماذا أردت  أن أقول ؟  ولماذا لم أقُلهُ ؟. فإذا ما أغضبك شخص ما، قل له ذلك بشكل مباشر . فكثير من الناس يعبرون عن الاعتذار ويريدون أن يظلوا أصحاباً . أما إذا ما بقي الغضب كامناً لفترة طويلة فمن الصعب التعبير عنه بالشكل المناسب لأن مصادره تكون قد دُفِنَت لمدة طويلة تجعل من المستحيل  التعرف عليها .
الذنب : عندما لا يتم التعبير عن الغضب بالشكل المناسب ، غالباً ما يصبح موجهاً الى الشخص الذي يشعر به ؛ وعندما يحس المرء بالغضب من نفسه يشعر بالذنب ويلوم نفسه بصورة عامة عن كل ما هو خطأ في نهاية الأمر. على سبيل المثال ، قد يعتقد بأنه خيب آمال الآخرين لعدم جدارته بتوقعاتهم ، وحتى قد يغضب سراً من الآخرين لأنهم توقعوا الكثير منه ؛ حتى وإن كان يشعر بعدم جدوى الدفاع عن نفسه . لقد قضت السيدة ليتل حياتها كخادمة مخلصة لزوجها وأبنائها الثلاثة ، وكانت دائماً تدفن رغباتها الخاصة وتضحي بنفسها على مذبح أنانياتهم ، ولكنها كانت تشعر سراً بأن حياتها فارغة ، وبأنها لم تفعل أي شيء لتجعل نفسها سعيدة، ولم تفعل شيئاً تفخر به . وفي نهاية المطاف بدأ غضبها واستياؤها يتدخلان في قدرتها على خدمة الرجال في حياتها، فأصبحت كسولة وغير متعاونة . لقد كان سلوكها حقيقة تعبيراً عن إحساسها بالذنب، صوت كان ينبغي أن يرفع منذ سنوات مضت . لكن كان من الصعب على السيدة ليتل أن تغضب من أسرتها . فقد كانت تعتقد دائماً بأن التعبير عن الغضب يعني بأنك لا تحب شخصاً ما . إن سوء الحظ أن نغضب من بعضنا ، لكن الإحساس بالغضب مجرد إحساس طبيعي مثله مثل الإحساس بالود . وليس هناك حاجة لأن نصف مشاعرنا على أنها " جيدة " أو " سيئة " . كل ما علينا هو أن نصفها على أنها مريحة أو غير مريحة ، وأن نفهمها ونحللها وذلك  لكي نعيش حياتنا بشكل بناء . فكيف نتعامل مع الإحساس بالذنب ؟. إذا ما تذكرت بأن معظم الذنوب تأتي من الغضب المكبوت ، وأن الغضب يأتي من الإحساس بالاستياء، ينبغي أن يوجد الحل في فهم الاستياء وما الذي سببه ، والسماح بالغضب بأن يوجه حيث ينبغي أن يتجه في المقام الأول . فجميع المشاعر ، وبخاصة المشاعر غير السارة ، يجب أن تتخذ مسارها الطبيعي، وهذا يتطلب جهداً عاطفياً ، وهو شيء لا نملك منه ذخيرة غير محدودة . فعندما يفقد طفل حيوانه الأليف على سبيل المثال ، فنحن لا نتوقع منه أن يكون أداؤه جيداً في المدرسة لفترة على الأقل ؛ فهذا الطفل يجب أن يحزن ويفك روابطه مع الحيوان الأليف المفقود. وبعد أن يتم هذا فسوف تتحرك طاقاته مرة أخرى ويستطبع أن يستثمرها في العمل واللعب . إن الأمر نفسه بالنسبة للكبار ، فإذا ما استخدمنا طاقتنا العاطفية في إبعاد المشاعر السيئة ، فسوف يتبقى لدينا القليل من الطاقة من أجل ممارسة الحياة نفسها .
 
سيطرْ على العوائق
بقلم : نورمان فنسنت بيل(دكتور في اللاهوت)

يوماً بعد يوم يواجهني ساعي البريد بسيلٍ صغير من الرسائل ، وأنا أعرف ما فيها حتى من قبل أن أفتحها . إذ يبدو كما لو أن المنظم العظيم لأمور الكون ، قد أدرك المشاكل الأساسية من أجل نمو الإنسان وتطوره - وإلا لما كان سمح لمثل هذا العدد الكبير منها أن يصيبنا ويربكنا . 
كما أنني مقتنع بأن الخالق قد غرس في كل منا القدرة على التعامل مع المشاكل ، فما الذي يمنع ، إذن،  هذه الآلاف العديدة من مرسلي الرسائل المضطربين من التوصل إلى حلولهم الخاصة ؟. إنه ليس نقص الذكاء ، كقاعدة ، ولا الافتقار إلى التعليم، وقد استنتجت دائماً ، على وجه التقريب، أن السبب هو أنه لديهم عوائق معينة في عقولهم ، عوائق نفسية تحدّ من أو تَشُلّ قدراتهم على حل المشاكل ، ومهما تكن مشاكلهم ، حقيقة أو وهمية ، فإنهم مقتنعون بأنهم لا يستطيعون التعامل معها . وهكذا لا يستطيعون بالطبع . وكما قال إمرسون :" تتكون الحياة مما يفكر به الإنسان طوال اليوم"، فإذا فكرت بالنجاح تخلق مناخاً يكون النجاح فيه محتملاً ، وإذا فكرت بالفشل فأنت تهيئ المسرح لوقوعه .  وبما أن هذه القيود العقلية ليس لها وجود محسوس . يجب التعامل معها على المستوى الروحي . لذلك عندما أقدم اقتراحات فإنني أجدها في المبادئ الدينية التي استخدمها الناس المعذبون بنجاح لمدة قرون . وهذه هي الرسالة التي كنت أحاول أن أنقلها إلى الناس لمدة تزيد على /40 / سنة . الدين ليس مجموعة قواعد ومعتقدات بالية انحدرت إلينا من ماض منسي غامض ، إنه خزان لمفاهيم عقلية متغيرة يمكن أن تمنح كل شخص مساعدة هائلة للتعامل مع المشاكل،كبيرها أو صغيرها .
إنني أعتقد أن هناك أربع عوائق رئيسية ، وأن واحدة أو أخرى منها تقريباً تلقى بظلها على الشخص المثقل بالمشاكل . 
سيطر على عدم الثقة بالنفس : 
أتذكر أن رجلاً جاء ليراني قبل بضع سنوات ، والخوف يملأ نفسه . إنه رجل أعمال عصامي ، وقد تمت تسميته للتو كسفير في بلد أوروبي . كان معظم الناس سيشعرون بالسرور ، لكن عدم الثقة بالذات قد أقنعه بأنه لن يستطيع أبداً أن يتقن الآداب الاجتماعية للدبلوماسية أو يتعلم لغة أجنبية ؛ وأعتقد بأنه ينبغي أن ينسحب من الأمر كله .  فقلت له : "توقف عن تجريح نفسك، وركز على الموهبة التي منحك الله إياها، فأنت لم تنتقْ بسبب قدرتك اللغوية أو آدابك الاجتماعية؛ لقد انتقيت لأنك أمريكي صلب، وأمين وصريح ووطني . وهذا هو ما نحتاجه فيما وراء البحار . وهكذا قلْ لنفسك إنك تستطيع أن تؤدي عملاً جيداً ، وأسأل الله أن يساعدك ، ثم امض إلى هناك وقم بمهمتك" .  وكان ذلك هو ما فعله بالضبط كما تبين لاحقاً .
وأحياناً أوحي لمن يراسلوني من اليائسين بأنهم يظهرون قوة وشجاعة أكثر مما يظنون، فقد وصلوا إلى هذا المدى في وضع حياتي صعب وما يزالون يؤدون أعمالهم ، وقد أحثهم على أن يختاروا حادثة واحدة في حياتهم حققوا فيها نجاحاً ، ثم يعيدون إحياءها بأكبر قدر من الحيوية يستطيعونه إلى أن تتوهج أمامهم مرة أخرى صورتهم عن أنفسهم كأشخاص منتصرين . وأذكرهم بأن أفضل طريقة لنسيان مشاكلهم هي مساعدة شخص آخر على حَلِّ مشاكله ، وأقول لهم، أخيراً، أين يمكنهم أن يجدوا مقاطع في الكتاب المقدس توحي بالانتصار . ثم أحثهم على حفظ مثل هذه المقاطع ، وأدعهم يغوصون عميقاً في تلك الآفاق الذهنية حيث يطردون ببطء، ولكن بشكل مؤكد، شيطان عدم الثقة بالنفس . إن الأمر ليس سهلاً على الإطلاق ، فتغيير أنماط التفكير هو أصعب شيء في العالم ، ولكن يمكن تحقيقه.   إنني أعرف لأنني رأيت العديد من الناس يقومون به .
 سيطر على الاستياء : 
كل مجموعة من الرسائل التي أتلقاها تجلب رسائل من أناس مقتنعين بأن مصاعبهم هي نتيجة لممارسة خاطئة ما من جانب شخص آخر ؛ وكثيراً ما ينكرون هم أنفسهم أي شعور بسوء النية . فالشخص الآخر هو دائماً الذي يظهر سوء النية ويقول الكلمة الحاقدة، ويقوم بالأمر البغيض . وحتى مع ذلك فإن غضبهم الخاص المكبوت غالباً ما يبرز من خلف كلمة 0 فمثل هذا الاستياء غير المحدد أخطر بكثير على الشخص الذي يحمله من خطره على الشخص الموجه ضده ؛ فحملك لعبء من الغضب على كاهلك يُبدد طاقتك . إنه يحول دون التواصل . وقد قال لنا المسيح : "إن من العبث الصلاة والغضب يملأ قلوبنا ." وقال: "امض أولاً وتصالح مع أخيك"، ولم يقل شيئاً عن من يمكن أن يكون على صواب، ومن يمكن أن يكون على خطأ . ووصيته الأخرى التي تطلب منا "أن نصلي من أجل أولئك الذين يستغلوننا بخبث" وُضِعَت بشكل خاص من أجل تحييد الغيظ .
صدقوني أن القيام بذلك أمر صعب، فمنذ بضع سنين وجدت نفسي هدفاً لسيل من الانتقادات من بعض زملائي من رجال الدين، وقال إنني جعلت المسيحية تبدو سهلة جداً . حسنٌ، ليس هناك أي سهولة في الدين الذي يتطلب منك أن تصلي من أجل الناس الذين قد آذوك، ولكنني جعلت نفسي أفعل ذلك لأنني عرفت أن هذه أفضل وأسرع طريقة لنزع الاستياء من نظام حياتي . والرد الدائم الوحيد على الاستياء هو الغفران، بالطبع . وقد يحتاج هذا إلى وقت أحياناً . فعندما سأل الحواريون المسيح إن كانوا ينبغي أن يسامحوا حتى سبع مرات، أجابهم "سبع مرات مضروبة بسبعين" . لقد عرف أن الأمر يتطلب في بعض الحالات /490/ جهداً منفصلاً قبل أن نتمكن من إزالة الضغينة .
سيطر على الإحساس بالذنب :
لقد عرف الدين على الدوام بأن الإحساس المستمر بالذنب يمكن أن يكون سماً قاتلاً . فمشاعر الإحساس بالذنب الدفينة أو المكبوتة لا تتلاشى ببساطة، بل تبقى هناك وتتفاعل. ويُعَلمنا الدين أن الطريقة الوحيدة للتعامل مع مشكلة الإحساس بالذنب هو الندم على الإساءة، والتصميم على عدم تكرارها، والتعويض عنها إن أمكن-ثم نسيانها؛ فإذا ما فعلت هذه الأشياء فإن الجرح في نفسك سوف يُشفى تماماً ولا يترك ندبة . لكن الكثير من الناس لن يتبعوا هذا المنهج . فمنذ مدة أخبرني محام عن صعوبات كان يواجهها في عمله. فهو لا يستطيع أن يُرَكز، وكان سريع الغضب، ولا ينام جيداً، فماذا ينبغي أن يفعل ؟ . قلت : "أجب على هذا السؤال بصدق . هل هناك أي نقطة في حياتك يمكن أن تسبب لك ذعراً كبيراً إذا ما رأيتها ذُكِرَت في الصحف بعناوين رئيسية ؟ ". فحملق فيّ . وقال أخيراً : "حَسنٌ، أظن ذلك ؛ فلدى كلٍ منّا  بضعة هياكل عظمية في خزانته الخاصة. أليس كذلك ؟". فقلت : "كلا ليس صحيحاً إن كان الشخص ذكياً".  فإلى أن تدفن هذه الهياكل العظمية بشكل لائق وتنظف حياتك فإنك سوف تبقى عرضة للتسمم بسبب الإحساس بالذنب ."
فقد كان هذا الرجل، الذي هو منفذ لوصية أبيه يخدع أخوته وأخواته ولا يعطيهم نصيبهم الصحيح بالميراث، فقد أقنع نفسه في عقله الباطن بأن الأمر ليس مهماً، وأنهم ليس من الضروري أن يعرفوا، وأن لديهم من قبل ما يكفيهم من الأموال . غير أن مثل هذا المنطق لم يهدئ من إحساسه اللا واعي بالذنب . ولم يبدأ بالخروج من الهوة إلاّ بعد أن عَوَّضَ ما حدث وطلب الغفران .
حيث يقول الكتاب المقدس : "مبارك من تُغْفَرُ أخطاؤه". إنها رسالة ينبغي أن يتملاها كل من يحاول أن يتقدم في سبيل الحياة بينما تسحبه يد الذنب إلى الوراء .
سيطر على القلق :  
هذه العقبة الرابعة هي أكثر شيوعاً ، فقد قال رجل حكيم في إحدى المرات: "إن القلق تيار رفيع من الخوف يسيل عبر الذهن". وأضاف "إذا ما شجعناه فإنه يحفر قناة تستنزف كل الأفكار الأخرى ."
    وعلى مدى سنوات أتلقى رسائل تنبئ بكل سيئ من يوم القيامة الديني إلى الحرب النووية، فعشرات الناس يشعرون بالقلق بشأن صحتهم . هذا اليوم بالذات قرأت رسالة من امرأة مقتنعة بأنها مصابة بالسرطان لأن جدتها ماتت بسببه . كل هذه الأمور يمكن تصورها، ولكنها ابعد من أن تكون حتمية . والحقيقة هي أن الغالبية العظمى من الكوارث التي نخشاها قد لا تحدث أبداً، وعلى أي حال، فإن مجرد القلق بشأنها لن يفعل أي شيء للحيلولة دونها .
وأحد علاجات القلق المفرط هو الفهم الصحيح لمقدار الضرر العاطفي والجسدي الذي يمكن أن يفعله ، فقد قال الدكتور الكبير تشارلز مايو : "القلق يؤثر في الدورة الدموية والقلب والغدد وكل الجهاز العصبي . فأنا لا أعرف إنساناً مات من فرط العمل، ولكن العديدين ماتوا من الشك".
والعلاج الآخر هو أن تشغل نفسك عنه عمداً . مارس لعبة ، قُمْ بنزهة على الأقدام، شاهد فيلماً سينمائياً ، قَطِّعْ الخشب ، احفر في الحديقة ، ادهن سياجاً ، افعل أي شيء غير الجلوس والتفكير . فإذا ما غيرت وضعيتك تستطيع عادة أن تغير مزاجك .
لكن أكبر علاج هو الثقة بالله، ثقْ بأنه هو الذي يرعاك وأنه هو الذي يتقدم لمساعدتك . فقد قال القديس بولوص : "إذا كان الله معنا فمن يستطيع أن يكون  ضدنا؟" .  فالمخاوف تضمحل في وجه مثل  هذا الاعتقاد . ثقْ بالله وعشْ كل يوم بيومه . ذلك أفضل ترياق أعرفه للقلق . فإذا ما استطعت أن تفعل ذلك فإن العقبة الرابعة لن تؤرقك أبداً .
أما المشاكل ، فالعالم سوف يبقى مليئاً بها ، ولكننا لا ينبغي ألا نتذمر أو نيأس . التحدي والاستجابة-هذا هو كَنهُ الحياة . فهنا تكمن أعظم الانتصارات والإنجازات . اطردْ عدم الثقة بالنفس والاستياء والإحساس بالذنب والقلق، وسوف تُدهَش من مقدار القوة والسرور الذين يفيضان عليك .



* * *
 
كيف تُسيطرْ على الإحباط
بقلم : ستيوارت تشيس 

في عام 1948 خشيت سلطات مدينة سياتل من نشوب أحداث شغب عرقي في منطقة سكنية مهدمة ، فقد كانت ألف أسرة -/300/ منها سوداء محشورة في برّاكات مؤقتة بنيت لعمال الحرب . وكان التوتر محسوساً، وازدادت الشائعات ونُقلت حادثة اعتداء بسكين .وقد قامت جامعة واشنطن التي طُلِبَت منها المشورة بإرسال /25/ باحثاً مدرباً إلى مسرح الأحداث على جناح السرعة .
وكان الباحثون يتنقلون من باب إلى باب محاولين اكتشاف مدى الحقد العنصري .  وقد فوجئوا عندما وجدوا قليلاً جداً منه . فستون بالمائة من البيض والسود الذين أُجريت معهم المقابلات قالوا : "إنهم يحسون بنفس الشعور"،  أو بود أكثر نحو المجموعة الأخرى منذ انتقالهم إلى المنطقة . فما الذي كان يثيرهم إذن ؟.
لقد كانت هذه الأسر الغاضبة بشأن المباني المتداعية ومواقد المطابخ التي تنفث الدخان والطرق المخيفة داخل المنطقة . وكان الكثير منهم قلقين بشأن إضراب في شركة بوينغ للطيران . باختصار، سلسلة من الإحباطات من أسباب أخرى أصابت المجموعة بكاملها، وكان يمكن أن ينجم عنها شغب عرقي .
    وقد أدى التصرف السريع من قبل السلطات إلى درء الكارثة ، فلما أُكتشفت الأسباب الحقيقية جرى إصلاح المباني وتركيب تجهيزات جديدة وترميم الطرقات . فمرَّت  الأزمة .    
إن هذه القضية تطبيق مثير لنظرية تجريبية عن السلوك الإنساني عرضتها بشكل شامل، مجموعة من علماء جامعة ييل ، في كتاب قديم عنوانه "الإحباط والعدوان"، والذي أصبح من الكتب الكلاسيكية . ومنذ أن قرأته قبل بضع سنوات مضت واجهت العديد من مشاكلي الشخصية بفهمٍ أفضل، واكتسبت قدرة جديدة على التبصر في بعض المسائل العامة الكبيرة أيضاً .
فقد بيَّنَ باحثو جامعة ييل أن النتيجة المشتركة للإحباط هي عمل عدواني، قد يكون عنيفاً أحياناً . فأن تكون حياً هذا يعني أن يكون لديك هدف وأن تتابعه (أي شيء من تنظيف المنزل أو التخطيط للعطلة إلى توفير النقود لفترة التقاعد) . فإذا ما اعترض شيء ما طريق هدفنا نبدأ بالإحساس بأننا مُحَصَورون ومَكبوحون ، وعندها يجن جنوننا . 
(1) الهدف الذي تمت إعاقته، (2) والإحساس بالإحباط، (3) والعمل العدواني - هذا هو التسلسل الإنساني العادي . غير أننا إذا ما أدركنا ما يدور بداخلنا يمكننا أن نوفر على أنفسنا قدراً كبيراً من ألم ومشاكل لا داعي لهما .
فكل شخص قد واجه إحباطاً على الطرق العامة . قد تكون تقود سيارتك على طريق مزدوج خلف شاحنة قاطرة ومقطورة كبيرة ، وأنت في عجلة ، في حين يبدو أن سائق الشاحنة يستمتع بالمناظر ، وبعد أميال من الإحباط المتزايد تبدأ تكرهه . وأخيراً تدوس على البنزين وتتجاوزه بتحدٍّ بغض النظر عن المخاطرة التي قد تواجهها . ولابد أن هذا النوع من الإحباط يسبب آلاف الحوادث سنوياً . ومع ذلك، لو أدركت ما كان يجري في جهازك العصبي، لاستطعت أن تكبح مثل هذه الاندفاعات الخطيرة. والعمل العدواني الذي ينتج  عن الإحباط قد يأخذ عدداً من الأشكال ، فقد يتحول إلى الداخل ضد المرء ذاته، ويكون الانتحار المثال المتطرف له ، وقد يوجه مباشرة ضد الشخص ، أو الشيء الذي سبب الإحباط ، أو ربما ينقل إلى هدف آخر- وهو ما يسميه علماء النفس "بالإزاحة" . فقد توجه الإزاحة نحو كتلة من الخشب أو أثاث الردهة أو الأسرة أو حتى نحو غرباء عنا تماماً .
فقد اندفع رجل من باب منزله في بروكلين في صباح يوم ربيعي جميل  ولَكَمَ عابر طريق على أنفه ؛ وقد شهد في المحكمة بأنه كان قد تشاجر مع زوجته . وبدلاً من أن يلكمها قادهُ حظه السيئ لأن يلكم شرطياً سرياً . والعدوان ليس دائماً مفاجئاً وعنيفاً، فقد يكون مراوغاً ومحسوباً . فانتشار الشائعات والقيل والقال بشكلٍ حاقد، والمؤامرة المقصودة لتشويه سمعة شخص ما هي بعض الأشكال غير المباشرة . وفي بعض الحالات يقود الإحباط إلى عكس العدوان، ألا وهو الانسحاب الكامل من الحياة .
والنمط الكلاسيكي للإحباط والعدوان لا يظهر بشكل أفضل مما يظهر عليه في الحياة العسكرية . فالمجندون الذين أجرى عليهم دراسات عالم الاجتماع الأمريكي المشهور صاموئيل أ.ستاوفر في الحرب العالمية الثانية وجد أنهم محبطون بسبب فقدهم لحريتهم المدنية . وقد وجهوا هذا الإحباط عملياً ضد ضباطهم، وغالباً دون وجه حق . ولكن أثناء القتال كان الجنود يشعرون بودٍ أكثر تجاه ضباطهم . فما السبب ؟لأنهم استطاعوا أن "يُفرغوا عدوانهم ضد العدو مباشرة" .
وقد بَيَّنَ الدكتور كارل مينينغر، من مؤسسة مينينغر الشهيرة في مدينة توبيكا، بأن الأطفال في كل المجتمعات يصابون بالإحباط بالضرورة، وعملياً منذ الولادة، حيث يُرَوَّضون على عادات القبيلة .
وأول قرار للطفل هو "ما إذا كان سيصرخ أم يبلع" - عندما يكتشف أن العملين لا يمكن أن يجريا في وقت واحد . فيجب أن يعلم الأطفال عادات النظافة، وسلوك المرحاض والتغذية المنتظمة في المواعيد، وهي عادات غالباً ما تُفرض عليهم .
ويقول الدكتورمينينغر ربما كان الكبار السريعو الغضب قد أصبحوا كذلك بسبب الإحباطات المفرطة في الطفولة ، فنحن نستطيع أن نجعل فترة النضج أقل صعوبة من خلال منح الأطفال المزيد من الحب والتفهم . وقد لاحظ مينينغر أن الأبوين في المجتمعات "الأقل تمدناً"  غالباً ما يفعلون ذلك . ويستشهد بأقوال هندي من قبيلة الموهاف ، وهو يناقش موضوع ابنه الصغير : "لماذا ينبغي أن أضربه ؟ إنه صغير وأنا كبير . وهو لا يستطيع أن يؤذيني ؟"
عندما نتعرض للإحباط فعلاً هناك عدة أمور نستطيع فعلها لكي نصرف العدوان . 
أولاً نستطيع أن نحاول إزالة السبب الذي يعيق هدفنا . فقد يتمكن الفرد من تغيير رئيس ورديته ، أو حتى وظيفته أو مكان إقامته إذا ما كان الإحباط عملية مستمرة . فإذا لم يكن بالإمكان فعل ذلك، عندها نستطيع أن نبحث عن إزاحات غير مؤذية . وعمليات التنفيس الجسدية ذات مردود مباشر . اخرج إلى الحديقة واحفر بقوة ، أو قم بنزهة طويلة على الأقدام، أو الكُمْ كيس تدريب في صالة التدريب، أو اضرب الأوتاد في مسار البولينغ أو اقطع شجرة . لقد وجد الراحل ريتشارد سي.تولمان، وهو طبيب كبير، عوناً كبيراً في التنفيس عن العدوانية بالعمل . 
وككاتب فإنني أتلقى رسائل انتقاد وكذلك رسائل إعجاب، وبعضها يجعلني محتاراً أو مغتاظاً . (وعلّي أن أعترف بأن بعضها له ما يبرره) . وبدلاً من صَبِّ جام غضبي على الأسرة أكتب للناقد أقسى جواب يمكنني أن استنبطه، وهذا يجعلني أشعر بتحسن . وفي الصباح التالي أعيد قراءته بارتياح جديد ، ثم أمزقه وألقيه في سلة المهملات . لقد ذهب الشعور العدواني ، ولم يتأذ أحد . 
لكن ربما كانت أفضل الطرق لإزاحة المشاعر العدوانية هي العمل الجدي النافع ، وإذا كان بالإمكان إشغال كلا الجسد والعقل ، فهذا أفضل بكثير . 
إن العالم اليوم مليء بفائض كبير من الغضب والصراع، ونحن بعيدون عن معرفة كل شيء عن مصادر هذه المشاعر المدمرة ، لكن العلماء قد عرفوا ما فيه الكفاية لإزاحة عبء كبير من البؤس ، ويمكن لاكتشافاتهم أن تساعدنا لتخفيف ذلك العبء وحتى للاستفادة من طاقته من خلال فهم أفضل لأنفسنا ولجيراننا . 


* * *  
 
لكلٍ منّا حِصنٌ يجب الدفاع عنه
بقلم : آي.أ.ر. وايلي 

أوقف عامل التوزيع شاحنته في زقاقنا ليلقي نظرة مرحة علي وقال : "لقد دهنت جزءاً كبيراً من الريف يا سيدتي ". إنها مبالغة ، فما زال العشب حول السياج المكون من أوتاد ملطخاً بالأبيض . وأنا أعرف أن بعض الدهان كان على أنفي، وكان معطفي متصلباً بسبب الدهان المتناثر عليه.
إن سياجنا ليس سياجاً عادياً . إنه عالة مرهقة تحتاج إلى صيانة مستمرة . وهناك أميال منه، كما خُيل لي لما رفعت ظهري الذي كان يؤلمني . ففي الربيع انطلق بالدهان والفراشي مع تصميم قوي ، ولكن ما أكاد أُنجز جزءاً منه حتى أُدرك بسخط أن الأجزاء التي دهنتها في الخريف الماضي تبدو كالحة كئيبة .
إنه مثل منزلنا ، فما أن نجدد إحدى الغرف حتى تصرخ الأخرى طالبة ستائر جديدة أو سجادة جديدة ، أو يرشح السطح ، فيلطخ ورق جدران غرفة النوم ، أو أن المضخة الكهربائية تحتاج فجأة إلى محرك جديد .
وأفكر بكآبة أشبه بنفسي . فهناك شيء ما فيَّ على الدوام لابد من إصلاحه ، فهناك عمليات ترميم لابد منها جسدياً وعقلياً وروحياً . ولكنني  سوف أصبح عاجلاً أم آجلاً امرأة مسنة ، وسوف يكون على شخص آخر أن يدهن ذلك السور . وهكذا لما لا أتوقف في التو وأترك كل شيء في ذاتي ، وحولي ينزلق بارتياح نحو الأسفل ؟ .
بشكل ما، لا أفعل ذلك لأنني لا أستطيع ، فالأمر يتضمن شيئاً ما أكثر أهمية من السياج نفسه .
إنني أفكر بعطفٍ بصديقتي الشابة جين بمنزلها الصغير المزدحم ، وزوجها وأطفالها الثلاثة، ففي كل صباح تعّد الإفطار لأفراد أسرتها الجائعين الذين سوف يجوعون مرة أخرى بعد بضع ساعات، وهي تغسل الأطباق التي سيكون عليها أن تغسلها ثانية غداً وغداً  . وقد اعترفت مرة بأنها تعرضت أحياناً  لإحساس لا يقاوم تقريباً بأن تترك كل شيء ، وتهرب إلى الحرية، ليوم واحد على الأقل .
ولكنها تعرف أن تلك الصحون المغلفة بالدهن سوف تنتظر عودتها . وهكذا تبقى في مكانها . ومثل معظمنا، ومثل زوجها الذي يأتي إلى البيت ليقوم بتعشيب الحديقة، وهو يعرف تماماً أن العشب سوف ينمو ثانية في وقت قصير ، أو يخرج بجزازة العشب لقص الحشائش التي كان قد جزّها قبل بضعة أيام .
وفي كل مكان يستمر النضال لجعل الأمور تسير .وهذه نقطة لصالح الإنسانية، يتابع التنظيف والإصلاح وترميم الجدران التي ستسقط لو تُرِكَت دون عناية، مما يترك القلعة مفتوحة على مصراعيها أمام العدو. إنها ليست قضية حفاظ على الذات فقط، فقد قالت جين مرة : "هناك السيدة فريزر التي تقطن في المنزل المجاور . إنها تشعر بالعجز أمام أمور المنزل فتتخلى بيأس، عن القيام بها كليةً، ولكن عندما تأتي إلى منزلي لتشكي لي همها وتجد كل شيء براقاً ولامعاً تحسّ بالغضب من كلينا ؛ ولكنها ترى أن الأمور يمكن القيام بها فتعود إلى بيتها لأدائها . وربما لو وجدت أنني قد استسلمت للأمر لاستسلمت هي أيضاً . ولتناثرت الأشياء من حولنا مثل نوع من الحصبة المنزلية ."
ونظرت إلي باكتئاب وقالت : "أم أنني معتّدة بنفسي ؟"
ولكنني لا أعتقد بأنها كذلك .
لقد أكدَّ لي عامل التوزيع : "حَسَنٌ، انك تقومين بعمل جيد يا سيدتي، إنك تجملين المنطقة ".
إنني لم أفكر بالموضوع بوعي على ذلك النحو . لكنني ربما أكون قد أحسست بشكل غير واعٍ عندما انطلقت حاملة الدهان والفرشاة بأنني مدينة بشيء ما لجيراني، نوع من الالتزام بجعل الأمور منسقة في شارعنا . وإذا ما كان شارعنا وسكانه بحالة جيدة فإن مجتمعنا الصغير بكامله يتحسن . إن الأمر يشبه حجراً أُلقي في بركة-حيث تنتشر التموجات باتجاه الخارج في دوائر تتسع باستمرار .
وبشكل أساسي فإن الحضارات لا تسقط بسبب هزائم في المعارك، أو بسبب الكوارث المادية . إنها تنهار من الداخل لأن المواطن العادي قد أهمل في عمله، وباع أمانته مقابل مكسب زائل، وسمح بالإهمال واللامبالاة لفضائله الخاصة وفضائله كمواطن بأن تتفسخ.والآخرون الذين أُصيبوا بعدوى تقليده يتبعون مساره إلى أن تتآكل وتتداعى كامل بنية عالمه التي بنيت بالجهد الصبور لأسلافه؛ فيجتاحه الغزاة البرابرة ويستولون على البلاد. 
بهذا المفهوم ليس لنا حياة خاصة . إننا لسنا مسؤولين فقط عن أنفسنا وأمام أنفسنا . ورغم أننا قد نكون أعضاءً صغاراً في مجتمعنا إلا أننا حلقات حيوية في سلسلة حيوية، وعندما تصدأ هذه الحلقات المهملة تنكسر السلسلة .
إحدى صديقاتي التي هي الآن عجوز محطمة القلب كانت فيما مضى زوجة سعيدة . وجاءها بنتان ثم صبي، اسمه بيتر ؛ ولأن الصبي وُلِدَ في وقت متأخر من حياتهما، ولأنه كان فتىً محبوباً وذكياً ووسيماً فقد كان  حبيباً على قلب أبويه . والأمر الذي كان يعتبر دلائل خطر في تصرف أختيه أصبح لديه مجرد علائم على حيوية صبيانية عالية .
وعندما ضُبِطَ بيتر وهو يسرق من محفظة أمه وكذب بشأن ذلك، لم يوبخ إلاّ توبيخاً خفيفاً . ("لقد كانت مجرد مزحة صبيانية؛ وكل الأطفال يسرقون مثل طيور العقعق (أي الغربان) .") . وعندما كان بيتر يهمل فروضه المدرسية، كانت أمه تساعده في عمله-رغم أن مساعدته بلغت حدَّ الغش . لقد كان من الأسهل على الأبوين أن يسمحا بتراكم بعض الغبار على مبادئهما من أن يُعَرِّضا نفسيهما وابنهما الحبيب لتربية صارمة .
وبعد سنوات أصبح بيتر نائباً لرئيس المصرف المحلي . وقد قام من مركزه المسؤول بمضاربات مدمرة، ثم زور الحسابات، وأخيراً قاد نفسه إلى السجن ، وقاد جزءاً من أبناء مجتمعه إلى الدمار . وقد قالت لي أمه : "لم يفهم أي شخص آخر كيف أمكن لهذا أن يحدث، ولكنني فهمت . لقد بدأ يخطئ كطفل عندما سرق مني ، وكنا أبوه وأنا نبرر له أخطاءه ، وقد كنا متساهلين ومهملين . لقد خذلناه ".
من السهل جداً خذلان الآخرين-أن تتغاضى عن الزوايا الوسخة في عائلتنا وفي أنفسنا . ويفعل هذا الإهمال فعل الكيمياء  الغامضة التي تحول أفضل ما فينا إلى الأسوأ . كما حدث مع سام، على سبيل المثال، حيث كان مهندساً لامعاً وَجَه ذكاءه إلى الاختصار في عقوده من أجل جَنّي ربحٍ أكبر، أو جيم الذي بدأ حياته كسياسي ذي هدف سام، ولكنه وجد من الأسهل القيام بشراء الأصوات، وقام في نهاية الأمر ببيع الناخبين . إن هؤلاء الناس حراس خانوا قلعتهم، ولكن لو أنهم أدركوا في وقت مبكر من عملهم خطر إهمال الانضباط الذاتي اليومي لربما انتهى بهم الأمر إلى قادة موثوقين . ولكن بدلاً من ذلك سقطوا وجروا الآخرين معهم . 
وفي كل مرة نستسلم لإغراء التخلي عن معاييرنا، فإننا نتخلى عن الحضارة التي بنيت بآلام وجهود لا تُقَدَر . إن العمل الصبور للرجال والنساء العاديين الذين يكررون مهامهم اليومية الرتيبة، ويحسنونها قليلاً على الدوام، ويتصرفون بذكاء أكثر قليلاً في كل مرة هو الذي بنى عالمنا . ليس العالم الكامل، بل الذي يمكن العيش فيه والمتقدم خطوات فوق مستوى عالم الحيوان . لقد بنوا الحصن حجراً فوق حجر بجهد وصبر . والأمر يعود إلينا لحمايته .
* * *



















الفصل السابع 
التَمّاسُك
(لَملِمّ شَعث نفسك)
 
لماذا تُرتَكبْ أخطاء
بقلم : دونالد أ.نورمان 

"في مطعم أحد الفنادق وعندما جاء كشف الحساب وقعت اسمي عليه، ولكنني لم أستطع أن أتذكر رقم غرفتي . وهكذا نظرت إلى ساعة يدي ". يوضح هذا المثال هفوة نموذجية في التصرف من بين ما يزيد على /200/ هفوة جمعتها خلال عامين . إن الهفوات مسلية وتحدث معنا كلنا، وعندما لا تؤدي إلى إرباكات فإنها تبدو عادة كشذوذات لا ضرر منها .
ولكن الهفوات التي تقع أثناء تأدية المهام قد تكون خطيرة،  ففي إحدى المرات أَمَرَ مراقب جوي إحدى الطائرات أن تدرج إلى المدرج اليساري بينما كان يقصد اليميني، ومثل هذه الهفوة بين اليسار واليمين هي من بين أكثر الاختلاطات اللفظية شيوعاً، ولكنها في هذه الحالة كان يمكن أن تؤدي إلى مأساة (لحسن الحظ لم يحدث هذا) . كما أن نسيان إشعال أنوار السيارة الأمامية أثناء القيادة في الليل أمر شائع . وغالباً ما ينتبه المرء إلى الهفوة قبل أن تقع حادثة، ولكن ليس دائماً . فالخطأ البشري، اليوم، واحد من أكبر أسباب الحوادث . لقد حَلَّلَ مؤسس علم التحليل النفسي، سيغموند فرويد الأخطاء لكي يكتشف بشكل رئيسي معتقدات أو نوايا الشخص الحقيقية . وقد كانت إحدى الحالات التي فحصها قضية رئيس البرلمان النمساوي الذي افتتح أحد الاجتماعات قائلاً بصوتٍ عال : "إنني أعلن فَضَّ هذا الاجتماع".  يبدو أن هذا التصرف يكشف دوافع كامنة كما لاحظ فرويد، "فالرئيس كان يتمنى سراً لو كان في وضع يمكنه معه أن يفض الاجتماع الذي كان لا يتوقع منه فائدة تُرجى" .
لكنني أعتقد أن العقل البشري حاسوب معقد للغاية، وأن الهفوات يمكن أن تحصل أيضاً عندما تُضَلل معلومات شاردة أنظمة تجهيز المعلومات الإنسانية . ففي أيام فرويد كان علم إجراء الحسابات وإعداد المعلومات والتحكم بدائية، ولم يخطر لفرويد أن يفكر بطبيعة نظام إعداد المعلومات الإنساني الذي يمكن أن يساهم في الخطأ . ويمكنني أن أُترجم عبارات فرويد بالمصطلحات الحديثة على أنه يقول : إن الهفوات تنجم عن المنافسة والتداخل بين آليات إعداد العمليات العقلية الباطنية، والتي غالباً ما تعمل بتوازٍ كل مع الأخرى . ماذا عن الطيار الذي يهبط بالطائرة بينما ما تزال العجلات مرفوعة-فهل لديه رغبة مكبوته في أن يقتل نفسه ؟ هذا ممكن، ولكن تفسيرات أبسط من ذلك ممكنة أيضاً 0إنني أقترح بأن معظم التصرفات تُنَفَذُ عن طريق آليات لا واعية . فنحن نريد عملاً . وبعد أن يتحدد القصد نطلق عمليات التحكم، أو "المخططات" التي تؤدي إلى العمليات الآلية المعقدة الموقتة بإتقان المعنية بالتحكم في العقل والجسد . فعندما أقود السيارة من العمل إلى البيت . تحفز المخططات المناسبة بفعل عمليات سابقة . فلست بحاجة إلى تخطيط التفاصيل، إنني أقرر وأتصرف فقط .
هل أرغب في أن أحول طريقي إلى مخزن الأسماك ؟ يجب أن يكون "مخزن السمك" ناشطاً  في ذهني عندما يحين وقت عبوري لنقطة الاختيار الحاسمة بين المنزل والعمل . فإذا لابدَّ  أن أجد نفسي في المنزل بعد ذلك بوقت قصير، ومن دون سمك . ففي الهفوات المختلفة تنحرف أجزاء مختلفة من توالي عمليات إعداد المعلومات . وبقصد التسهيل فإنني أصنفها وفق ذلك الجزء من الآلية البشرية المتعلق بها . وكمثال على خطيئة في الوصف تأمل مايلي :
تحطمت طائرة مستأجرة أثناء رحلتها من هيوستن إلى مونتريال على الحدود بين الولايات المتحدة وكندا تماماً ، فنشأت قضية سياسية كبيرة بشأن السؤال التالي : في أي البلدين ينبغي أن يُدفَنَ الناجون ؟ معظم الناس يحتارون في اختيار البلد . وفي الحقيقة فإن القصة مختلقة للإيقاع بغير الحذرين : فالموتى هم الذين ينبغي أن يُدفنوا وليس الناجون . فالقصة تُظهر أننا خاملون عقلياً -عندما نعتبر أن الباقين هم الموتى- وهكذا فنحن لا نتعامل مع كلمة "الناجين" بعمقٍ كاف .وفي النشاطات اليومية نجد أن أخطاء الاختيار شائعة بصورة مماثلة . على سبيل المثال: 
"إنني أجهز لحفلة، ويعد أحد الأشخاص الكعكة والسلطة بحرص، ثم يضع الكعكة في البراد والسلطة بالفرن "  ويمكن لمثل هذا الالتباس غير المقصود أن يؤدي إلى أن تأكل شطيرة صديقك من صحنه الذي يشبه صحنك، أو أن تضع غطاء وعاء السكر على إبريق قهوة من نفس الحجم . فأحد تلاميذي المتخرجين عاد بعد تمرين من المضمار، وخلع قميص الرياضة المبلل بالعرق ورماه في المرحاض، ولم يكن هذا خطأ في التصويب . فسلة الغسيل التي كانت هدفه المقصود كانت في غرفة أخرى، "أخطاء التحريض والإطلاق : بعد اختيار الهدف، يمكن لعملية التنفيذ أن تفشل" . فبإمكاننا على سبيل المثال أن ننسى الهدف المبدئي بينما تكون بعض المخططات التي وجهها تسير في مجراها . فقد ذكر أحد الزملاء أنه قبل بدء العمل في مكتبه في البيت اتجه إلى غرفة نومه، ولكنه أدرك بعد أن وصل إليها بأنه قد نَسّيَ سبب ذهابه إلى هناك . وقال : "تابعت الذهاب إلى هناك آملاً أن يَذَكرني بشيء ما في غرفة النوم بذلك." ولكن لم يحدث شيء . وأخيراً عاد إلى مكتبه وأدرك أن نظارته كانت وسخة، فعاد إلى غرفة نومه بارتياح لجلب المنديل الذي يحتاجه لمسحها .
وهناك صنفٌ آخر حَلَلَّهُ وليام جيمس في كتابه الكلاسيكي عن علم النفس وذكر أنه عرف عن الأشخاص الشاردي الذهن جداً أنهم عندما يذهبون إلى غرف نومهم ليرتدوا ثيابهم من أجل حفلة العشاء يخلعون قطعة ثياب بعد أخرى ثم يدخلون فراشهم في نهاية الأمر، وذلك فقط لأن هذه هي الحالة المعتادة للحظات القليلة الأولى عندما تجري في ساعة متأخرة".
ومثل هذه الأخطاء التي تُدعى بأخطاء الاستحواذ تشكل واحداً من أكثر الأصناف جاذبية في حقل الأخطاء . فهي تعتمد على مبدأ بسيط : اقترب جداً من عادة متمكنة وسوف تستحوذ على سلوكك . ويذكر أحد الزملاء في انكلترا يقوم بدراسة الأخطاء أن أحدهم أخبره هذه القصة :
"أردت أن أُخرج سيارتي، ولكن عندما مررت عبر الرواق الخلفي في طريقي إلى المرآب توقفت، ولبست حذاء عالي الرقبة ومعطف العمل في الحديقة كما لو أنني ذاهب للعمل في الحديقة". بالطبع من السهل اكتشاف أخطائنا عندما تكون لها مثل هذه النتائج الواضحة . فبعض النتائج تتحقق بعد عدة دقائق من الحدث : على سبيل المثال عندما تضع مقبس إبريق القهوة في المأخذ الكهربائي في الصباح وتنسى القهوة، لا تعلم بهفوتك إلا عندما تبدأ بصب القهوة .
ويزداد احتمال الخطأ الإنساني عندما يكون هناك توتر . فَكرّ يالوضع الذي تكون فيه للأخطاء البريئة نتائج خطيرة كما لو في منشأة للطاقة الذرية مثلاً . فالطول الكلّي للوحات التحكم في هذه الأنظمة المعقدة قد يزيد على /100/ قدم، وتضم نحو /700/ أداة ومفتاح تحكم تتطلب فحصاً، أو صيانة من حين إلى آخر . إن الصعوبة في التحكم بالمفاعلات تكمن ببساطة في سوء تصميم الأجهزة ، وفي الحقيقة فإن الأجهزة الحديثة من كل الأنواع لا تأخذ الكائن البشري بالاعتبار، وفي مخبر الأبحاث الخاص بي نحاول أن نفهم الخواص الأساسية لعملية إعداد المعلومات البشرية، مع التأكيد على الكيفية التي يختار فيها الناس المهرة أعمالهم ويقومون بها-ثم يرتكبون هفواتهم . ورغم أن الدافع الأساسي للبحث نظري فإننا نشرك معه هدفاً فرعياً هاماً : هو إعطاء المصممين إرشادات من أجل تصميم أجهزة تعمل مع الناس وليس ضدهم . ونأمل أن نزيل أي آثار خطيرة للأخطاء فقط، بلّ أيضاً أن نجعل التفاعل الإنساني مع الآلات ممتعاً وفعّالاً وخلاقاً .
فكرّ بما يجب أن يفعله بائع في مجمع للبيع، فحتى من أجل عملية شراء بسيطة لابد من إدخال سلسلة من الأرقام في السجل النقدي في الكمبيوتر . ويُفترض أن هذه الأرقام تشكل عمل النظام المحاسبي، غير أن الأولويات مختلفة . فبدلاً من إجبار الناس على العمل مثل الآلات ولمصلحة الآلات، لماذا لا نجعل الأمر عكسياً ؟ إذ يمكن جعل الآلات تقوم بعملية الترجمة إلى الرموز المعقدة التي تتطلبها . فينبغي على السجل النقدي أن "يعرف" آلياً في أي مخزن هو موجود، وكل ما على البائع أن يضغط زراً لبيع "قميص"، وإذا كان الكمبيوتر يحتاج أن يعرف المزيد يمكن برمجته ليسأل عن أمور محددة يمكن للبائع عندها أن يزوده بها بالضغط على أزرار أخرى .
أما في الحوادث الصناعية والنووية وحوادث الطائرات فإن تحليلاتي تدّلُ على أن الجهاز هو الذي يخطئ في أغلب الأحيان وليس من يقوم بتشغيله . فالناس يرتكبون أخطاء كنتيجة ثانوية أساسية لنفس آلية إعداد المعلومات التي تنتج عبقريتهم العظيمة ومرونتهم، غير أن أجهزة اليوم تبدو مصممة أحياناً لكي تتسبب بنفس الأخطاء التي ينبغي استخدامها للحيلولة دونها .

* * *
 
هل ينبغي عليك أن ترى طبيباً مهنياً ؟
بقلم : لستر فيلي 

إذا كانت لديك ابنتان يافعتان ذكيتان، ولكنك لن تستطيع مادياً أن ترسل إلاّ واحدة منهما إلى الجامعة، فماذا تفعل ؟  بدا الجواب واضحاً بالنسبة إلى جون ماكنزي، وهو كهربائي . أُرسلْ الأكثر احتمالاً في أن تنجح . فلم تكن ابنته أليس قرب القمة في فصلها المتقدم في مدرستها الثانوية فقط، بل كانت المفضلة لدى المدرسين على حَدٍّ سواء . أما أختها التوأم الخجولة والمنعزلة بتي فسوف تذهب إلى مدرسة السكرتاريا .  لكن كانت لدى آل ماكنزي شكوك تؤرقهم ، فرغم أن بتي محجوبة بشخصية أختها إلا أنها كانت ضمن الربع المتفوق في صفها، وكانت خامة ممتازة للدراسة الجامعية أيضاً. وقد حمل آل ماكنزي شكوكهم إلى طبيب مهني، وهو واحد من فئة من المحترفين تتزايد بسرعة والذين يحملون شهادة في علم النفس، أو الاستشارة والتوجيه، وهم مدربون على تشخيص القدرة العقلية، والاستعدادات واحتمالات النجاح في الجامعة أو العمل . كما أنهم يتابعون عالم العمل المتغير بسرعة، ويعرفون أين توجد الفرص ويساعدون "زبائنهم" على اختيار الأعمال التي تناسبهم .
وقد وجد آل ماكنزي مستشارهم المهني في مركز الخدمات المهنية في مدينة نيويورك. وقد كشفت اختباراته بعض المفاجآت . أظهرت المقابلات الخاصة بأن التلميذة النجمة أليس لم تكن تهتم كثيراً فيما إذا كانت ستذهب إلى الجامعة أو مدرسة السكرتاريا، ولكنها لم تقل شيئاً إرضاءً لعائلتها . غير أن بتي كانت متحمسة لتوسيع آفاقها واستكشاف عالم الرياضيات والعلوم، ولم تقل شيئاً لعائلتها أيضاً لأنها ظنت أن  هذا لن يكون عدلاً في حق أختها ذات القدرات الظاهرية . وقد اختبر المستشار ذكاء الفتاتين وقدرتهما على المحاكمة واستيعابهما في القراءة واهتماماتهما . وكما كان متوقعاً حَلَّتْ أليس في المرتبة الفائقة أو ضمن العشرة بالمائة العليا لمن هم في سن السابعة عشرة . ولكن ما لم يكن متوقعاً هو أن بتي حلَّت في الاثنين بالمائة العليا . فضلاً عن ذلك، فإن بتي تفوقت مرة أخرى على أختها في الاختبار الذي تنبأ بأدائها المحتمل في الجامعة .
"كيف يمكن أن يكون الأمر على هذا النحو ؟" هذا ما أرادت الأم أن تعرفه . فالعلاقات المدرسية أظهرت بوضوح أن أليس متفوقة . وقد حمل "بيان مفصل عن شخصية" الفتاتين التفسير المحتمل، كما قال الطبيب : فقد كانت أليس واثقة من نفسها وحازمة . وهكذا، كما قال الطبيب، استجاب مدرسو أليس بشكل لا شعوري إلى تقويمها الإيجابي لذاتها ومنحوها علامات أعلى من بتي التي ليس لها ثقة بنفسها؛ وربما تخوفت بتي أيضاً من التنافس مع أختها المتفوقة ظاهرياً، وقد ساعدت المقابلات اللاحقة جميع آل ماكنزي على أن يدركوا بأن بتي تمتلك مواهبها واهتماماتها الخاصة، ويجب الاعتراف بهذه المواهب وتشجيعها . تشجعت بتي بسبب هذه النتائج فحققت علامات عالية جداً في الأشهر الأخيرة من سنتها النهائية حتى كادت أن تلحق بأختها، وتخرجت كلتاهما ضمن الستة الأوائل من صفهما . وأوصى المستشار بأنه "بدلاً من إرسال إحدى الفتاتين إلى الجامعة لمدة أربع سنوات، فلماذا لانرسل البنتين لمدة سنتين ونرى ما يحدث ؟" فنالت كلتا الفتاتين درجات شرف دراسية ،وحصلتا على منحة دراسية وفرت عليهما نقوداً . فمكثت كلتاهما أربع سنوات وتخرجتا في قسم الرياضيات ثم عملتا كمبرمجتي كمبيوتر في نفس الشركة، وكان دخل بتي ضعفي ما كانت ستحصل عليه تقريباً لو أنها عملت كسكرتيرة لمساعدة أبويها . هنا لم يساعد الطبيب المهني على حل مشكلة عائلية فقط، بل حقق الهدف الرئيسي للطبيب المهني . لقد ساعد زبونته ، بتي ماكنزي على مواجهة نفسها والإجابة على أسئلة مثل : من أنا ؟ وما هي الأدوات العقلية والعاطفية التي يجب أن أُهيئها ؟ وما هي المواهب والاهتمامات والطاقات ؟ 
إن مواجهة الإنسان لذاته هي الخطوة الأولى نحو اختيار وظيفة أو مهنة . وقد تحدد لمدة /45/ سنة ما إذا كنت تحب أو تكره عملك، وما إذا كنت جيداً أم سيئاً فيه .
تتطلب الخطوة التالية معرفة الفرص وكذلك المطبات الموجودة في عالم العمل المتغير . لقد خلقت التكنولوجيا والمعرفة الجديدتين نحو /6000/ نوع جديد من  الأعمال والمهن منذ 1949، في حين زالت بعض المهن القديمة . ويحتاج الأمر إلى اختصاصي من أجل تتبع المعلومات الوظيفية. 
وهكذا فإن مدارسنا العامة ضاعفت أكثر من مرة عدد العاملين في الاستشارة والتوجيه لديها منذ عام 1958 . وقد نشأت مراكز الاستشارة الجامعية لتقديم خدمات التوجيه المهني للطلاب وغير الطلاب على حدٍّ سواء، كما أن مركز الخدمات المهنية في نيويورك ومجموعات الكنائس والوكالات الطوعية الأخرى تعتبر الاستشارة المهنية كجزء هام من خدماتها الاجتماعية . ويقدم لك أقرب مركز توظيف حكومي لمنزلك الاستشارة الوظيفية مجاناً، كما أن جيشاً من الممارسين الخاصين يقدمونها مقابل أجر.
فمتى ينبغي أن ترى طبيباً مهنياً ؟
فيما مضى كانت الاستشارة مقصورة على تلاميذ المدارس الثانوية إلى حدٍّ كبير، والآن تصل حتى مستوى المدرسة الابتدائية هبوطاً وترتفع إلى مستوى الكبار . ويورد الدكتور ألبرت ثومبسون من جامعة كولومبيا ثلاث مراحل من التطور الشخصي يمكن للاستشارة المهنية أن تساعد فيها .
مرحلة النمو : كان بوبي، /12/ عاماً، في المرحلة الأولى، أو مرحلة النمو، عندما أخذته أمه إلى طبيب مهني لأن بوبي-كما قالت، وهي تبكي-كان "متخلفاً" . وفي الواقع تصرف بوبي وكأنه متخلف، فقد كان جامد الشعور وهياب، وقال إنه يكره المدرسة ويفضل أن يلعب مع أطفال أصغر منه بعدة سنوات . علم الطبيب أن علامات بوبي كانت مرضية حتى الصف الخامس، ثم حدث أن أحد زملاء بوبي قرأ معدل ذكائه في مكتب المدرسة وعيَّرَه بأنه "غبي"، فأصبح بوبي مهملاً وأدى واجباته المدرسية بشكل أقل فَوضِعَ في صف للطلبة بطيئي التعلم حيث لم يكد يحصل على أكثر من علامات النجاح، وبدأ والد بوبي، وهو بائع، ينعته أيضاً بأنه غبي . اكتشف الطبيب المهني من مدرسة بوبي أن الصبي قد سجل /78/ أو "الحد الفاصل" في مجموعة اختبارية لمعدل الذكاء اعتمدت بشكل كامل على إجابات مكتوبة . فأجرى الطبيب المهني لبوبي اختبار "مقياس الذكاء للصغار"، وهذا يُجرى على أساس فردي ويشمل إجابات مكتوبة، وكذلك شفهية . فسجل بوبي /110/، وهذا معدل عال بالنسبة لسنه؛ وقد أعطى اختبار الاستيعاب في القراءة دليلاً على النتيجة السيئة التي حَصّلها الصبي في اختبار الذكاء في المدرسة . فلديه عجزٌ حاد في القراءة . وكشفت اختبارات الاستعداد والاهتمام أن لدى بوبي، في المهارة اليدوية والقدرة العددية ونشاطات وقت الفراغ (يشغل بوبي نفسه بالعمل في الأجهزة الكهربائية) استعداداً واهتماماً مماثلين لتلك المستخدمة في الأعمال الكهربائية والميكانيكية .
بعد أن عرف قدرته الحقيقية تفتحت مدارك بوبي . وهو يسير بشكل حسن الآن في دراساته وفي عمله المخبري .
الاستكشاف : في سن العشرين كان فرانك، وهو طالب جامعي في الصف المتقدم في المرحلة "الاستكشافية"، يتلمس الطريق للحصول على مهنة - وقد ذهب إلى مستشار المركز الجامعي حاملاً مشكلته، وكان قد جرب اتباع دورة في مرحلة ما قبل الطب، وكانت نتائجه متوسطة . وبعدها اتبع فرانك دورات في الصحافة عندما أخبره أحد الأساتذه أن بوسعه الكتابة، ولكنه، ومع اقتراب موعد تخرجه، لم يكن متأكداً إن كان على الطريق الصحيح .
حَلَّ فرانك في اختبار للذكاء في العام ضمن الأربعة بالمائة العليا في زمرته العمرية . ولكن في المجالات التي ينبغي أن يتفوق بها الكاتب المحتمل-في الاستيعاب عند القراءة، وفي المفردات وتركيب الجملة والقدرات القواعدية؛كان بمستوى متوسط فقط . كما أنه لم يكن جيداً في العلوم .
وهكذا فإن فرانك كان يؤكد على السلبي -أي نقطة ضعفه- باختياره الطب أو الصحافة، كما أنه كان يهمل الإيجابي . وقد أظهرت الاختبارات أنه كان ضمن فئة الواحد بالمائة العليا من طلاب المرحلة المتقدمة في الجامعة في الاستعدادات الرياضية؛ وقد سجل مرتبة متفوقة في فهم التجارة والأعمال، وأظهر اختباراً  لقدرته على الإشراف أن معدله /2 وعلى الرغم من نقص خبرته في مثل هذا العمل، كان بمستوى الثالث من الأعلى بين أولئك الذين يعملون بالفعل كمدراء إدارة أو قسم .
وقد تبين أن فرانك يمتلك موهبة في المحاسبة، وفي العمل في شؤون الموظفين وفي الإدارة؛ وهي مجالات لم يكن قد فكر بها . وقد حول فرانك جهوده الآن نحو مهنة في مجال الأعمال .
التأسيس : رغم أن معظم أولئك الذين يحصلون على مساعدات استشارية هم في مرحلتي النمو والاستكشاف، فإن الكثيرين يحتاجون إلى هذه المساعدة أثناء مرحلة النضج المبكرة، أو مرحلة "التأسيس"، بعد أن يكون أحدهم قد اختار مهنته مسبقاً  .
لقد سار آلان، /28/ سنة، بشكلٍ جيد في كلية الهندسة، ولكنه لم يستطع أن يمارس مهنة هندسية . لقد كان قلقاً ومحبطاً عندما جاء لرؤية طبيب مهني في مؤسسة طوعية، وقال إنه خجل لكونه فاشلاً وإنه يائس من المستقبل .  لقد سجل آلان نتيجة عالية في اختبار الذكاء، ولكن مستواه لم يكن عالياً في "إدراك المساحات" كالقدرة على تصور شكل واقعي من رسم أمامه، وكذلك في معايير الاستعدادات الهندسية الأخرى؛ ولم تكن اهتماماته هندسية أيضاً، بل كانت اهتمامات بائع، وكانت لديه المهارات اللفظية وشخصية منفتحة تتلاءم مع هذا الاهتمام . وكان اقتراح الطبيب المهني لآلان : "اربط بين تدريبك التقني واستعدادك للبيع، وجرب مهنة جديدة كبائع للأدوات التقنية ." وسرعان ما حصل آلان على عمل كمهندس مبيعات ، وكانت لديه خلفية تقنية كافية تساعده على شرح الأجهزة للزبائن، وقبل مضي وقت طويل أصبح يكسب أكثر مما كان يفعل في عمله الهندسي الذي تركه .
أي نوع من الطبيب المهني يستطيع أن يساعدك أو يساعد طفلك أكثر ؟
قد يعتمد الجواب على قدرتك على دفع أجر، وعلى توفر هذه الخدمات . فربما يكون على مسافة يمكن قطعها بالنقل العام من منزلك وأحد من مكاتب خدمات التوظيف الحكومية البالغ عددها نحو /2000/ مكتب تُدار على أنها مكتب في الحي من قبل ولايتك ، وتُمَّول على حساب الضرائب الإتحادية . فقد بدأت التشريعات الحديثة تحول مثل هذه المكاتب إلى شبكة من وكالات الاستشارة إضافة إلى كونها توظيف . ولدى العديد من الجامعات والكليات مراكز اختبار واستشارة تقدم خدماتها لغير الطلاب مقابل أجر يصل حتى /200/ دولار . على سبيل المثال : لدى مركز الاستشارة والموارد في كلية التعليم المستمر في جامعة نيويورك جهاز من /15/ اختصاصياً يقدمون خدمات لطلاب الجامعة ، "والناس الذين لديهم متاعب وظيفية أو تعليمية" من سن السابعة عشرة وما فوق ، وبعد إجراء اختبار موحد، تجرى للزبون سلسلة من المقابلات مع أحد المستشارين .
قالت لي القائمة بأعمال مدير المركز، ليتيتيا تشامبرلين  "يعرف الزبون الى ما يمكنه أن يطمح بشكل معقول . فهو لا يعرف فقط المجال الذي لديه استعدادات واهتمامات فيه -وليكن الطب- فقط، بل إلى مستوى يمكن أن يرقى : وسواء أكان ينبغي عليه أن يهدف إلى أن يكون طبيباً، أم اختصاصي علاج فيزيائي، أم فني مخبر ".ورغم أن معظم الأشخاص البالغ عدد هم /1500/ والذين يختبرهم المركز ، ويقدم لهم الاستشارة كل عام هم من طلاب الجامعة. فإن عدداً يبلغ ما بين /30/ و /40/ شخصاً يأتي للحصول على إرشادات تناسب العمر المتوسط .
فشيرلي، وهي ممثلة صاعدة في شارع برودوي والتلفزيون، اعتقدت وهي في سن /36/ سنة أن الوقت قد حان لكي تتحول إلى مهنة تمنحها دخلاً أكثر استقراراً، ومستقبلاً أكثر أماناً، وهكذا قررت أن تستشير طبيباً مهنياً . لقد كانت امرأة وسيمة تتمتع بطلّة مهنية، وتحمل شهادة جامعية، وقد سجلت في اختبار الذكاء المتفوق وفي تمكنها من اللغة الإنكليزية والقواعد نتيجة مساوية لنتيجة العشرة بالمائة العليا من طلاب الصفوف المتقدمة في الجامعة . وقد ذكر الطبيب المهني في تقريره أن شيرلي لديها موهبة "للعلاقات العامة والمبيعات والإعلان" . وكانت الوظيفة التي استقرت فيها تجمع هذه الثلاثة، فقد أصبحت مندوبة ميدانية لشركة مواد تجميل مهمتها عرض المنتجات الجديدة على الموزعين . وقد كتبت شيرلي إلى طبيبها المهني : "لقد أعطتني نتائج الاختبار الشجاعة في قناعاتي،  وأنا متأكدة بأنك تدرك كم هذا مهم في مثل سني، وبخاصة وأنا أقدم قدراتي الكامنة إلى رب عمل،  ولا أقدم عملاً مجرباً " . 
ويطرح خبراء الإرشاد هذه النقاط : 
إن اختبار الاستعداد ليس وحده دليلاً مهنياً. فمثل أي صورة بأشعة إكس لابد من تفسيره من قبل اختصاصي . لا تأت لطلب الإرشاد في أوقات الأزمات فقط بعد أن تكون قد تركت المدرسة الثانوية أو الجامعة أو فقدت وظائف متتالية . تعال في أوقات اتخاذ القرار : عندما يكون من الضروري أن تختار بين دورة مهنية أو أكاديمية في المدرسة الثانوية، أو عندما يجب عليك أن تقرر بالنسبة لموضوع الدراسة الرئيسي في الجامعة وما إلى ذلك .
والوضع المثالي هو أن مستشار المدرسة الإعدادية والثانوية ينبغي أن يكون طبيباً مهنياً يمكنه أن يقدم أقصى ما يمكن لطفلك، فلديه نتائج الاختبارات والدرجات المدرسية ومعلومات المدرس منذ كان طفلك في أول أيامه المدرسية . بخلاف المستشار في المركز الجامعي أو الوكالة الطوعية الذي يتعامل مع زبون لفترة قصيرة، فإن مستشار المدرسة يشارك في التطور المستمر للطفل .
ومن أجل مساعدة الأبوين على الحصول على أقصى ما يمكن من مستشاري المدارس تقترح إدارة التعليم في مينيسوتا قائلة : لا تصب جام غضبك على المستشار إذا ما نصح ابنك الذي ترى أنه خامة مهندس، بترك الرياضيات ومتابعة مناهج تجارية بدلاً  عنها . فالمستشار، المتحرر من العواطف التي يغلف بها الأبوان أحكامهما، يقدم تقويماً موضوعياً.
فهل ينبغي عليك أن ترى طبيباً مهنياً ؟ إذا كنت في شكٍ ؟ الجواب ، نعم .

* * *
 
يمكنك التوقف عن التسويف
بقلم : نورمان فنسنت بيل(دكتوراه في اللاهوت)

أفضل قرارات رأس السنة الجديدة التي نجحت في الحفاظ عليها مردوداً كان القرار الذي اتخذته من سنوات خَلَت : الامتناع عن التسويف . ففي ذلك الوقت كنت من المسوفين الموصوفين، فكنت أكره اتخاذ القرارات، وأتجنب المهام الصعبة أو غير الممتعة . وكلما أصبح الضغط أو الالتزام أكثر إلحاحاً كلما مِلتُ إلى تأجيل مواجهته . لقد كنت في خطر محقق من أن أغرق كلية . وقد احتاج الأمر بضع كلمات من صديق حصيف ليجعلني أرى المشكلة بوضوح، فقد قال : "نورمان، يبدو أنك تظن أن التسويف هذا جزء من تكوين شخصيتك، أو أنه ربما كان مرضاً عصياً على الشفاء . حَسَنٌ، إنه ليس أيّا من هذين . إنه عادة سيئة، ومثل كل العادات يمكن تغييره فمن الأفضل لك أن تحطم هذه العادة قبل أن تحطمك !"  لقد تغلغل ذلك التحذير في داخلي ، فصممت على أن أتابع المشكلة إلى أن أهزمها. وفي خلال العملية توصلت إلى بعض الخطوط التوجيهية التي قد يجدها أي مسوف مزمن مفيدة . وإليكها :
- توقف عن اعتبار التسويف كعائق صغير غير ضار . فرجال الأعمال يفشلون لأنهم يؤجلون اتخاذ قرارات هامة ؛ وأحياناً تنهار الزيجات لأن الزوجة لا تبدو قادرة على تجاوز مشكلة غسل الأطباق أو ترتيب الأسرة . ويموت الناس لأنهم يؤجلون الذهاب إلى الطبيب . فالتسويف ليس مجرد عادة سيئة دون عواقب، إنه شرير يمكنه أن يعترض سبيل طموحاتك ، ويحطم سعادتك وحتى يقتلك .
- اختر مجالاً محدداً واحداً يقلقك التسويف فيه، وقم بالتخلص منه . فكثيراً ما تصلني طلبات لمواعيد أُلقي فيها خطابات، وأعرف أنني لا أستطيع أن أقبلها . ولكنني أكره أن أخذل الناس، واعتدت أن أؤجل مثل هذه القرارات- إلى أن يكون قد فات أوان التراجع. وعندما أرغمت نفسي في نهاية الأمر على اتخاذ قرار حازم وبسرعة أصبحت شخصاً أكثر سعادة- وكذلك أصبح الناس الذين عليهم أن يتعاملوا معي . فإذا كنت تستطيع تحطيم القبضة التي يحكمها التسويف على إحدى قطاعات حياتك فإن إحساس الارتياح والانتصار سوف يساعدك على التخلص منه في القطاعات الأخرى .
- تعلم أن تحدد أولويات، ثم ركز على مشكلة واحدة في كل مرة . إن الفوضى والتسويف يسيران جنباً إلى جنب لأن كلاً منهما يعزز الآخر . فالرجل الذي لديه عشرة أنواع من الأعمال غير المنتهية على طاولته يهدر جزءاً هاماً من قدرته على اتخاذ القرارات لمجرد محاولته الاختيار بينها . والزوجة التي لديها عشرة أعمال روتينية تركت دون إنجاز يحتمل أن تشعر بضغط كبير، وقد تستسلم بيأس، وتراقب فقاعات الصابون بدلاً من إنجاز أي منها . غير أننا نتعلم أنه ليس هناك التزامات ، وليست هناك مهمتان متساوية في الأهمية . وكثيراً ما كنت أُجهد نفسي، في أيام التسويف، بأمور اختيارية أو هامشية، وأُهمل الأمور الجوهرية . ولكن الأمر لم يعد كذلك . لأنني تعلمت أن أُحدد الأولويات .
وأفعل ذلك من خلال كتابة ملاحظات لنفسي طوال اليوم عن الأمور التي ينبغي أن أوليها عنايتي في اليوم التالي ، ثم أقوم في الليل بوضع قائمة بكل هذه البنود حسب الترتيب التنازلي لأهميتها؛ وأستطيع بتلك الطريقة أن أتناولها حسب ترتيبها في اليوم التالي، وأقوم بمرح بشطب كل واحدة عندما أنجزها .
قد يبدو هذا بدائياً ولكن من المدهش كم من الوقت والجهد توفر من خلال إتمام أحد الأعمال قبل الانتقال إلى الآخر . غير أن عليك أن تصمم على ألاّ تجعل الملهيات تتدخل في عملك ، وأضطر أحياناً أن أتكلم بجفاء مع نفسي : "عليك أن تجلس في هذا الكرسي إلى أن تنهي العمل الذي بين يديك ."
    وبعد أن يقبل العقل المبدأ فإن القوة المطلوبة سوف تتدفق . وفوق كل شيء من الضروري أن تركز . ففي أحد الأيام في المحطة المركزية الكبرى وقفت أراقب الرجل الجالس خلف مكتب الاستعلامات ، فقد ازدحم الناس حوله يحدثون ضجيجاً ، ويطلبون ولكنه لم يرتبك أبداً ، فكان يختار أحد الأشخاص وينظر إليه مباشرة ويجيب على سؤاله ببطء وتأن ، ولم يحول عينه عنه أبداً، ولم يعط أدنى اهتمام لأي شخص آخر حتى ينتهي منه ويختار السائل التالي . وعندما جاء دوري امتدحت موقفه وتركيزه، فابتسم، وقال : "لقد تعلمت ان أركز على شخص واحد في كل مرة، وأبقى مع مشكلته إلى أن أُسّويها . وإلآّ  سأصاب بالجنون ".
إنه درس يمكن لكل المسوفين أن يفكروا فيه بشكلٍ مفيد .
- ضَعّ لنفسك موعداً نهائياً . أنا لا أعني مواعيد نهائية سرية من السهل تجاهلها، بل مواعيد نهائية يعرف بها أناس آخرون (حماتك على سبيل المثال) ويتوقعون منك تنفيذها. ادع زوجين مثلاً  معجبين بتلك الغرفة التي تنوي طلاءها، وستجعلك كبرياؤك تنجزها قبل أن يأتيا . فمن الأصعب بكثير ان تكون مسوفاً معلناً من أن تكون مسوفاً في الخفاء .
- لا تتفادى المشاكل الأصعب . إن القيام بذلك قد يكون تصرفاً بشرياً، ولكنه لن يؤدي في النهاية إلا إلى مصاعب كبيرة . فمنذ سنوات مضت غالباً ما كنت أجلس وأمامي كومة من الرسائل ، فإذا كانت الرسالة الأولى تتضمن مشكلة شائكة بشكل خاص كنت أُلقيها جانباً، وأبحث عن واحدة سهلة لأرد عليها . والنتيجة : سرعان ما كان يصبح لدي حقيبتا بريد أو ثلاث ملأى بالرسائل التي لم أرد عليها . سيكون علي أن أبذل جهداً محموماً وأن أعمل إلى وقت متأخر من الليل في محاولة منهكة لتعويض ما فات.
وفي أحد الأيام قال لي الطبيب النفسي سمايلي بلانتون : "إنك ترتكب غلطة، لا تتفاد الرسائل الصعبة، عالجها مباشرة . والحيوية التي ستنالها ستساعدك على إنجاز باقي المهمة". فجربت ذلك - وكان على حق .  تغرق العائلات أحياناً في ديون خطيرة لأنها تؤجل الفواتير حتى تبدو المبالغ المستحقة مستحيلة السداد، عندما تتوقف عن الدفع كلية . ولكن عندما يتبنون، بمساعدة خبير، خطة منهجية طويلة الأمد لدفع ديونهم، يجدون أنهم يتمكنون من التخلص من الجمود الذي سيطر عليهم ويبدؤون بالتحرك نحو الأمام ثانية . 
- لا تدع نزعة الكمال تَشلّك . يعجز العديد من الناس عن العمل لأنهم يخشون أنهم قد لا يؤدونه بشكل كامل . فمنذ بضعة أيام قالت امرأة لي : "إنني أنوي كتابة رسالة إلى صديقة مات زوجها، ولكنني لا أعرف كيف أكتب رسالة مواساة، ولا أعرف كيف اعبر عما أشعر به ." فسألتها : "كيف تشعرين ؟" فقالت : "أشعر بأسف عميق . فقد كنت أفكر بتلك المرأة وأصلي من أجلها وأحبها ."
فدونتُ كلماتها على قطعة ورق وأعطيتها لها ، وقلت لها : "هذا ما عليك ان تقوليه . فصديقتك لا تحتاج إلى مقالة أدبية، إنها تريد فقط بضع كلمات من القلب ." هذه إذن، بعض النصائح التي استخدمتها لتخليص نفسي من غول التسويف . وما أدت إليه في نهاية الأمر كان تغييراً أساسياً في موقفي . فقد أدركت في نهاية المطاف أن مكافآت الإنجاز أحلى بكثير من مكافآت إطلاق العنان للأهواء .
انظر حولك وسوف توافق على أن الناس السعداء حقاً هم أولئك الذين حطموا سلاسل التسويف، أولئك الذين وجدوا الرضا في أداء العمل المطروح أمامهم . إنهم مفعمون بالرغبة والحماس والقدرة على الإنتاج ، وتستطيع أن تكون كذلك أيضاً .

* * *
 
كيف تكون أفضل صديق لنفسك
بقلم : ملدرد نيومان وبرنارد بيركوتيز مع جين أوين

سؤال : يقول الناس إنهم يريدون السعادة . وكل فرد يبحث عنها بإلحاح؛ ولكنها تبدو حلماً مستحيلاً بالنسبة للكثيرين . فما الخطأ الذي نرتكبه ؟
جواب : إن الأمر ليس بذلك السوء ، فهناك العديد من الناس يمضون حياتهم بشكل ممتع، ولكنهم لا يتحدثون عن ذلك كثيراً، فهم مشغولون في ممارسة ذلك . غير أنه من الصحيح أن أناساً قليلين جداً لديهم إحساس بالمتعة في حياتهم اليومية ، والقليلون جداً قد أتقنوا فن السعادة .
سؤال : أنت تسميه فَناً ، فهل تعتقد أن بالإمكان تعلمه مثل الرقص، أو صنع الأدوات الفخارية ؟. فأنا أعتقد أنك تكون سعيداً أو لا تكون؛ ولا أرى كيف تستطيع أن تصنع السعادة .
جواب : بمعنى ما، ذلك صحيح . ولكن الطريقة التي تطرحينها بها هي جزء من المشكلة التي يواجهها معظم الناس في بحثهم عن السعادة . فهم يتوقعون أن تهبط السعادة عليهم، فهم لايرونها كشيء عليهم أن يفعلوه . فالناس يبذلون جهوداً كبيرة لكي يتعلموا اللغة الفرنسية أو الفيزياء أو كيفية تشغيل سيارة، ولكنهم لن يزعجوا أنفسهم بتعلم كيفية إدارة أنفسهم .
سؤال : تجعل الأمر يبدو وكأننا ينبغي أن نكون واقفين عند جهاز تحكمنا الخاص ونضغط الأزرار . ألا ينبغي أن يكون العيش أكثر طبيعية من ذلك ؟ 
جواب : أول شيء هو أن ندرك بأننا ربما كنا نبحث عن السعادة في المكان الخطأ . فالمصدر ليس خارج أنفسنا، إنه في داخلها . ومعظمنا لم نبدأ في استخراج مكامن السعادة لدينا . ويبدو الأمر كما لو أننا ننتظر الإذن لكي نبدأ بالعيش بكليتنا، ولكن الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يمنحنا ذلك الإذن هو أنفسنا . يجب علينا أن ندرك أننا مسؤولون عن الوقت الطيب الذي نقضيه .
سؤال : إذا كان الأمر يعود إلينا، وإذا كان بإمكاننا أن نضغط على مفتاح سحري لتشغيل سعادتنا، فلماذا إذن، لا يفعل ذلك كل فرد ؟
جواب : ليس هناك مفتاح سحري، ولكن هناك موقفاً . فتحمل مسؤولية حياتنا يعني إحداث تغيير عميق في الطريقة التي نقارب فيها كل شيء . لسوء الحظ، نحن نفعل كل شيء نستطيعه لتجنب هذا التغيير وهذه المسؤولية،  بل نفضل بالأحرى أن نلوم شخصاً آخر لأنه جعلنا نشعر بالتعاسة بدلاً من أن نتخذ الخطوات التي تجعلنا نشعر بتحسن؛ حتى أننا نتحدث عن مشاعرنا الخاصة كما لو كنا مخلوقات عاجزة تطغى عليها قوى غامضة . 
سؤال : لكن المشاعر تأتي وتروح، وفي معظم الأحيان لا تعرف لماذا؟. فإذا كنت غاضباً أو منزعجاً من أمر ما، فلا يمكنني أن أمنع نفسي من الانزعاج ببساطة، وإذا كان أمر ما قد حدث ليؤذيني؛ أليس لي الحق في أن أشعر بالأذى ؟
جواب : بالتأكيد . ولكن الناس يتمسكون في أغلب الأحيان بالمشاعر المزعجة . ودون أن يدركوا ذلك يفعلون أشياء تجعلهم يحسون بالاستياء، ثم يقولون : "لم أستطع أن أسيطر على نفسي" . وما يعنيه معظم الناس هو "أنني لم أساعد نفسي". إننا نستطيع أن نساعد أنفسنا .
سؤال : كيف ؟
جواب : أولاً، عليك أن تتخذ قرارات أساسية جداً : هل تريد أن ترفع نفسك، أم تنزل من قدر نفسك ؟ هل أنت مع نفسك، أم ضدَّ نفسك ؟ (قد تبدو هذه أسئلة غريبة، ولكن بعض الناس هم عملياً أسوأ أعداء لأنفسهم). فإذا ما قررت بأنك تريد ان تساعد نفسك، تستطيع أن تختار فعل الأشياء التي تجعلك تشعر بإحساس جيد عن نفسك بدلاً من الأمور التي تجعلك تحسُّ بالتعاسة . لماذا ينبغي لك أن تفعل ما يسبب لك الألم عندما يكون من السهل تماماً أن تمنح نفسك السرور ؟
سؤال : هل يمكنك أن تكون أكثر دقة ؟.
معرفتك الخاصة هي أحد الأمور . على سبيل المثال، عندما تفعل شيئاً تكون فخوراً به توقف عنده قليلاً، وامتدح نفسك عليه، واستمتع بهذا الإحساس . فالأمر يعود إلينا لكي نمنح أنفسنا الاعتراف . 
فلماذا نتذكر الهزائم ونتوقف عندها بدلاً من أن نفعل ذلك مع الانتصارات ؟
  إن العديد من الناس واقعين تحت تأثير نوع من التنويم الذاتي السلبي، فهم يصنعون نعوتاً لأنفسهم، فيقولون : إنني (أ) شخص رديء (ب)، وأقوم بأمور فظيعة على الدوام (ج)، ولا يمكنني أن أقوم بعملٍ أفضل . وبدلاً من إقناع أنفسنا سلفاً بأن شيئاً ما نريد عمله، ينبغي أن نصرف تلك الجهود على البحث عن طريقة للقيام به . علينا أن نشجع أنفسنا.  فأنت لا تستطيع أن تفعل أي شيء إذا ما اعتقدت أنك لا تستطيع . 
         والأمر الأساسي الآخر هو أن تحقق توقعاتك الخاصة . فإذا كان لديك عمل تقوم به تعرضت إلى إغراء للتخلي عنه. اسأل نفسك كيف سيكون شعورك لو أجلته؟. وإذا ما أحسست أنك ستكون مشمئزاً قليلاً، تابع ونفذ العمل، ودع نفسك تستطيب الإحساس بتنفيذه، والإحساس بأنك سيد نفسك . إن هذا مبهج جداً .
إن القيام بما يجعلك تحسّ إحساساً طيباً بنفسك ليس انغماساً في إرضاء الذات . إنه لا يعني إرضاء جزء منفصل منك . إنه يعني إرضاء ذاتك بكاملها، ويتضمن هذا المشاعر والروابط والمسؤوليات تجاه الآخرين .
فإذا كنا لا نستطيع أن نحب أنفسنا، فمن أين نستمد حبنا لأي شخص آخر ؟
إن الحب تأكيد للكائن الحي المتنامي فينا جميعاً ؛ فإذا لم تكن تملكه لا تستطيع أن تعطيه .
سؤال : غير أن الكثيرين منا يفضلون أن يفعلوا أي شيء تقريباً بدلاً من تغيير عاداتنا .
جواب : بالتأكيد، فالتخلص من العادات يحتاج إلى الكثير من المثابرة، فلا يكفي أن تريد التغيير فقط . يجب أن تريد الإرادة حتى وأنت لا تريدها ، وعليك أن تراقب ما تفعله . وفي كل مرة تجد أنك تخذل نفسك . توقف مباشرة وتحول إلى الإعلاء من شأن نفسك . ويحتاج الأمر إلى واقعية أيضاً ؛ فغالباً ما يريد الناس أن يكونوا كاملين وتُثبط همتهم عندما لا يصبحون كذلك . فعليهم أن يتخلوا عن ذلك . فالكمال ليس للكائنات البشرية.  والحكم على نفسك بمعايير ما فوق بشرية هو طريقة أخرى لإساءة معاملة نفسك وذريعة جيدة للاستسلام . لا تحكم على نفسك إطلاقاً، إقبل نفسك وتحرك على هذا الأساس .
سؤال : وما هو الشيء الآخر الذي يمكنني عمله ؟
جواب : يجب أن تتعلم أيضاً أن تتحدث مع نفسك . فعليك أن توضح الأمور من أجل إعادة تطمين نفسك . وهذا يمكن أن يساعدك لتجاوز كافة أنواع المواقف الصعبة . فعندما يتحرك الطفل في الداخل نزوعاً إلى الأذى، يمكنك ان تتوقف وتناقشه أولاً، وتستطيع أن تقول لا . في البداية يكون الأمر صعباً، ولكنه يصبح أسهل . ولكن عندما يسيء الطفل التصرف في داخلك ، فلا تعاقب نفسك ، سامح الطفل . فمعظم الأمور التي تستاء منها لم تكن بداية سيئة . فغالباً نتابع القيام بأمور ضد أنفسنا لنبرهن فقط أننا ذلك الشخص السيئ الذين تخيلناه كأطفال : أننا هو . وكل المساعدة الودية التي تمنحها لطفل تستطيع أن تمنحها لنفسك . فعندما تعرف طفلاً ما بشكل جيد يصبح لديك إحساس حول متى تمارس الضغط عليه، ومتى تواسيه، ومتى تدعه وشأنه؛ وإذا ما عرفت الطفل في داخلك تستطيع أن تكون ذلك الإحساس بالنسبة لنفسك . وهكذا عانق الطفل في ذاتك وتصادق معه ، فهذا يعطيك احتياطياً من القوة تلجأ إليه عند الحاجة .
* * *
 
نَظّمْ  هُمومَك
بقلم : جويس ليوبولد 

لسنوات عديدة وأنا مجرد محارب عادي يدور كالرحى، مثل أي شخص آخر .  فليس لدي خطة أو تنظيم، التقط هماً هنا، وأترك هماً هناك دون أن أصل إلى أي حل فيما يتعلق بالهموم . فقد أتجه إلى البقالية على سبيل المثال، وذهني صاف كالجرس، وكلي استعداد لكي انغمس في تلك القرارات المخادعة حول ما إذا كنت سأشتري عبوة من الحجم الاقتصادي الكبير بمبلغ 1.99 دولاراً من حجم التوفير الضخم بسعر /3/ دولارات للعبوتين . لكن السيارة قد تبدأ صفيراً مزعجاً حالما أنطلق بها، مما يجعلني أفكر بكلفة سيارة جديدة (عالية)؛ وحالة حسابي المصرفي (منخفض) . والتفكير بالسيارات سوف يسبب لي قلقاً حول مشكلة التلوث، مما سيقودني إلى القلق حول نوع العالم الذي سوف نتركه لصغارنا ، وبالوقت الذي أصل فيه إلى المخزن أكون لا أكاد أتذكر السبب الذي جثت من أجله، وأفقد قدرتي حتى على تقسيم /48/ سنتاً على /16/ أوقية من البندورة.
إننا نعيش لنواجه الأمر بصراحة، في العصر الذهبي للقلق، فالقلق في كل مكان في هذه الأيام، وهو يتراكم باستمرار؛  إنه قلق مجسم غير بيولوجي، ويمكن تفتيته إلى درجة أن معظم الناس يمكن أن يتخلصوا منه . إنه نوع من التلوث العقلي وكلنا يظهر علينا هذا التوتر . ولكنني بعدئذٍ بدأت أكتشف في أحد الأيام أنه مثلما يجد خبراء التلوث طرقاً لتحويل النفايات إلى ثروة، يمكنني أن أحول قلقي إلى عمل . فبن فرانكلين  كما نعلم،  وجد قدرة كهربائية في نهاية خيط طيارة ورقية . وجيمس واط رأى قوة بخار في إبريق القهوة الخاصة بأمه . ولذا ليس هناك أمر غير عادي في إيجاد قوة قلق في أنواع الهموم المتناثرة في المنزل ، وإليكم ما تعلمته :
- ركزّ شعورك بالقلق . فقوة القلق، مثل قوة البخار لا تعمل إلا إذا وضعت عليها غطاء. وقد اكتشفت هذا بالصدفة في اليوم الذي حصل فيه ولدي الأكبر على رخصة قيادة، لقد كنت قد قضيت صيفاً مفعماً يأنواع الهموم . فمن وضع العالم إلى فترة الجفاف إلى الصوت الغريب الصادر عن غسالتي ، إلى آلام ضرس ابنتي الصغيرة ، وتضخم محيط خصر زوجي. ولذا لم يكن لدي الوقت لأحسّ بالقلق حول شروع ابني في قيادة السيارة. ولذا لم يداهمني القلق إلا عندما حل فرامل السيارة حيث جلس طفلي البالغ طوله ستة أقدام إلى المقود ، ووالده بجانبه ؛ لقد داهمني القلق دفعة واحدة . إنه أشبه بانفجار إبريق الشاي الذي كان يراقبه واط .
    عدّتُ إلى البيت لأبدأ بقضاء  شؤوني الروتينية ، وقد ركزت بقوة على تعطل الفرامل وانفجار إطارات السيارات والأمور الأخرى التي يمكن أن تحدث ، وقبل أن انتهي من استعراضها كلها كنت قد انتهيت من تلميع وتشميع أرض الغرف، وبعدها بدأت، وأنا متوترة باستعراض حوادث السيارات التي سمعت أو قرأت عنها بينما كنت أقوم بتنظيف ثلاث خزائن وأدراج مكتب زوجي، ثم تحول تفكيري إلى مخاطر خاصة مثل السائقين المخمورين ، وما تسببه القاطرات والمقطورات من أضرار والبقع المتجلدة على الطرقات . (لقد كان الوقت صيفاً ولكن القلق لا يعرف منطقاً) . وعندما عادا كان منزلي نظيفاً تماماً-دون أن يكون في ذاكرتي إطلاقاً أي شيء عن كيفية قيامي بالعمل . 
قال زوجي بشكل طبيعي :"إنه سيكون سائقاً جيداً ؛ إنّ لديه الإحساس بذلك". ثم تطلع حوله وقال: "إن البيت رائع ، ما الذي دفعك الى القيام بهذا الجهد ؟" إنها قوة القلق ! إنها أكبر مساعدة لربة المنزل . 
- اقلق بشكل إبداعي : إن القلق لن يؤدي بالضرورة إلى تحديد جبهتك وإنهاكك . فإذا ما اُستخدم القلق بإبداع يمكنه أن ينعشك ويعيد لك قوتك . لقد قام زوجي برحلة بالطائرة مؤخراً . وكان يمكن لشخص عادي أحمق يسيطر عليه القلق أن يجلس متصلباً طوال الرحلة يصغي إلى الجدل الصاخب داخل دماغه : "هذه الطائرة سوف تتحطم 00 لا تكن سخيفاً، بالطبع لن تتحطم00" إن هذا ما سيحدث00" ولكن زوجي، وهو سيد الإحساس بالقلق بشكل إبداعي، عالج الأمر بطريقة مختلفة .
فحتى قبل أن تقلع الطائرة حدد مكان مسمار ربط كبير اعتقد بسهولة أنه يُثَبت كامل الجناح بقوة . ولم يكن من الصعب تخيل انحلال الصواميل ودخولها في المحرك النفاث مما يؤدي إلى تحطيم الطائرة في البحر .(لقد كانت الرحلة بكاملها فوق البر، مما يبين كم كان ذهنه خالياً) . ومثل هذه الحالة الطارئة سوف تحتاج إلى قيام مسافر شجاع سريع البديهة  بفتح باب الطوارىء منقذاً بذلك حياة جميع الركاب، ويحظى بعرفان المضيفة الودودة التي سوف يطفو معها بارتياح، عندئذ في طوق نجاة يتسع لاثنين فقط إلى أن - أحسَّ ،  أن هبطت تلك الطائرة في توليدو . 
إننا إذا ما استطعنا أن ننأى بأنفسنا عن نمط "كلا لن يحدث ... نعم سيحدث"، فإن القلق الخلاق سوف يجعل منا كلنا أبطالاً . 
- لا تسميه قلقاً إن كان مجرد تسويف . مرة استيقظت في منتصف الليل وأنا أسعل، وأدركت أنني كنت أسعل لأسابيع ، فقلت لنفسي بقلق : "إنني أعجب إن كنت أدخن كثيراً ، وأراهن أنني كنت في حالة فوضى في هذا الموضوع ." وخلال الأيام التي تلت حاولت عبثاً أن أحول هذا إلى قوة قلق، "أي أن أستخدمه على سبيل المثال،" لمساعدتي على إنجاز كوي متراكم علي منذ أسبوعين . ولكنني كنت أقف بضعف عند لوح الكوي وأحرك المكواة ببطء ورماد السجائر يتساقط على الملابس.  وأخيراً أسررْت الأمر إلى صديقة يهمها أمري بينما أصابعي ترتجف قليلاً، وأنا أشعل عود ثقاب آخر، حيث قلت : "إنني قلقة جداً لأنني أدخن أكثر مما ينبغي ."
فقالت : "اتركيه إذن ".
لقد كانت محقة طبعاً . فكلما وجدت نفسك تعاني بسبب أمر ما يمكنك عملياً أن تقوم بشيء ما بشأنه، فأنت هنا لا تقلق . إنك تخدع نفسك فقط .
-اعمل قائمة . معظمنا نتجول وفي رؤوسنا سحابة قاتمة كبيرة من الهموم، بعضها تربطنا بها علاقات قديمة، وبعضها تكاد تكون غريبة عنا . فإذا ما جلست ووضعت قائمة بها وتفحصتها فعلاً فقد تُدهَش للنتيجة . لقد قضيت شهراً في صيف أحد الأعوام، وأنا أحس بقلق مستمر بشأن ابني الثاني الذي كان يخيم في غابات كندا . وفي نهاية الأمر عندما دونت جميع المخاوف التي لا معنى لهل اكتشفت أن "نوبة الزائدة" كانت إحداها . وبما أنه قد أزال زائدته منذ سنوات فقد طرحت هذا الهم ، إضافة إلى الخوف من "الإعصار" لأنه لا تحدث عملياً أعاصير كثيرة في الغابات الكندية . ومع متابعتي قراءة القائمة استمررت أخفف من عبء همومي إلى أن شعرت بتحسن .
وفي يوم آخر، كنت مثقلة بالهموم، أعددت قائمة من عمودين : الهموم، وما أفعله بشأنها . وكانت قائمة همومي طويلة تتدرج من "الحرب" و "التلوث" إلى "ألم أسنان ابنتي جيني" ، ثم وضعت مقابل كل منها شيئاً كان بمقدوري القيام به مباشرة ."اكتب إلى عضو الكونغرس اليوم" ، "اتصل بالكشافة من أجل الصحف القديمة". ووضعت حتى عبارات مفزعة : مثل اتصل بمكتب "طبيب تقويم الأسنان" . كانت المخاوف الكبيرة ما تزال تلازمني، رغم التصرفات الصغيرة الشجاعة التي قمت بها . ولكن حولت بعض أجزاء القلق، على الأقل، إلى قوة قلق . فإذا ما استطعنا أن نجعل الهموم تخدمنا بدلاً من أن ترهقنا يمكننا أن نجد أنفسنا في نهاية المطاف نواجه هموماً أقل ، ولكن دعونا لا نقلق بشأن ذلك إلى أن يحين الوقت .

* * *
 
أضف "إشراقة" إلى عملك 
بقلم : جون كورد لاجيمان 

ألبرت روجرز صبي يلمع الأحذية دون كلل في أحد فنادق نيويورك، وتترك براعته الإيقاعية بالصباغ والفرشاة لمعة تبهر العين . وقد سألته مرة "ألا تحس بالتعب ؟" فقال "كلا، ولكنني سأحس به لو أنني قمت بتلميع الأحذية فقط ."
ولدى ألبرت شيء مشترك مع ويل إدغرز، وهو مزارع من فيرمونت يبيع حطب الوقود . فقد طلب بعض الأصدقاء منه بعض الحطب في خريف أحد السنوات بينما كنا نزورهم ، ولكن ويل لم يقم بمجرد تفريغ الحطب من شاحنته، بل صنع منصة صغيرة من الحجارة، ثم رصف الحطب عليها بعناية وبشكل مائل لمنع ماء المطر من التوقف عليه، ثم تأمل نتائج عمله وقال بهدوء :" إن الحطب شيء جميل الآن أليس كذلك ؟" 
لقد اكتشف ألبرت و ويل، كل بطريقته الخاصة سراً قوياً يجعل أي شيء يعملانه يعطي قدراً أكبر من الرضا وشعوراً أكبر بتحقيق الذات . وقد عبر بابلو كاسالز عازف الفيولونسيل الشهير عن ذلك بينما كان يعطي درساً إلى تلميذة شابة . فقد عزفت النغمات، كما كانت مكتوبة تماماً، وعزف كاسالز نفس النغمات فنبضت بالحياة وتوهجت، فطلب من الفتاة أن تكرر المقطع عدة مرات، وفي كل مرة تبرز ميزة خاصة أرادها أن تضيفها . وقال لها : "أضيفي إليها إشراقة - دائماً     "الإشراقة". وعندما فعلت في نهاية الأمر التمع وجهها بالبهجة الغامرة .
"فالإشراقة" هي الوهج الذي يتوج كل جهودنا التي نبذلها لأداء عمل، "أي نوع من العمل"، بأفضل ما يمكن أداؤه به . إنه يحتاج إلى مزيد من الجهد، ومزيد من الوقت، ولكن بعد أن تكون قد خبرت مزيج البهجة والاعتزاز والارتياح التي تنجم عن إضافة الإشراقة فلن تكون الحياة كما كانت عليه أبداً. 
وتستطيع أن تقول بصدق : "هذا جيد . إنه يحمل جزءاً مني في داخله". وعندها تصبح المهام التي كانت تبدو روتينية ومملة ذات معنى ومجزية .
فهل بإمكاني أن أقترح قواعد بسيطة لإضافة الإشراقة إلى عملنا وحياتنا ؟
- أعط كل ما لديك . فالبطل ليس بالضرورة الشخص الذي لديه أقصى شيء، بل هو دائماً الشخص الذي يعطي أقصى شيء، هذا ما قاله لي الدكتور لورنس إي.مورهاوس، "فالبطل يقبل أن يغامر بكل نفسه في المهمة . أما الفائز الثاني الذي قد تكون لديه إمكانيات مساوية أو متفوقة فإنه يدخر بعضاً مما لديه ".
وغالباً ما يكون الخوف من الفشل هو الذي يمنعنا من استخدام كافة طاقاتنا المتوفرة؛ فالأمر يبدو كما لو أننا نستعد لتبرير فشلنا مسبقاً، وذلك لكي يمكننا إذابة أنفسنا في المهمة التي بين يدينا هي الوسيلة الوحيدة لإيجاد أنفسنا . فكلما أعطيت أكثر كلما أصبح لديك المزيد لتعطيه ، وكلما أحدثت إشراقة أكبر .
- جرب مرة أخرى :من أجل الحصول على مادة لكتابه، كيف تدرس بشكل أفضل؟، أجرى يوجين إهرليش، وهو أستاذ في جامعة كولومبيا مقابلات مع مئات الطلاب، بعضهم من أصحاب الدرجات المتدنية وآخرون أصحاب الدرجات المتوسطة وغيرهم من أصحاب الدرجات العالية . وقال لي : "لم يكن هناك فرق كبير في ذكائهم الفطري ؛ أما الأمر الذي ميز الطلاب المبرزين، فكان الجهد المضاعف. فبعد معاركة الكتب بأقصى جهد ممكن يقول معظم الطلاب، "حسنٌ، هذا كل ما بوسعي". غير أن الطلاب المتفوقين يقولون، "فلنحاول مرة أخرى للحصول على نتيجة أفضل" .
من الصعب أن تجرب الفشل المتكرر، وتستمر في المحاولة ، ولكن من الأصعب أحياناً أن تستمر بعد تحقيق نجاح محدود . فمن المغري القول : "هذا سيفي بالغرض". غير أن غوستاف فلوبير أعاد كتابة روايته العظيمة، "مدام بوفاري" ، ثلاث مرات على الأقل، وكان ما يزال غير راضٍ عنها إلى درجة أنه فكر في إحراق المخطوطة ؛ ولكنه حاول مرة أخرى ، وكانت النتيجة رواية كلاسيكية رائعة .
- اتخذ موقف المالك من عملك : فساحر الكهرباء تشارلز ستينميتز اعتاد أن يعمل في مخبره في جنرال الكتريك ساعات بعد أن يكون باقي العاملين قد ذهبوا إلى منازلهم، فسأله أحد زملائه في أحد الأيام : "لماذا تفعل ذلك ؟ إنك لست مضطراً إلى أن تثبت أي شيء، وسوف تحصل على نفس الراتب ".
فرفع ستينميتز رأسه عن طاولة العمل وقال: "يا صديقي ليس المهم مقدار ما تحصل عليه، أو من يدفعه لك إنك دائماً تعمل من أجل نفسك ."
- تعامل مع المهام الصغيرة كما لو كانت أموراً كبيرة : لا يعتقد بعض الناس أن أعمالهم تستحق أفضل جهودهم . إنهم دائماً يوفرون جهودهم للمهمة الكبرى - التي لا تأتي أبداً . إنهم لا يدركون أن المهمة الكبرى تتكون من مهام صغيرة عديدة، جميعها يجب أن تؤدى بشكل جيد . وقد تبدو بعض الأعمال الصغيرة غير ذات جدوى، ولكنها إذا ما نفذت كلها بشكل متساوق، "من المؤكد"  كما كتب إمرسون "أن السر لا يمكن أن يبقى مكتوماً . فإذا كان لدى شخص قمح جيد أو حطب أو ألواح جيدة أو حيوانات جيدة للبيع، أو كان يستطيع أن يصنع كراسي أو سكاكين أفضل من أي شخص آخر، فسوف تجد الناس يقصدون منزله حتى ولو كان في الغابات ".
-ارغبْ في أن توقع على عملك : إسأل نفسك عندما تنهي عملاً، "هل أرغب في أن أوقع على هذا؟" ففي ربيع أحد السنوات استأجرت رجلاً لديه بلدوزر لكي يحفر بركة في غابتنا ، وكان فرانك، السائق، يشغل هذه الآلة الضخمة بمهارة نحات يستخدم سكيناً . لقد سُرَّ برضاي ، ولكن إرضاءه هو كان أصعب . فكل فترة وأخرى كان ينزل عن سدّة القيادة، ويسير إلى بقعة مرتفعة ويستعرض ما فعله حتى ذلك الحين، ويقول : "بإمكاننا أن نستخدم بعض الردميات لرفع ذلك الجزء المنخفض ."
    وفيما بعد، وبعد أن ملئت الحفرة بالماء، بدت وكأنها صاغتها يد الطبيعة . وقد عاد فرانك في أحد الأيام ليتفحص نتاج عمله، وليضيف لمسة إضافية أخرى إليه : أربع بطات صغيرات . وقال : "إنها تحتاج إلى شيء يسبح فيها".
- ابتدع أسلوبك الخاص : ربما كان الأسلوب أصدق أشكال التعبير عن الذات . فقد قال أحد مؤلفي القرن السابع عشر، فرانسوا فينيلون : "أسلوب الإنسان جزء منه مثلما هو وجهه أو قامته أو إيقاع نبضه ." في مدينة توسون، أعرف صائغ فضة من قبيلة النافاجو يبتدع مصوغات جديدة باستمرار بينما اكتفى منافسوه بالاقتصار على الحلي الرخيصة من أجل تجارة السياحة . فسألته في أحد الأيام : لماذا يقضي وقتاً كثيراً في إنتاج قطع فنية صغيرة في حين كان يمكنه أن يكسب بسهولة بمشغولات أدنى؟ .
فقال : "لقد جربت صنع سقط المتاع . وكان ذلك أشبه بصنع النقود . لقد خَدَعَ ذلك الناس الآخرين، ولكنه لم يخدعني . إنني ربما أتطلع إلى دفتر حساباتي المصرفية مرة أو مرتين في الشهر . ولكن علي أن أعيش مع نفسي كل يوم ". إن القيام بعمل يمكن أن يقول الإنسان عنه إنه يخصه، كما يلبي حاجة عميقة في داخله . فالعالم المادي الذي نعيش فيه عنيد وفوضوي . ونحن نحس جميعاً بالدافع إلى فرض نظامنا الخاص على جزء صغير منه . إنها الطريقة التي نكتشف بواسطتها "من نحن". إنها الطريقة التي نبتدع بها أقواس قزح .

* * *
 










الفصل الثامن
دَعّ الروتين ، وعليك بالجديد !
 
ثماني خطوات إلى حياةٍ جديدةٍ 
بقلم : نورمان فنسنت بيل (دكتور في اللاهوت) 

لقد جعلتني خمسون سنة من الإصغاء إلى الناس المهمومين على معرفة، كما أعتقد، بكلِّ مشكلة إنسانية تحت الشمس تقريباً ؛ ولكن هناك واحدة سائدة جداً إلى درجة أنني أعتبرها المرض الإنساني الأساسي0 إنها مشكلة الشخص الذي يعيش أدنى من إمكاناته بكثير ويعرف ذلك، والذي هو تعيس بعمق، ولكن لا يبدو عليه أنه يفعل أي شيء حيال ذلك . وعادة لا تبدو مصاعب الشخص طاغية جداً إذا نظر إليها من المقعد الذي يحتله الاستشاري، غير أن من يعاني مقتنع بأنه لا يستطيع مواجهتها .
ورغم أنه يبدو بأنه يمتلك ذكاء عالياً وتعليماً كافياً وجميع الصفات الضرورية للعيش الناجح، فإنه لا يستطيع استجماعها لمساعدته . فحياته غائمة وغير مركزة ومن غير قوة أو هدف .
وتجد دائماً ثلاث خصائص قاتلة في مثل هؤلاء الناس . القصور الذاتي وعدم الثقة بالنفس وانعدام الهدف . ففي أحد أيام الخريف وبينما كنت أتجول وحيداً حول ملعب الغولف المحلي صادفت شاباً يجرف أوراق الأشجار عن أحد المروج . كنت أعرفه معرفة طفيفة، فسألته كيف تسير أموره ؟. فهز كتفيه وقال : "كما تستطيع أن ترى ، إنني دون هدف". فسألته : "إلى ماذا تريد أن تصل ؟" فنظر إلي باكتئاب وقال :"لا أعرف بالفعل". فسألته : "ما الأمر الذي تفعله بشكل جيد ؟" فهز رأسه وقال : "لست متأكداً بأنني جيد في عمل أي شيء". "حسن، ما الذي يمنحك أقصى درجات الرضا".
فقطب حاجبيه وقال : "ليس هناك شيء خاص ."
فقلت : "انظر ! لقد سألتك ثلاثة من أهم الأسئلة التي يمكن أن يسألها أي شخص، وقد حصلت على ثلاث إجابات مشوشة تماماً . عندما تذهب إلى البيت الليلة أريدك أن تجلس ومعك قلم وورقة، ولا تنهض حتى تكون قد أجبت على أسئلتي ، ثم دعنا نلتقي غداً في مثل هذا الوقت، وسوف نبدأ من هناك".   فوافق مع بعض التردد . وعندما التقينا في اليوم التالي أبلغني: أنه يحب أن يعمل بيديه لا بعقله، وأنه قد تكون لديه بعض القدرات الميكانيكية، وأن أقصى ما يريده من الحياة هو بعض الإحساس بالهدف أو الاتجاه .  وبعد ذلك بوقت قصير حصل على عمل في مصنع لمواد الأسقف . فهل أصبح رئيس الشركة ؟ كلا، ولكنه اليوم رئيس عمال، ويعيش حياة سعيدة ومنتجة ، وكل ما كان يحتاجه كان دفعة للتوقف عن قضاء حياة لا هدف لها . 
إنني كثيراً ما أقابل أُناساً مثل ذلك الشاب ولذلك طورت مجموعة من الإرشادات لمساعدة أي شخص، صغيراً كان أم كبيراً، يشعر بالحاجة إلى أن يحدد لنفسه هدفاً مركزاً.  وهناك ثماني نقاط لكي تصل إلى مستوى ومنهج دقيق في الانضباط الذاتي . و كل من يبذل جهداً دائماً لتطبيقها سوف يصبح شخصاً أسعد وأنشط وأكثر فعالية .
1- حَددّ هدفك الأساسي في الحياة: إذ لا يكفي القول : "أريد أن أصبح سعيداً"  أو  "أريد أن أجمع مالاً" أو "أريد أن أكون شخصاً أفضل" . يجب أن تحدد ما تريد بالضبط ومتى تريده . عليك أن تقول : "أريد أن أكون ممرضاً رسمياً خلال ثلاث سنوات"، أو مدير مبيعات في هذه الشركة، أو محرر هذه الصحيفة، أو بائعاً في ذلك المخزن في خلال أربع أو خمس أو ست سنوات .اكتب ملخصاً موجزاً لهدفك وتاريخ تحقيقه، وضعه بجانب سريرك، واقرأه بصوت مرتفع لنفسك كل صباح عندما تستيقظ . فالغموض هو السمة الثابتة للذهن غير المركز. فتخلص منه .
2- استخدم الخيال لتأجيج الرغبة : لا فائدة من تحديد هدف في الحياة ما لم تكن تريده بقوة . فأحلام اليقظة والأماني الفارغة لا تكفِ،  إذ  لابدّ من وجود رغبة عميقة متأججة؛ وليس بإمكان أحد أن يزرع هذه الرغبة القوية فيك، بلّ عليك أن تطورها بنفسك من خلال التخيل الحيوي الدائم للمنافع التي سيوفرها تحقيق هدفك . اسأل أي شخص ممن حققوا نجاحاً في أي مجال، وسوف يخبرك بأن وضوح الهدف وعمق الرغبة هما العنصران الرئيسيان للمعادلة السحرية؛ وما لم تهتم بالأمر فلن تحقق الهدف .
3- توقع أن تدفع ثمن ما تحصل عليه :إذا ما وضعت لنفسك هدفاً رفيعاً، فسيكون عليك أن تدفع ثمناً عالياً . سيكون عليك أن تعمل وتغامر وتقدم تضحيات وتتحمل الصدمات.  ولن يكون بإمكانك التمتع بنعمة الكسل أو متعة اللهو . فعندما تحدد هدفك تذكر أنك ما لم تكن راغباً في دفع الثمن فإنك تهدر وقتك .
4- ابعث بالإشارات الصحيحة إلى عقلك الباطن : وهذا أمر حاسم . فالعقل الباطن محرك عظيم، ولكنه أيضاً حاسوب ينبغي برمجته بشكل صحيح . فإذا وجهت مشاعر الخوف ومشاعر القلق وأفكار الفشل إلى العقل الباطن باستمرار فلن يخرج منه شيء بناء ؛ ولكن إذا ما كان هناك هدف جلي ثابت في العقل الواعي فإن العقل الباطن سوف يقبله في نهاية الأمر، ويبدأ في تزويد العقل الواعي بالخطط والأفكار والرؤى والطاقات الضرورية لتحقيق ذلك الهدف  .
5- كُنْ على استعداد لأن تفشل-بشكل مؤقت : أبلغني رجل كان قد أجرى دراسة طويلة الأمد عن رجال ناجحين في مجالات مختلفة أنه لاحظ أن بينهم سمّة مشتركة واحدة فقط : المثابرة ، فقد استمروا في استجماع قواهم والعودة إلى النضال، في حين أن معظم الناس سيستسلمون .
    وفي إحدى خطبي الدينية من وقت غير طويل اختصرت تاريخ رجل من هذا النوع . فهذا الرجل فشل في العمل في عام 1831 . وهُزِمَ في الانتخابات إلى مجلس الولاية في عام 1832 ، وفشل مرة أخرى في العمل في عام 1834 ، وأصابه انهيار عصبي في عام 1841 . وكان يأمل أن يحصل على ترشيح حزبه له إلى الكونغرس ولكنه فشل في عام 1843، وتقدم إلى انتخابات مجلس الشيوخ وخسر في عام 1855 . وهُزِمَ ثانية في انتخابات مجلس الشيوخ في عام 1858 . وقال بعض الناس عنه: إنه خاسر ميؤوس منه . غير ان هذا الرجل، وهو أبراهام لنكولن، انتخب رئيساً للولايات المتحدة في عام 1860 لقد عرف كيف يتقبل الهزيمة - بشكل مؤقت . 
6- آمنْ بقدرة الفكر على تغيير الأمور : من الصعب على بعض الناس أن يدركوا أن أقوى قوة في العالم هي الفكرة التي تجذرت في العقل البشري . ولكن الأمر كذلك . فمنذ بعض الوقت في أستراليا قابلت رجلاً مرموقاً يُدعى بيرت وولتون . وقد أبلغني أنه قد بدأ حياته بالفشل في مدرسة بعد أخرى، ثم في عمل بعد آخر ، وكان يعمل لدى الفرع الأسترالي لشركة أمريكية، ويفشل باستمرار في عمله- عندما جاء رجل من الشركة الأم لكي يتحدث مع الموظفين الأستراليين . وقد تركت إحدى الجمل في حديث الرجل تأثيراً قوياً على وولتون : تستطيع-إذا اعتقدت أنك تستطيع . قال لي وولتون : "أدركت فجأة أن سبب كوني فاشلاً هو عادتي في التفكير بنفسي كفاشل ؛ فالمفهوم هو الذي خلق الحالة-وليس العكس. وهكذا قررت أن أغير المفهوم . فقلت لنفسي : "أعتقد أنني أستطيع أن أصبح مدير الشركة في فرع نيو ساوث ويلز؛ وفي الواقع أعتقد أنني أستطيع أن أصبح مديراً لكل أستراليا ." حسن، لقد احتاج الأمر إلى وقت طويل وكثير من العمل، وكان هناك العديد من الصدمات، ولكن هذا ما حدث في نهاية الأمر . ثم دخلت مجال عمل المخازن المتعددة الفروع، وقلت لنفسي : "أعتقد أننا نستطيع أن نبني هذا العمل ليصبح أحد أكبر سلاسل المخازن في أستراليا ." وحدث هذا في نهاية الأمر . إنني رجل عادي جداً، ولكنني وقعت على فكرة غير عادية وتمسكت بها ."
ماذا حدث مع ذلك الرجل ؟ لقد ركزت الفكرة(مثل عدسة إشعال النار) أشعة شخصيته بشدة على هدف محدد إلى درجة تأججت معها عناصره الداخلية منذ ذلك الحين . إن الفكرة ليست جديدة ، فالكتاب المقدس يقول مرة بعد أخرى : "إذا كان لديك إيمان فلن يستحيل شيء عليك" . إنه وعد مذهل، ولكنه صحيح بعمق.
7- أبداً لا تصنع قضية ضدَّ نفسك : في الأسبوع الماضي جاء رجل إلي، وسألني إذا كان بإمكاننا التحدث . كان محني الظهر مكتئباً ، وبدا عليه أنه مهزوم . فقال : "إنني بائع . وأعيش من ذلك العمل، لكن عملي غير ذي أهمية ، وأنا حزين وبائس معظم الوقت . فهل تستطيع أن تساعدني ؟".
قلت : "كلا . أنا لا أستطيع أن أتسلل إلى رأسك ، وأعيد ترتيب آلية تفكيرك، ولكن ربما استطعت أن أخبرك كيف تساعد نفسك في المقام الأول. توقف عن الانحناء بخنوع . وقف منتصب القامة ، ثم توقف عن التقليل بشأن مهنتك ، فالباعة في مجتمعنا، هم المحاور التي تتحرك عليها الصناعة، فبدونهم سيتوقف الاقتصاد . وفي نهاية الأمر، لماذا لا تتوقف عن النظر إلى نفسك من وجهة نظر الدودة، وتنظر إلى نفسك من وجهة نظر الإله ؟ فأنت ابنه . فإذا كنت مهماً لديه-وأنت مهم- فما الذي يعطيك الحق في الإعلان عن عدم أهميتك باستمرار ؟  لقد تحدثنا مزيداً من الوقت، وبعدها شكرني ومضى وهو مستغرق في التفكير . آمل أنه قد تعلم ، أو بدأ يتعلم أهمية عدم صنع قضية ضد نفسه .
8- لا تعقْ نفسك بالأعذار : يفعل الناس المشتتو التفكير هذا باستمرار . ويقولون : "إن التوقيت خطأ" أو "أنا لست مؤهلاً لذلك فعلاً" . ويلعبون لعبة لو أن : "لو أنه كان معي نقود أكثر أو لدي ثقافة أكبر لو أنني لم أكن مقيداً إلى هذا الحد000" وتستمر الأعذار ولا تفعل أكثر من أن تقوي الخصائص المهلكة الثلاث - القصور الذاتي وعدم الثقة بالنفس، وانعدام الهدف . ومن أجل أن تصبح شخصاً محدد الهدف عليك أن تسيطر على الأفكار التي تقيد ذاتها . فقد قال جورج برناردشو مرة : "إن الناس الذين ينجحون في هذا العالم هم الناس الذين يبحثون عن الظروف التي يريدونها، وإذا لم يستطيعوا أن يجدوها يصنعونها."
وقال أفلاطون مرة : إن الحياة غير المدروسة لا تستحق العيش . ويصدق هذا القول اليوم كما كان قبل /23/ قرناً مضت . وهكذا تفحص حياتك ، فإذا كانت بعيدة عن الهدف، قرر أن تعيدها إلى هدفها . وابدأ بذلك اليوم . 
* * *























واجه المشكلة الآن
بقلم : أوسكار شيسغال   

"اعمل كل يوم أو اثنين شيئاً ما لسبب واحد فقط هو أنك كنت لا تود أن تفعله". وبهذا يكون وليام جيمس الفيلسوف الأمريكي، قد أكدَّ على حقيقة أبدية مقدسة ؛ كانت الأساس الفعلي لتقدم الإنسان، والسلم الذي تسلقه الإنسان للوصول إلى قمم جديدة .  ويحظى جيمس بالعديد من المؤيدين حيث قال عضو مجلس الشيوخ الراحل إيرفينغ آيفس مرة : "إن المهام الصعبة التي نعالجها يومياً هي التي تمهد لنا مكانتنا ؛ فيبدو أن جميع الطرق السهلة تقود نحو الانحدار ."
ذهبت قبل سنوات إلى بوسطن لزيارة العميد روسكو باوند ، وكان في التسعين من عمره وقد تقاعد منذ زمن طويل من عمله كعميد لكلية الحقوق في جامعة هارفرد، ولكنه كان ما يزال بعمل ثماني ساعات يومياً في مكتبه في لانفدل هول . وقد أبلغتني سكرتيرته : "إنه قد أصبح ضعيفاً للغاية ، ولكنه يُرغم نفسه كل يوم على السير من فندفه إلى مكتبه حيث تفصل بينهما مجموعتان من المباني، ويحتاج ذلك منه مدة ساعة، ولكنه يُصّر على القيام بذلك لأنه يعطيه إحساساً بتحقيق شيء . ولا يحلم أبداً بأخذ سيارة أجرة".
وفي  تلك اللحظة خرج من مكتب العميد طالب حقوق يبدو عليه الضيق والإرهاق، وتمتم قائلاً : "دائماً نفس الشيء ، اسأله سؤالاً بسيطاً، أمر يمكن أن يجيب عليه العميد بنعم أو لا، ولكنه يعطني دستة من الكتب ويقول : "ستجد الجواب هنا".
وفيما بعد قال العميد باوند : "إنها الطريقة التي تعلمت فيها أنا نفسي كيف أدرس الطريقة الصعبة . فإذا ما بحث ذلك الولد في هذه المجلدات ، فسوف ينتهي بمعرفة حقيقية بالموضوع . وقد يصبح محامياً جيداً في يوم ما ."
ويتضح أن كل أصحاب المراتب العليا في المهن ، وكل البارزين ممن حققوا إنجازات، هم، حتماً، رجال تعاملوا مع المهمة الصعبة مباشرة ودون تسويف . ففي صباح أحد الأيام عندما ذهبت لتلبية موعد مبكر مع صديقي المندوب الأدبي الراحل، كارل براندت، سألني، "هل لك أن تنتظرني حتى أقوم باتصال هاتفي ؟  فلدي مهمة بغيضة يجب أن أقوم بها، وأود أن أنتهي منها." 
وقد قلت فيما بعد : "إن معظمنا ميالون إلى تأجيل الأعمال الروتينية المزعجة أطول مدة ممكنة".
فأجاب كارل : "لقد تعلمت كيف أواجه المشكلة ، فعندما يكون لدي أمر صعب يجب القيام به-وهذا يحدث كل يوم عملياً- أزيحه من طريقي أولاً ، ثم أمضي بقية اليوم في روح معنوية أفضل وأنجز المزيد".
فبعد أن نجابه أمراً صعباً، فإننا قد نجده أقل إزعاجاً مما بدا للوهلة الأولى . فقد بدأ رجل سأطلق عليه اسم هنري جونز عمله منذ سنوات مضت كصحافي في واشنطن-وكان صحافياً خجولاً للغاية ، وقد أصيب بالذعر عندما طلب منه رئيسه أن يذهب ليجري مقابلة مع قاضي المحكمة العليا الراحل لويس برانديس حول خطاب كان قد ألقاه . فقال : "كيف يمكنني أن أطلب مقابلة خاصة بي ؟. فالقاضي برانديس لا يعرفني، فلماذا يضيع وقته معي ؟.
عندها التقط أحد الزملاء المراسلين سماعة الهاتف، وطلب مكتب القاضي برانديس،   وتحدث مع السكرتيرة وقال : "هنا هنري جيمس من جريدة "النجم" . لقد كُلِفتُ بإجراء مقابلة مع القاضي . فهل يسمح بأن يخصص لي بضع دقائق اليوم ؟ وانتظر (وكان هنري جيمس الحقيقي يقف مشدوهاً) ، ثم قال : "شكراً . الساعة الواحدة وخمسين دقيقة . سأكون هناك"
ثم وضع السماعة والتفت إلى جونز قائلاً : "لقد حصلت على موعدك".
وقد قال جيمس لي بعد سنوات : "تعلمت من ذلك أن أسلك الطريق المباشر . لقد كان الأمر صعباً ولكن مفيداً، وفي كل مرة كنت أتغلب على هذا النوع من الخوف، يصبح أداؤه أسهل في المرة التالية".
إن الخوف يعبر عن نفسه بأشكال أخرى أيضاً كما هو الحال في الإحجام عن التعبير عن رأي مخالف، فمعظمنا يتردد في أن يقف أمام الناس ويقول:كلا، فلماذا ؟ هل الخلاف الشريف مخيف إلى هذا الحد فعلاً ؟ فقد كتب إمرسون "كل من أراد أن يكون رجلاً عليه أن يكون مستقل الرأي" . ولم يكن يكتب عن الشواذ أو غريبي الأطوار، بل عن الرجال الذين يعبرون عن آرائهم دون خوف . فبالنسبة للعديدين منا "الأمر الصعب الذي نفعله"  يمكن أن يكون ببساطة مجرد تعبير عن أفكارنا الصريحة .
غير أن هناك أموراً أصعب من التعبير عن الرأي . فعندما سُئِلَ ألبرت انشتاين، ماذا سيقوله لطلاب العلوم؟. أجاب دون تردد : "سوف أنصحهم أن يقضوا ساعة كل يوم يرفضون فيها أفكار الآخرين ، ويفكرون بأشياء من عندهم هم ، وسيكون ذلك صعب الأداء ولكنه مجزياً".
إن العقل البشري يمكن أن يكون أداة مدهشة عندما يرغم على العمل . حيث يستطيع أن يبدع سوناتا بتهوفن، وهملت، وصاروخاً إلى القمر، والتلفاز، ومنحوتات مايكل أنجلو، وناطحات السحاب، والأهرامات، وسدود هوفر، ولكنه لن يفعل ذلك إلاّ إذا أُرغم على عملية التفكير الصعبة .
هناك مجالات عديدة تطرح تحديات . "فالقيام بشيء صعب كل يوم" يمكن أن يعني قراءة كتاب عميق، وإرغام العقل على استغلال أقصى طاقته .
وقد قال علاّمة مثل تشارلز داروين مرة : إنه يأسف لقلة الاهتمام الذي بذله لتوسيع مدارك عقله باهتمامات غير مألوفة"، وقال : "لو قيض لي أن أعيش حياتي مرة أخرى لوضعت قاعدة لنفسي، هي أن أقرأ بعض الشعر، وأستمع إلى بعض الموسيقى مرة كل  أسبوع على الأقل؛  إذ ربما كانت تلك الأجزاء من دماغي التي ضمرت الآن قد بقيت أسبوع على الأقل؛  إذ ربما كانت تلك الأجزاء من دماغي التي ضمرت الآن قد بقيت نشيطة بسبب الاستعمال".
وقد سُئِلَ فرانكلين بي.آدمز الراحل، وهو أحد أشهر الصحفيين في هذه البلاد من قبل طالب في قسم الصحافة : "عندما توقع عقداً لكتابة خمسة أعمدة في الأسبوع، كيف يمكنك أن تتأكد من أنك ستجد خمس أفكار جديدة كل أسبوع ؟"
فأجابه فرانكلين آدمز : "لو كان تأكدي من ذلك أمراً سهلاً لما كانت هناك متعة في هذا العمل . إن اضطراري أن أجد فكرة كل صباح، هو الذي يجعلني أشعر بأنني أستحق راتبي". فأصرَّ الطالب على القول : "ماذا لو لم تأت الفكرة ؟" فقال فرانكلين آدمز : "عندها أجلس وأبدأ الكتابة على أي حال" . لقد كانت مهمة البدء الصعبة، مهمة إطلاق سلسلة من التفكير، هي طريقته في مواجهة المشكلة .
من الواضح أن هناك مشكلات يومية عديدة يجب مواجهتها بعدد الناس الموجودين . وأهدأ الناس الذين أعرفهم وأسعدهم وأكثرهم نجاحاً إلى حدٍّ كبير هم أولئك الذين يواجهون مشاكلهم حالما تظهر، وهذه الطريقة في مواجهة المشكلة هي أضمن طريقة من أجل راحة البال على المدى الطويل .
* * *
 
 أبداً لاتقلْ "أبداً"
بقلم : مايكل دروري  

يتجه قليل من الناس بشكل مقصود إلى إضاعة متعة وغنى العيش، ولكن الأمر سهل الأداء بشكل خادع . فتأجيل هنا وتجنب لمشكلة هناك ، وتراجع متردد . عندها تجد الحياة قد جفت خلف سور من أدوات النفي ؛ كلا، لا أستطيع، ولا أريد، وهذا لا يمكن أن يحدث أبداً، أنا لا أذهب إلى حفلات كبيرة أبداً، ولن أتزوج من امرأة عاملة أبداً، ولن أتحدث معه ثانية أبداً .
أعرف امرأة ذكية عاشت حياة رائعة ومجزية، فسألتها مرة إذا كانت تستطيع أن تنتقي أهم درس تعلمته . فصمتت للحظة، ثم قالت : "نعم . هو أن جميع الأشياء التي تظن أنها لن تحدث أبداً سوف تحدث ، وأن جميع الأشياء التي تظن أنك لن تفعلها أبداً، ربما ستفعلها ."
إنها لا تعني بالطبع أن المرء ينبغي ألا يقوم باختبارات، وألا تكون هناك حجج مؤيدة وأخرى معارضة،  فبدون بعض أشكال الرفض وبعض الحدود لإعطاء نمط للحياة سيصبح كل قرار صغير كارثة كبرى : سواء أكان عليك أن تأتي،  أو تذهب، أن تعمل أو تنظر، أن تتكلم، أو تبقى صامتاً .
ولكن أبداً ؟ أبداً لا نغامر وراء الحدود، ونختبر أنفسنا على محك التجارب . أبداً لا نقرأ كتاباً لسنا سلفاً مهيئين لقبوله . أبداً  لا نركب الطائرة لأن الناس يقتلون فيها أحياناً ؟.
إن كلمة "أبداً" لص ماكر يفقر روحنا ، فكلنا مولودون لتحقيق إمكانيات غير محددة. وهي موجودة أمامنا وتنتظر . غير أنه كثيراً ما تتجذر المعرفة البسيطة بالحقيقة كممارسة ومبدأ، وتضيق الإمكانيات وتتوقف . فأن نقول : "لم أذهب إلى أوروبا أبداً" أمر لا ضرر منه، ولكن حالما تصبح العبارة : "لا أذهب إلى أوروبا أبداً" ثم أقول : "لن أذهب إلى أوروبا أبداً" نكون قد سُلبنا ونحن نتطلع .
اعتادت إحدى صديقاتي التي كان يقودها عملها أحياناً إلى بلدان أجنبية أن تفتر همتها، وتلزم غرف الفنادق أثناء فترات الراحة، وتقول الآن : "كانت لدي قائمة معقدة من الأسباب لعدم الخروج فأنا لم أكن أعرف اللغة، وكنت امرأة لوحدي، وكنت أعمل، وكنت أعتقد انه لا وقت لدي من أجل نفسي . يا الله ! لقد جعلت كل هذه الأسباب تتراكم لتصبح كجدار برلين ".
وفي أحد الأيام في أثينا أعطاها موظف الفندق الذي اعتقد أن من المسلم به أنها سوف ترغب في استكشاف مدينته، خريطة محلية، وكانت باللغة الإنكليزية، وقد وضعت عليها علامات واضحة تدل على الفندق والمواقع التاريخية، فنظرت صديقتي إليها وفكرت: "حسن إن ذلك المبنى لا يبعد عن هذا المكان إلا بمقدار ثلاث مجموعات من المباني، ولا يحتمل أن أضيع، وأستطيع أن أعود مباشرة إلى هنا." ولكنها لم تعد أبداً، بمعنى ما . وأصبح عالمها الخاص أوسع . لقد تعلمت ألا تتعرف فقط على المدن الأجنبية، بل وعلى سكانها أيضاً . ولقد اكتشفت أن الاتصال الحقيقي أعمق من اللغة بكثير .
هذا واحد من الجوانب المرضية لإنهاء الرفض المفروض ذاتياً، إنه أكثر من مجرد التحرر من شيء ما . إنه تحرير لشيء - للإنجاز ولرباطة الجأش .
في مرة قررت وأمي أن نركب القطار المعلق في بالم سبرنجز في صحراء كاليفورنيا إلى قمة جبل سان جاسنتو البالغ ارتفاعها /10805/ أقدام، وفي محطة للوقود توقفنا فيها للحصول على إرشادات حول الطريق . قال الموظف المسؤول "إنكم لن تروني أركب ذلك الشيء أبداً" .
فسألته : "لم لا ؟".
فقال : "إنني أُسيّر حياتي وفق حدسي، ولدي حدس سلبي تجاه العربات المعلقة".
إنني أقرّ بأن التجربة نفسها - (الارتفاع السريع الصامت في عربات ذات جوانب زجاجية، والعلاقة الجديدة مع عالم المرء) لم تكن مريحة في كل اللحظات، رغم ذلك فقد كانت مبهجة، ومذاقاً ذا بعد جديد . ربما كان موظف محطة الوقود محقاً - بالنسبة لنفسه، ولكن الحدس يمكن بسهولة ان يصبح سياجاً ما لم نعيد اختباره من حين إلى آخر . تلك هي الكلمة المفتاح . أعد الاختبار . وبصراحة فإن السلبيات ملائمة وضرورية أحياناً، غير أن كل وضع يجب تجاوزه . فالطفل الذي يقول : "إن الكبار لا يعرفون المتعة أبداً، وأنا لن أكبر أبداً"، سوف يدرك يوماً بأنه لا بد أن يكبر وبأنه يرغب في ذلك .
فالحياة هي عملية اكتشاف من نحن وما يمكن أن نكون، ومن الممكن تماماً أن  الأمر الذي نقوله ببساطة : إننا لن نفعله أبداً هو الشيء ذاته الذي نحتاجه من أجل كمالنا.  وهذا هو السبب في أن الجهد للخروج عن النمطية يبهجنا، إنه عمل إبداعي . 
فإذا كنت تريد أن تجعل نفسك محسوساً في العالم، ومعروفاً لدى نفسك فقل : "نعم للحياة".
* * *
 
تحويل الفشل إلى نجاح
بقلم : فريدل مينارد 

حصلت فيكي - وكانت جميلة وموهوبة وذكية جداً، واعتبرت في الكلية أنها سوف تنجح على الأغلب - على وظيفة واعدة لدى مخزن اختصاصي بعد التخرج . وبعد عامين من عدم حصولها على ترقية فُصلت من عملها ، فتعرضت لانهيار عصبي كامل ، وقالت لي فيما بعد : "لقد كان الأمر مرعباً، فكل شيء كان قد سار بشكل جيد بالنسبة لي إلى درجة أنه لم تكن لدي تجربة في التعامل مع الرفض، وأحسست بأنني فاشلة".
لقد كان رد فعل فيكي مثالاً مفرطاً على ظاهرة شائعة . ففي مجتمع يضع أهمية كبيرة على النجاح نفشل في أن ندرك أن ما يبدو كفشل قد يتضح أنه مفيد على المدى الطويل . فعندما استطاعت فيكي أن تفكر بهدوء حول سبب فصلها من العمل على سبيل المثال، أدركت أنها ببساطة لم تكن مناسبة لعمل تتعامل فيه مع الناس طوال الوقت، وفي عملها الجديد كمحررة لتدقيق المطبوعات تعمل باستقلالية وهي سعيدة وناجحة .
إن الناس ميالون إلى ما يسميه عالم تطور الألفاظ ودلالاتها إس. آي.هاياكاوا   "التوجه ذو المعيارين" . فنحن نتحدث عن رؤية كلا جانبي مسألة ما كما لو أن لكل مسألة جانبين فقط . فنحن نفترض ان كل شخص إما أن يكون ناجحاً أو فاشلاً، بينما هناك في الحقيقة درجات لا متناهية ممكنة من كليهما وكما يبين هاياواكا؛  فإن هناك فرقاً شاسعاً بين ( "لقد فشلت ثلاث مرات" و "أنا فاشل" ) ، وفي الحقيقة فإن كلمتي فشل ونجاح لا يمكن أن تطّبقا بشكل منطقي على كائن معقد وحي ومتغير فهما يمكن أن تصفا فقط الوضع في زمن معين ومكان معين . ومن الواضح أنه لا يمكن لأحد أن يكون شديد البراعة في كل شيء . وفي الواقع فإن النجاح في أحد المجالات غالباً ما يعيق النجاح في مجال آخر . فقد أبلغني أحد السياسيين البارزين مرة بأن عمله قد حطم زواجه عملياً، وأوضح قائلاً : "إنني أسافر كثيراً، وليس لدي وقت لعائلتي، وحتى عندما أكون في البيت لا أكاد أرى زوجتي وأطفالي فلدي السلطة والمال والنفوذ - ولكنني شخص فاشل كزوج وكأب ".
ويمكن لبعض الأنواع من النجاح أن تكون مدمرة فعلاً وخطر النجاح المبكر جداً يكون حاداً بشكل خاص كلما أظهر الطفل موهبة خاصة . وأنا أتذكر من أيام طفولتي فتاة أبرزتها مهارتها بالتزلج على الجليد كمادة صالحة للألعاب الأولمبية . وبينما كان باقينا يلهو ويركب الدراجة، ويقرأ ويصنع أشياء، ويتسكع كانت هذه الفتاة تتزلج-كل يوم بعد المدرسة وطوال العطلة الأسبوعية، وغالباً ما كانت صورتها تظهر في الصحف. وكان باقينا يحسدها على حياتها الساحرة . غير أنها تحدثت بعد سنوات بمرارة عن تلك الانتصارات المبكرة . فقالت : "لم أُعدّ نفسي من أجل أي شيء أبداً إلا الجليد . فبلغت الذروة في سن السابعة عشرة، ثم بدأ الانحدار منذ ذلك الحين ."
كما أن النجاح الذي يأتي بسهولة كبيرة مدمر، فالطفل الذي يربح جائزة من أجل مقالة كتبت على عجل، والبالغ الذي يبرز نفسه في أول عمل له بسبب ضربة حظ ربما يواجهان خيبة الأمل عندما تبرز تحديات حقيقية . كما أن النجاح سيئ عندما يتحقق على حساب السمة الشاملة لتجربة ما . فالطلاب الناجحون يصبحون أحياناً مهووسين جداً بالدرجات إلى حد أنهم لا يستمتعون بحياتهم المدرسية أبداً، فهم لا يتوقفون أبداً عند إغراء مجالات جديدة لأنهم لايريدون أن يخاطروا بمعدل درجاتهم . وببساطة شديدة يمكن للنجاح أن يكلف أكثر مما ينبغي من حيث التوتر (الصراع الداخلي في العمل والاحتفاظ بوجه بشوش أمام الناس في حين تتمزق حياتك الشخصية) أو ضياع الاستقامة (التملق والكذب والقبول بأعمال تثير الشك) . وفوق كل ذلك قد يكون مكلفاً بشكل باهظ إذا ما كانت النتيجة النهائية هي الخوف - الخوف من عدم تكرار النجاح .
فإحدى أنجح المضيفات اللواتي عرفتهن أصبحت تكره الحفلات، وأوضحت السبب قائلة: "لقد اكتسبت شهرة كبيرة إلى درجة أن أصدقائي يتوقعون مني أن أتفوق على ذاتي، ولا أستطيع أن أخيب أملهم - وهكذا أصبت بالإرهاق قبل أن يصل ضيوفي " .
فما هو السبب في أن عدداً كبيراً من الناس يخشون الفشل جداً ؟ .
ببساطة شديدة، وبما أنه لا أحد يخبرنا كيف نفشل لذلك يصبح الفشل تجربة متنامية . ونحن ننسى أن الفشل جزء من الحالة الإنسانية، وأن "لكل شخص الحق في أن يفشل"، كما قالت أخصائية العلاج الأسري فرجينيا ساتير .
هذا ويبذل معظم الآباء جهداً كبيراً إما للحيلولة دون فشل أطفالهم، أو لحمايتهم من معرفة أنهم فشلوا . وإحدى الطرق المتبعة هي تخفيض المعايير، فإحدى الأمهات تصف طاولة صنعها ابنها في عجالة بأنها كاملة، حتى وإن كانت تتأرجح على أرجل غير متساوية، والطريقة الأخرى هي تحويل وجهة اللوم، فإذا ما فشل جون في  مادة العلوم يكون استاذه غير عادل أو غبي .
عندما كانت إحدى بناتي في سن العاشرة قررت أن تجمع نقوداً من أجل أعمال البر عن طريق إقامة كرنفال ، وإحساساً بالفخر بها تسرعنا بالسماح لها بأن تضع ملصقات في جميع أنحاء البلدة ، وقد أدركنا بعد فوات الأوان أنه ليس بإمكانها أن تقدم كل المرطبات والعروض والألعاب التي وعدت بها في الملصقات ، وقد جندت كل العائلة نفسها للحيلولة دون حدوث فشل مربك . وفي العام التالي أعلنت عن مناسبة حتى أكثر طموحاً . لم لا ؟ فقد منعناها من اكتشاف حدود إمكانياتها .
والمشكلة في وسائل منع الفشل هي أنها تترك الطفل غير مجهز للحياة في العالم الحقيقي، فالصغار في حاجة إلى أن يتعلموا أنه ليس بإمكان أي شخص أن يكون الأفضل في كل شيء، ولن يستطيع أحد أن يربح طوال الوقت، وأنه من الممكن أن تستمتع باللعبة حتى عندما لا تربح . فالطفل الذي لا يدعى إلى حفلة عيد ميلاد شخص، ومن لا يحتل مكاناً في لوحة الشرف، أو فريق البيسبول قد يحس بالانزعاج ولكن ينبغي ألا يقدم له الأبوان جائزة ترضية سريعة، أو يقولان : "الأمر ليس مهماً" ، لأنه مهم فعلاً . وينبغي أن يسمح للطفل بأن يعاني من خيبة الأمل، ثم نساعده على التغلب عليها .
فالفشل ليس ممتعاً إطلاقاً . إنه يؤذي الكبار والأطفال على حد سواء، ولكنه يمكن أن يقدم مساهمة إيجابية لحياتك بعد أن تتعلم استخدامه . والخطوة الأولى هي أن تسأل: "لماذا فشلت ؟" وقاوم الشعور الطبيعي في أن توجه اللوم إلى شخص أخر، واسأل نفسك ما هو الأمر الذي أخطأت فيه، وكيف يمكنك أن تتحسن، وإذا كان بإمكان شخص أخر أن يساعد فلا تخجل من الاستفسار . 
عندما كنت مراهقاً فشلت في الحصول على عمل كنت أعتمد عليه، فاتصلت بمن أجرى معي المقابلة أسأله عن السبب فقيل لي : "لأنك أتيت متأخراً عشر دقائق، فنحن لا نستطيع استخدام الموظفين الذين يضيعون أوقات الآخرين." 0لقد كان التوضيح مطمئناً (فأنا لم أُرفض كشخص) ومفيداً أيضاً، ولا أعتقد أنني تأخرت عن أي شيء آخر منذ ذلك الحين .
إن النجاح الذي يشجع على تكرار سلوك قديم لا يكاد يكون معلماً جيداً كالفشل. فأنت تستطيع أن تتعلم من حفلة فاشلة كيف تقدم واحدة ناجحة، ومن منزل أول أسأت اختياره عما ستبحث في المرة الثانية، وحتى الفشل الذي يبدو نهائياً يمكن أن يوحي بتفكير جديد وبتغيير للاتجاه .
فبعد اثني عشرة سنة من دراسة الباليه تقدمت صديقة لي إلى مقابلة للالتحاق بفرقة محترفين، وقد رفضت، فسألت : "هل سيفيدني المزيد من التدريب ؟" فهز معلم الباليه رأسه بالنفي، وقال : "لن تكوني راقصة أبداً . فجسمك غير مناسب له ". في حالات كهذه، فإن الطريقة لاستعمال الفشل هي في أن تجري استعراضاً شجاعاً  وتسأل : "ماذا بقي لدي ؟ وما الأمر الآخر الذي يمكن أن أقوم به ؟ "تركت صديقتي حذائّي الرقص، وانتقلت إلى العلاج بالرقص، وهو مجال أثبتت فيه كفاءتها وفائدتها . ومن الغريب أن الفشل غالباً ما يجلب معه نوعاً خاصاً من الحرية؛ فحتى فشل رئيسي في الحياة يمكن أن يتبعه إحساس يقول : "لقد وقع الأمر، وأتمنى لو أنه لم يقع، ولكنه انتهى الآن، وما زلت قادراً على الحياة ".
فالفشل يحرر الإنسان، ويتيح له أن يخاطر، لأنه ليس هناك أي شيء آخر يخسره . وغالباً ما يحدث انبعاث جديد للنشاط، وإدراك إمكانيات جديدة . فالفشل يساهم إذا ما وُجهَ واستوعب وقُبِلَ في النمو الشخصي، وغالباً ما يقود إلى تحسن في العلاقات الشخصية ، فالشخص "الناجح" رسمياً غالباً ما يبقى مغلقاً على نفسه ويميل إلى الدفاع عن ذاته، غير أن الضعف الإنساني ينكشف بالفشل بكل بساطة . وتقول امرأة أنهت مؤخراً ما كان يبدو كزواج كامل: " إن صداقاتها قد اكتسبت حميمية ودفء منذ طلاقها " وقالت : "اعتدت أن استمع إلى متاعب الناس الآخرين لا أن أتحدث عن مشاكلي إطلاقاً، ولكن باستطاعتي الآن أن أخرج كل شيء، فمنذ بضعة أيام أبلغتني إحداهن قائلة: "لقد اعتدت أن تبعدني عنك تصرفاتك التي تشبه أعمال المرأة الخارقة . أما الآن فتبدين ألطف وأكثر انفتاحاً ، وأنا أحبك أفضل على هذا النحو ."
ورغم أننا قد نحسد الاطمئنان الذي يأتي مع النجاح، فإن معظمنا ننجذب إلى الفروسية التي تبدو في الفشل، ويمثلها بشكل مثالي رد فعل أدلي ستيفنسون بعد أن خسر الانتخابات الرئاسية في عام 1952، حيث قال : "إنه أكبر سناً من أن يبكي، ولكن من المؤلم جداً أن يضحك". فهناك ما يمكن أن ندعوه بالفشل النبيل - البطولة الخاصة في التطلع إلى هدف عال، ثم بذل أفضل ما بوسعك ثم، متابعة التقدم بشجاعة عندما يتضح أن جهدك لم يكن كافياً . وكما قال رالف والدو إمرسون : "إن نجاح الإنسان مكون من حالات فشل، لأنه يجرب ويغامر كل يوم، وكلما واجه سقطات أكثر كلما تحرك إلى الأمام بشكل أسرع، فلقد سمعت أنه في الفروسية ليس الفرس الجيد الذي لا يُطرحُ أرضاً إطلاقاً، بل هو بالأحرى الرجل الذي لن يكون فارساً جيداً أبداً إلا بعد أن يُطرحَ أرضاً، وعندها لن يؤرقه إطلاقاً أي خوف من أنه قد يسقط، وسوف يركب كما ينبغي له أن يفعل ."0




* * *
 
التعامل مع صدمة المستقبل
بقلم : ألفن توفلر 

لقد أخذ مجتمع جديد غريب ينبثق في وسطنا، ومفاهيمه عن الزمن والفضاء والعمل والدين والجنس كلها تتغير دون انقطاع، مما لا ينجم عنه انتماء جماعي، ويمكن إرجاع الكثير من الصراع اليوم بين الأجيال والثقافات وبين الآباء والأبناء  إلى تسارع هذا التغيير .
إننا نمرُّ الآن بتحول حضري عالمي سريع جداً إلى درجة ان سكان المدن في الكرة الأرضية قد تزايد بنحو الثلث خلال السنوات العشر الماضية، والنمو الاقتصادي سريع جداً في بعض البلدان إلى درجة أن الطفل الذي يصل سن المراهقة يُحاط الآن بضعف المقدار الذي كان يُحاط به عند الولادة من كل شيء جديد صنعه الإنسان، كما خُفِضَ إلى حدٍّ كبيرٍ الزمن الفاصل بين الفكرة التكنولوجية الأصلية وتطبيقها العملي :
فقد وجد معهد ستانفورد للأبحاث أنه بالنسبة إلى مجموعة من الأدوات المنزلية التي طُرحت قبل عام 1920 - بما فيها المكنسة الكهربائية والفرن الكهربائي والراديو - كانت الفترة الزمنية الوسطية بين طرح الفكرة وذروة الإنتاج /34/ سنة، أما بالنسبة إلى مجموعة ظهرت في فترة 1939-1959- ومنها المقلاة الكهربائية وجهاز التلفاز ومجموعة الغسالة -النشافة- فكانت الفترة الفاصلة ثماني سنوات فقط أما اليوم فإن الترانزيستور وجهاز التسجيل والأجهزة الأخرى تجتاح المجتمع بسرعة أكبر من ذلك، مغيرة الحياة ومغيرة الناس . وقد بدأ ملايين الناس، من قبل يعيشون حياة المستقبل في أمريكا وأنحاء أخرى من العالم، فما الذي يجعلهم مختلفين ؟ بالتأكيد إنهم أغنى وأفضل تعليماً وأكثر تحركاً، ولكن ما يميزهم تحديداً في الواقع هو أنهم "يعيشون بشكل أسرع" .
ولابدَّ للفرد من أجل أن يبقى على قيد الحياة في مجتمعات كهذه من أن يصبح أكثر قدرة على التكيف من أي وقت مضى وبدرجة لا تقاس، وأكثر من ذلك يجب أن يفهم سرعة الزوال، فسرعة الزوال هي "التوقيت" الجديد في الحياة اليومية، ويمكن تعريفها على أنها المعدل الذي تنقلب فيه علاقاتنا مع الأشياء والأماكن والناس والمعلومات . دعونا نستكشف الحياة في مجتمع سرعة الزوال فيه عالية جداً .
- الأشياء : مجتمع الإلقاء بالأشياء، فالمزيد والمزيد من المنتجات التي نستخدمها مصنوعة من أجل الاستعمال لمرة واحدة أو لفترة قصيرة؛ ففي منزل هذه الأيام نجد أن الزجاجات وحفاضات الأطفال والمحارم والمناديل والمناشف الورقية كلها تُستهلك بسرعة وتُلقى دون رحمة، ووجبات التلفاز تُطهى على صواني تُلقى بعد الاستعمال . وفي الحقيقة فإن المنزل آلة استهلاك كبيرة تتطاير الأشياء من خلالها بسرعة تتزايد باستمرار، ويصدق نفس الشيء بالنسبة للسيارات فنحن نتمسك بها الآن لمدة أقصر، أو نستأجرها لاستخدامها لفترة قصيرة ، وبصراحة فإننا نصنع ونقطع روابطنا بالأشياء المحيطة بنا بسرعة أكبر من أي وقت مضى .
إن سرعة زوال علاقاتنا مع الأشياء ترتبط أيضاً بتكاثرها وتنوعها . فما بين عامي 1950 و 1963 زاد عدد أنواع الصابون والمنظفات على رفوف البقاليات الأمريكية من /65/ إلى /200/ نوع، وأنواع الأطعمة المجمدة من /121/ إلى /350/ نوعاً، وخلائط الخبز والطحين من /48/ إلى /200/ نوع . فنحن نندفع، في الحقيقة باتجاه الإفراط في الاختيار، وهي نقطة تلتغي عندها فوائد التنوع بسبب تعقيد عملية اتخاذ القرار لدى الشاري . فالإنتاج السريع جداً للأشياء في حياتنا إضافة إلى التعقيد المتزايد للاختيار، يواجهانا بالحاجة إلى اتخاذ قرارات سريعة بشكل متزايد، وغالباً ما تكون تافهة .
- الأماكن : الرُحَّل الجُدد : مثلما تدخل الأشياء حياتنا بسرعة هائلة، وتخرج منها بنفس السرعة، كذلك يحصل للأماكن . فالأمريكيون يسافرون أسرع وأبعد من أي وقت مضى ، فضلاً عن ذلك ، غير /35.6/ مليوناً أمريكياً أماكن سكنهم في الفترة ما بين آذار 1975 وآذار 1976 - أي في سنة واحدة . وهذا العدد أكبر من مجموع سكان كمبوديا وغانا وهندوراس ومنغوليا ونيكاراغوا وتونس معاً، والأمر كما لو أن كامل سكان هذه البلدان قد غيروا مواقعهم بشكل مفاجئ ، وفي كل عام منذ عام 1948، غَيَّرَ واحد من كل ستة أمريكيين عنوانه .
والسكان المهنيون والتقنيون من بين أكثر الأمريكيين تنقلاً (وهناك نكتة تدور بين مدراء شركة آي ب م. IBM)  (شركة الآلات والأعمال الدولية) تقول: (أن آي بي م ترمز إلى عبارة :قد نقلت0  وهذا الانتقال للإداريين من منزل إلى منزل كما لو كانوا أحجار شطرنج بالحجم البشري على لوحة شطرنج عالمية، جعل أحد علماء النفس يقترح خطة طريفة لتوفير الأموال تدعى "الأسرة المعدلة" ، وبموجب هذا النظام يمكن للإداري ألاّ يترك منزله وراءه فقط، بل ويترك أسرته أيضاً ، عندها تجد له الشركة زوجة مماثلة وأطفالاً في موقعه الجديد . غير أنه يبدو أن أحداً لم يأخذ هذه الفكرة على محمل الجد بعد .
إن مثل هذا الانتقال المتكرر يُوَلد ضياع الالتزام الذي قد لاحظه العديد من الكتّاب بين الكثيري التنقل . فالإنسان المتنقل يكون عادة في عجلة شديدة من أمره مما لا يسمح له أن يضرب جذوراً في أي مكان واحد . وهكذا يُنقَلُ عن إداري في شركة للطيران قوله :  إنه يتجنب المشاركة في الحياة السياسية لمجتمعه . "ولأنه لن يكون ممن يعيشون في هذا المكان بعد بضع سنوات . فأنت تزرع شجرة، ولكنك لا تراها تنمو أبداً". غير أنه إذا ما سحب الإنسان من المشاركة ما الذي سيحدث للمجتمع وللذات ؟ هل يمكن للفرد أو المجتمع أن يبقى من دون التزام ؟
- الناس : "عدم الانتماء " المبكر : يمّر الناس في حياتنا بسرعة أكبر أيضاً ، ونحن نشكل علاقات ذات ارتباطات محدودة وصداقات يسهل التخلي عنها ، فمن الصعب جداً الإبقاء على الاتصال عندما تتغير الوظائف والوضعيات والأماكن، فبالمقارنة مع أجيال مختلفة كانت روابطها قليلة نسبياً ومستقرة. نحن نتعامل في حياتنا اليومية مع عدد من الناس أكبر بكثير، كما تتغير مجموعة الشخصيات بصورة متكررة .
ويبدأ التدريب على "عدم الانتماء" مبكراً في هذه الأيام . اسأل صفاً مدرسياً من الأطفال: كم منهم فَقَدَ أحد أصدقائه في السنة الماضية لأن أسرة الصديق قد انتقلت، وانظر إلى الأيدي التي ترتفع ؟. ففي الأجيال الأقدم كان الصديق الأفضل يدوم طويلاً . أما اليوم فأطفالنا، الذين وقعوا في قبضة ثقافتنا السريعة الخطى يبدلون صداقاتهم بسرعة محمومة، مع ما يرافق ذلك من نتائج من حيث الوحدة والعزلة وضياع الارتباط العاطفي الذي يُوَلد الإحساس العميق بالرضا .
- المعلومات : الصورة الحركية : إننا لا نبدل فقط الأماكن والأشياء والناس بسرعة كبيرة، بل نحن معرضون لضغط مستمر من أجل التخلص من الأفكار والحقائق التي أصبحت قديمة . ويقول خبير الاتصالات روبرت هيليارد : "في الوقت الذي يتخرج فيه الطفل الذي ولد اليوم من الجامعة ستكون كمية المعلومات أكبر مما هي عليه الآن بأربع مرات"، وهذا يؤثر في حياة كل شخص لأنه يجب على كل شخص أن يحمل داخل رأسه نموذجاً عقلياً للعالم .وإذا كان لنا أن نعمل، أو حتى أن نبقى أحياء فيجب أن يحمل نموذجنا بعض الشبه من الواقع ، ولكن، وفي عالم متغير بسرعة، نجد أن حقيقة الأمس تصبح حكايات اليوم بشكل مفاجئ ، ومثال على ذلك هو التغير الجذري الدائم في "قواعد" تربية الطفل التي تعدّها العلوم الاجتماعية المتذبذبة، والتي تسبب ارتباكاً واسعاً لدى الآباء . 
فالبالغ الأمريكي الذي تحيط به المطبوعات اليوم يستوعب الآلاف من الكلمات المنشورة يومياً،كما يقضي عدة ساعات يومياً وهو يستمع إلى المذياع، ويشاهد التلفاز، فيضيف ذلك عدة آلاف أخرى من الكلمات، وهو عرضة لهجوم المئات من الرسائل الإعلانية كل يوم . ولا يمكن أن يتركنا هذا كله دون تأثير، فنحن نعاني أكثر فأكثر من فرط المعلومات .وفي الجهاز العصبي للدماغ هناك وفق كل الاحتمالات حدود مادية لمقدار وسرعة إعداد الصور . فبأي سرعة يستطيع العقل البشري أن يستمر في استعراض صوره الداخلية عن العالم قبل أن يصطدم بهذه الحدود ؟ لا أحد يدري . 
إننا نعرف فعلاً أن الناس غالباً يعتريهم المرض عندما يطلب منهم أن يتغيروا مرة بعد أخرى - ولا يمكنهم مجاراة ذلك، فكيف يمكن للتغير أن يؤدي إلى المرض ؟ فالتغيير في المنبهات - البصرية والسمعية والحسية - يطلق في داخلنا استجابة بدنية ضخمة ومعقدة. فإذا كان المحيط مثقلاً بالجديد يمكنه أن يحدث ما يماثل العصاب الناجم عن القلق - أي الناس الذين تتعرض أجهزتهم العصبية باستمرار إلى فيض في الأدرنالين، والذين تدق قلوبهم بسرعة، وتصبح أيديهم باردة، والتوتر الطويل الأمد يولد المرض .  غير أن صدمة المستقبل تهاجم النفس أيضاً . القلق، والانهيار الناجم عن التشوش، والحساسية المفرطة والعنف واللامبالاة، وهناك اليوم دلائل مثيرة للدهشة على الانهيارات في كل مكان حولنا؛ الاستعمال الواسع الانتشار للمخدرات، وازدياد الغيبة، والسياسات العدمية، واللامبالاة المرضية لدى الملايين، شيوخاً أو شباباً على حد سواء . ويجعل الغنى، ولأول مرة في التاريخ، من الممكن لأعداد كبيرة من الناس أن تمارس هذا النوع من الانسحاب العاطفي . فربّ الأسرة الذي يعتكف في أمسياته ليتناول كؤوس المارتيني، ويشاهد الخيالات المتلفزة ينسحب من الحياة جزئياً . أما بالنسبة للمتساقطين الآخرين فإن الانسحاب يكون كل الوقت وتاماً . ومن المستحيل إحداث مثل هذه الصدمة المستقبلية في أعداد كبيرة من الأفراد دون التأثير في عقلية المجتمع ككل.
كيف يمكننا، إذن، أن نتعامل مع صدمة المستقبل ؟ في المستوى الشخصي الأقصى نستطيع أن نحسن قدرتنا على التعامل مع التغير من خلال القيام بشكل واع ببعض الأمور التي اعتدنا أن نقوم بها بشكلٍ غير واع من قبل . وحسب رأي الدكتور هانس سيلي  الذي فتحت أعماله عن التوتر آفاقاً جديدة في علم الأحياء وعلم النفس، "يستطيع المرء أن يبحث بشكل واع عن العلامات التي تظهر بأنه يتعرض إلى توتر أكثر مما ينبغي، فقد تكون خفقات القلب السريعة أو الارتعاشات، أو الأرق، أو الإرهاق الذي لايمكن تعليله إشارة إلى فرط الإثارة ". وبسؤال أنفسنا ما إذا كنا نعيش أسرع مما ينبغي، يمكننا أن نحاول، وبشكل واع تماماً، أن نقوم -ونغير- سرعة حياتنا .
فنحن نستخدم وسيلة للتخفيف من الإثارة، على سبيل المثال، عندما نطفئ جهاز الستيريو الذي كان يرهق طبلة آذاننا، أو نبحث عن السلوى في بقعة منعزلة من الشاطئ، ولكن لدينا وسائل أقوى للتعامل مع خطر فرط الإثارة ؛ إذ نستطيع على سبيل المثال أن نرفض شراء المنتجات التي تطرح بعد الاستخدام ، ونستطيع أن نتمسك بمعطفنا القديم لموسم آخر، ويمكننا أن نرفض بجرأة أن نجري وراء أحدث اتجاه للأزياء ، ويمكننا أن نقاوم عندما يقول لنا أحد الباعة : إنه حان الوقت للمبادلة على سيارتنا . وبهذه الطريقة نقلل من الحاجة إلى صنع وقطع الروابط مع الأشياء المادية المحيطة بنا .
    ولا نريد أن نوحي من خلال أي من هذه الأمور، بأن التغيير يمكن أو ينبغي أن يوقف. فالمشكلة ليست في كبح التغيير بل في التحكم به . إذ في التحكم به، ربما لا ينبغي أن يتبع انقطاع ارتباط ما الانتقال إلى عمل جديد بعد وقت قريب جداً . فالأرملة التي تركت زوجها حديثاً ربما لا ينبغي عليها أن تندفع إلى بيع منزلها . وكانت الطقوس في الماضي تستخدم كمصدر هام في وجه التغيير ، وما زال بالإمكان استخدامها . فإرسال بطاقات عيد الميلاد على سبيل المثال، طقس سوي لا يمثل الاستمرارية بذاته فقط، بل يساعد الأفراد أيضاً على إطالة جميع الصداقات المؤقتة جداً . وهكذا الأمر بالنسبة إلى احتفالات أعياد ميلاد الأشخاص والعطل والذكرى السنوية . غير أن جميع هذه الجهود الشخصية غير كافية ، فمن الصعب أن تعيش حياة سرعتها معقولة بينما يندفع المجتمع مسرعاً . هذا هو السبب في أننا نحتاج أيضاً إلى سياسات اجتماعية وإستراتيجية من أجل منع صدمة المستقبل . 
أولاً، يجب أن يوجد المجتمع نظام تعليم "صناعي فائق" - نظاماً يساعد قدرتنا على التكيف، ففي أنظمة الغد التكنولوجية سوف تؤدي الآلات المهام الروتينية بشكل متزايد، بينما يؤدي الناس المهام الفكرية والإبداعية، وهذا الدرس واضح بالنسبة للتعليم : فلم يعد كافياً أن يفهم جوني الماضي ، وليس كافياً أن يفهم الحاضر لأن البيئة الحالية سوف تتلاشى سريعاً ليحل محلها شيء جديد، فنحن نرسل جوني إلى المدرسة لمساعدته على أن يعيش حياة أفضل في المستقبل.
ولكن كم منا أخذ الوقت الكافي ليفكر بجد حول ما سيكون عليه المستقبل ؟
فمعظمنا، والمعلمون ضمناً، يفترض أن أسلوب الحياة الحاضرة سوف يتكرر في المستقبل، غير أن كل الدلائل تشير إلى غدٍ متغير بشكل جذري، ويجب أن يتعلم جوني كيف يتوقع الاتجاهات وسرعة التغيير، وهذا كله يتطلب تجديدات واسعة وإبداعية في نظامنا التعليمي . وهذا يعني، على سبيل المثال، أنه لا ينبغي أن يطلب شيء في المنهاج ليس بالإمكان تبريره من حيث فائدته المستقبلية . ولا يُقصَد من هذا أن يكون قولاً "معادياً للثقافة" أو نداء من أجل التدمير الشامل للماضي . كما أنه لا يوحي بأننا نستطيع أن نتجاهل أساسيات مثل القراءة والكتابات والرياضيات . إن ما يعنيه فعلاً هو أن عشرات ملايين الأطفال اليوم يُرغَمون بحكم القانون على أن يقضوا ساعات ثمينة من حياتهم يجترون مادة فائدتها المستقبلية محل شك كبير . فلماذا على سبيل المثال، يجب أن ينتظم التعليم حول مبادئ ثابتة مثل اللغة الإنجليزية والاقتصاد والرياضيات وعلم الأحياء ؟ ولماذا لا ينتظم حول مراحل دورة الحياة البشرية أو حول المشكلات الاجتماعية المعاصرة ؟ أو حول "مستقبل الأسرة" أو "أسلوب حياة الغد" ؟ هناك علامات مشجعة على أن التعليم العالي قد بدأ يتعامل مع المستقبل باحترام جديد . ففي خريف هذا العام سوف تقدم الجامعات الأمريكية ما يبلغ /300/ دورة مختلفة عن المستقبل، ويجب أن تبدأ مدارسنا الأدنى أيضاً . بإدخال الطالب إلى الغد . وكما كتب إلي مؤخراً شاب في السابعة عشرة من عمره "إن الشباب هم المساهمون الرئيسيون في أسهم المستقبل". والاستراتيجية القوية الأخرى في معركة الحيلولة دون صدمة المستقبل تتضمن ترويض التكنولوجيا، فسرعة التغيير تتزود بالقوة من التجديد التكنولوجي . فنحن لا نستطيع ويجب ألاّ، نوقف التقدم التكنولوجي، ورومانسيات الطبقة الوسطى هي وحدها التي تثرثر حول العودة إلى "حالة الطبيعة"، حيث تكون الحياة النموذجية فيها، كما يذكرنا هوبس ، "فقيرة ورديئة ووحشية وقصيرة".
وفي نفس الوقت، من الصحيح بما لا يحتمل النكران أننا كثيراً ما نطبق التكنولوجيا الجديدة بغباء وأنانية . ففي تسرعنا لاستغلال التكنولوجيا من أجل المنفعة الاقتصادية المباشرة على سبيل المثال، حولنا بيئتنا إلى صندوق سريع الاشتعال مادياً واجتماعياً . وما نحتاج إليه بشدة هو حركة عالمية في سبيل التكنولوجيا المسؤولة، فيجب . أولاً، أن نخضع التكنولوجيا الجديدة إلى مجموعة من الاختبارات البيئية الصارمة قبل أن نطلقها في وسطنا، وذلك لكي نوقف إضافة التلوث والضجيج والقذارة . ثانياً، يجب علينا، وهذا أمر أكثر تعقيداً، أن نتساءل حول الأثر الطويل الأمد للتجديد التكنولوجي على الوسط الاجتماعي والثقافي والنفسي، وكذلك على البيئة المادية، فالسيارة على سبيل المثال، يُعتقد بشكل واسع على أنها غيرت شكل مدننا، وغيرت أنماط ملكية المنازل وأنماط تجارة المفرق، وغيرت العادات الجنسية وفككت الروابط العائلية . ولم يعد باستطاعتنا أن ندع مثل هذه الآثار الاجتماعية والثقافية الثانوية تَحدُث بهذه البساطة . بل يجب علينا أن نحاول قدر المستطاع أن نتوقعها مسبقاً . وحيث يُحتمل أن تكون هذه الآثار مضرة بشكل خطير، يجب علينا أيضاً أن نكون على استعداد لمنع هذه التكنولوجيا الجديدة . هذا هو السبب في أن الجدل العام حول الانتقال بالسرعة ما فوق الصوتية جدل صحي جداً . لقد كانت المرة الأولى التي يطرح فيها قطاع كبير من الجمهور أسئلة حول وسيلة تكنولوجية جديدة قبل دخولها مسرح العمليات بدلاً من أن يكون طرحها بعد ذلك . وهذه بداية وعي مستقبلي نحتاجه كثيراً وأول خطوة في تحويل السيطرة على التكنولوجيا من أيدي الشعب نفسه، ولا نستطيع توجيه التكنولوجيا إلى قنوات أكثر إنسانية ونحدد سرعة وصولها لكيلا تحدث صدمة مستقبلية جماعية إلا باتباع هذا المنهج.
وباختصار يمكن تفادي صدمة المستقبل - التي هي مرض التغيير . ومن أجل القيام بذلك يجب على الفرد أن  يصبح أكثر قدرة على التكيف بشكل لا محدود، وأكثر قدرة من أي وقت مضى . ويجب عليه أن يبحث عن طرق جديدة كلية لكي يُثَبت نفسه، وذلك لأن جميع الجذور القديمة - الدين أو القومية أو المجتمع أو الأسرة أو المهنة - تهتز الآن تحت وقع الصدمة الإعصارية للاندفاعة المتسارعة، ولكن إذا كان لنا أن نتجنب انهياراً جماعياً في التكيف، يجب علينا أن نتعلم كيف نسيطر على سرعة التغيير لا في شؤوننا الشخصية فقط، بل في المجتمع ككل .

* * *
 
صدمة السعادة
بقلم : جورج كنت   

بقيت الفتاة مستلقية في مصح للسل في سويسرا لمدة ثمانية أشهر دون أي تقدم عملياً، وفي أحد الأيام وصل والدها، وبعد أن ألقى نظرة قلقة عليها تركها وذهب للتحدث مع الطبيب المسؤول، وبعد نصف ساعة كانت عربة جليد يجرها حصانان، وبأجراسها المجلجلة وكامل احتياجاتها جاهزة على الباب، وقد لُفَتْ الفتاة ببطانيات، وحُملَتْ إلى العربة، وانطلقا يصعدان ويهبطان الطرق الجبلية المغطاة بالثلوج، مع توقف لتناول الشوكولاته والكعك، وتوقف آخر عند فجوة في وادي ألبي، ثم انطلاقة أخرى لمدة عشرين دقيقة أخرى . 
لم تحدث معجزة، ولكن أظهرت السجلات أن الشفاء بدأ من تلك اللحظة . وبعد أقل من سنة عادت إلى المنزل وقد قطعت شوطاً بعيداً على الطريق لاستعادة صحتها العادية .  وهذا مثال جيد أعرفه عما يمكن أن يسمى الشفاء بواسطة صدمة السعادة . ويعرف قاموس وبستر الصدمة : على أنها "تهيج مفاجئ وعنيف للأحاسيس العقلية أو العاطفية". وبمعنى آخر تغيير فظ للروتين، وحجر يُلقى عبر نافذة الملل الرمادية؛ وليكن هذا التغيير مفرحاً، فقد كانت الزوجات القديمات يعرفن دائماُ أن السعادة دواء، وإذا ما مورست بحدة وبشكل درامي يمكنها أن تصنع المعجزات .
إن عملية العيش تستدعي صرخة سرور من حين إلى آخر، ولا يتأتى هذا إلا من التعرض المفاجئ إلى شيء، وربما نكون قد حلمنا به، ولكننا بالتأكيد لم نتوقعه . فنحن نميل جميعاً إلى الوقوع في الروتين . وهكذا ينصح مستشارو الزواج الأزواج بأن يفاجئوا المرأة الصغيرة بالأزهار، ويخبروا الزوجات بأن يقدمن طعماً جديداً للسمك، أو مضرب غولف لأزواجهن . فالهدايا تقدم في أعياد الميلاد، وفي المناسبات السنوية، وفي عيد ميلاد المسيح بالطبع، لكن الهدية التي توقظ الروح الخاملة هي تلك التي تُقَدَم دون أي سبب إطلاقاً عدى الحنان، وفي أي يوم عادي .
والنصيحة الجيدة ليس للأزواج والزوجات فقط هي : لماذا لا نحول مفاجأة صغيرة إلى صدمة فرح من خلال جعل الهدية مختلفة، أو أكبر من المألوف بشكل درامي ؟ فبينما كنت أزور صديقة لي أحضر رجل دلواً من نبات الفريزية، /50/ نبتة على الأقل، كافية لتزيين وتقطير المنزل لأسابيع والزوجة لا تزال تذكرها، وفي مناسبة أخرى جاء يحمل علبة من الحلوى، وعليها وردة أوركيد واحدة . والقاعدة في العطاء هي أن تمنح أكثر مما هو متوقع . اصدم ساعي البريد والنادل وعاملة التنظيف بمكافأة سخية إن هذا لن يسبب لك الإفلاس، ولكنك ستحصل على المردود في شكل خدمات باسمة، وينطبق الشيء نفسه على الهدايا المقدمة لأي شخص وفي أي وقت . 
إن ربطة العنق السنوية التي كان والدي يحصل عليها من عمتي سنوياً كانت تدفعه إلى أن يبعث لها برسالة شكر، غير أن رافعة السيارة الهيدرليكية التي أرسلتها في عيد الميلاد جعلت المنزل يضاء بالبريق الصادر من عيني والدي، وجعلها تتلقى بدلاً من الرسالة مخابرة هاتفية مليئة بالثناء .
وقضاء أمسية خارج المنزل بعد نزوة مفاجئة يعادل دستة من المواعيد المخططة بعناء، ففي إحدى الليالي اتصل صديق لي وهو مدير في إحدى الشركات بزوجته قائلاً : "إنني بانتظارك في ردهة فندق السان جورج، إننا سنتناول عشاءنا في الخارج، لقد وجدت مطعماً أنيقاً يقدم شرائح اللحم." وقد سمعها تتمتم قائلة، "ولكن العشاء جاهز من قبل". فقال الزوج : "ضعيه في الثلاجة وسنتناوله غداً".
لقد أصيبت المرأة بصدمة مفاجئة، ولكنها كانت سعيدة في سرها حيث بدا الأمر وكأنهما قد عادا إلى أيامهما القديمة التي كانا يتغازلان فيها حيث لم يكن يهمهما أي شيء إلا الالتقاء معاً، وبعد العشاء ذهبا إلى نادٍ للديسكو بدلاً من الذهاب إلى مكان للرقص الهادئ يرقصان الروك والتويست مقلدين الشباب من حولهما ، وعند الساعة الواحدة أنَّ الزوج وهو يبتسم "آه ! إن ظهري يؤلمني" ، وقالت السيدة "آخ يا حبيبي"، وكانت عيناها تلتمعان ببريق الفرح . فمع تقدم الزواج يكون موقف كهذا من أفضل الأمور، لأن صدمة كهذه لا تفشل أبداً في دغدغة المشاعر والعواطف .
وقد قال بلزاك : "ينبغي أن يكون لكل مساء وجبته" . وقد تكون ساعة من التزلج تحت ضوء القمر على بحيرة نائية، وقد تكون طعاماً غريباً . فبدلاً من الذهاب إلى السينما لم لا نذهب إلى لقاء سياسي، وننهض ونعبر عن رأينا ؟ وبكلمة أخرى نستكشف الإمكانيات، وعندها سنجد أنها متنوعة بتنوع ذكائنا وخيالنا . وعلى الرجل الجريء أن يتذكر المداومة على فعل ذلك بعد الزواج ، ففي العمل نراه ما يزال يُعمل عقله، ولكن المنزل يصبح بالنسبة له مكاناً لعدم التفكير؛ وعدم التفكير قد يصبح عادة كما أن الذكاء عادة أيضاً ويمكن تدريبها . وإذا ما استطعت أن تحقق معجزة في المنزل فالاحتمال الأكثر أنك تستطيع أن تبدع في المكتب .
ومع الأطفال يمكن حتى أن تكون صدمات السعادة علاجاً لسوء السلوك . خُذّ مثلاً طفلاً عمره ثلاث سنوات لا يريد أن يبقى في سريره، ويستمر في النزول إلى الطابق الأسفل، وهو على استعداد لتحمل التوبيخ، وحتى لعودة سريعة إلى مهده . وفي إحدى الأمسيات جربت مناورة جديدة حيث رفعت الطفل إلى كتفي، وسرت إلى خارج المنزل، وكانت السماء مرصعة بالنجوم ، وكان القمر هلالاً صغيراً ، وكان الطفل لم يرَ الليل من قبل، فأحس بالرهبة ، ثم النشوة ثم الخوف، وغمرته بهجة مفاجئة . وقد أشرت له إلى المجموعات النجمية القليلة التي أعرفها : كوكبة الجبار بحزامها، والدب الأكبر بنجمته الكبيرة . وطمأنته بأن الصوت الغريب الذي سمعه كان صوت بومه، وأنها طير يتحرك في الليل  . أما بالنسبة للحفيف ، فكانت صوت الأوراق التي تهمس أثناء نومها . ولم تضع هذه النزهة حداً لرحلات هبوط السلالم ، ولكنها أصبحت أقل تكراراً، ولم تعدْ بأكثرها نتيجة لحلم سيئ  أو للبقاء وحيداً دون نوم . وهذا علاج آخر، أو شبه علاج عن طريق صدمة السعادة .
يكاد يكون نقص الثقة بالنفس لدى بعض الرجال والنساء مرضياً ؛ كالرجل الذي يتجمد عندما يُطلَبُ منه أن يخاطب جمهوراً من المستمعين ، والمرأة التي ترتبك عندما يكون هناك أكثر من أربعة أشخاص على العشاء . وبالنسبة لأشخاص كهؤلاء قد تكون الصدمة البسيطة الناجمة عن تغير مفاجئ أفضل من العلاج بالصدمة الكهربائية .
وفي ذهني الآن شخصٌ خجول كان يعيش في منزل صغير في الضواحي ، وكان لديه طفلان ، وامرأة كانت تتحكم به بطريقة نكدة وغير ذكية ، وقد كانت وظيفته كمحاسب تعطيه معرفة بكل جوانب الشركة التي كان يعمل لديها، وفي أحد الأيام أرسل، وهو مطمئن لحماية روتين إرسال المذكرات اقتراحاً إلى المدير العام ، وكانت فكرة جيدة ولكنها تحتاج إلى بحث، وهكذا طُلِبَ منه أن يحزم حقائبه ويقوم بالمهمة، وقد أراد بصدق أن يرفض المهمة ، ولكنه لم يجرؤ أن يفعل ذلك ، وهو يواجه المدير . وكانت أخبار قيام هذا المخلوق الروتيني اللطيف برحلة غير متوقعة خارج البلدة مثل انفجار قنبلة في داره الصغيرة في الضاحية . واستمرت موجات الصدمات بالاتساع عندما استقر في مقعده في الدرجة الأولى في الطائرة، ونزل في أحسن فندق وأجرى مكالمات هاتفية وحدد مواعيد ؛ وبين عشية وضحاها أصبح رجلنا رجلاً واسع الخبرة ، ولم تعد الحياة في الضاحية كما كانت عليه أبداً ، وقد اشترى سيارة جديدة واستعاد السيطرة على منزله بالتدريج ، وزوجته التي كانت في سرها لا تريد أكثر من أن يتحكم بها ذكرٌ مهيمن، ابتهجت سروراً واستعادت متعة الضحك . وتفسير ذلك صدمة الفرح التي انطلقت من الداخل ، وبجهود الرجل ذاته .
ومن الممكن لنا كلنا أن نخلق الصدمة التي يمكن أن تغير حياتنا . وقد يحتاج الأمر إلى أسهل مما يمكن أن نتخيل ، ففي فنلندا يندفع المرء من حمام الساونا الفائق الحرارة ليغطس في المياه المثلجة في البحيرة ، توقف لتفكر في الموضوع ولن تفعل ذلك أبداً ، فقط اغطس دون تردد، وبعد الصدمة تشعر بإحساس مدهش لم تمارسه من قبل .
يريد كل شخص أن يعرف كيف يحصل على أكثر ما يمكن من الحياة ، والجواب هو أن نستفيد أكثر ما يمكن من القوة التي تسيرنا ألا وهي عواطفنا ، فعن طريق تحريكها بأسلوب حكيم ولكن صارم ، نستطيع أن نحصل على الثقة بالنفس والشعور بالقوة مما سيقودنا إلى حياة مغلفة بالمتعة ، والإثارة والحب والجمال . فقد قال فرانز كافكا في إحدى المرات : "نحتاج إلى فأس جليد لكي نحطم البحر المتجلد في داخلنا" . وأفضل فأس هي صدمة السعادة .



* * *





إذا كنت سأموت قبل أن أستيقظ
بقلم : أرديس ويتمان 

أنني أستلقي الآن لكي أنام 
وأرجو من الله أن يحفظ روحي 
وإذا كنت سأموت قبل أن استيقظ أرجو من الله أن يأخذ روحي 
كلما رددت تلك الصلاة كفتاة صغيرة لم أكن أفكر بالموت بل بالحياة، ولم أكن أفكر بالنوم ، بل بالاستيقاظ في اليوم التالي . ويا له من استيقاظ ! الشمس تسطع من خلال النوافذ كأنها برق الفجر، وقد بدأت الطقطقة المرحة لنار المطبخ، كما تناهى إليَّ عبير القهوة وصوت والديّ يتسايران، وقد بدا هذا كله ، وكأنه يرحب بي إلى احتفال يوم آخر . كانت حياتنا اقتصادية ، ولكن منزلنا كان مركزاً للحياة لا للموت، وللاستيقاظ لا للنوم . لم تكن لدينا نقود، ولكن كان لدينا كل شيء آخر تقريباً، وخاصةً حيوية أمي المتوهجة . إنني أستطيع أن أراها الآن وهي تجري صاعدة وهابطة السلالم، وحتى سلالم العليَّة كي تنظر إلى تلاعب الريح بالأشجار من نقطةٍ متميزةٍ وخاصةٍ . لقد كانت تقرأ بنهم حيث تقوم بتكديس الكتب حولها ، وكانت الموسيقى حبها الكبير أيضاً، وكانت تنساب في منزلنا ، وكانت تبدو وكأنها تدور في كل اتجاه مادة يديها إلى كنوز الحياة .
كانت موهبة أمي الخاصة بالنسبة لي كطفلة هي هذا الإحساس بالفرح المفعم بالحيوية بكل شيء ، فما أزال أذكر هذه الحيوية - رائحة الأوراق المحترقة ومخازن التبن المغبرة، وأمسيات الصيف ، وعندما كنت أتسلق قمة شجرة لكي أهتز مع الريح في تلك الساعات المفعمة بالعبق . يا لجدّة وحيوية ويقظة هذه الذكريات ! لذلك لا عجب أنني  كلما تلوت صلاتي كل مساء : إذا كنت سأموت قبل أن أستيقظ- ما كنت أفكر بالموت بل بالاستيقاظ ، كنت أفكر بالغد وباليوم التالي وبالسنين التي لا تنتهي .لم تخطر هذه النجوى الطفولية على ذهني لسنوات ، ثم علمت مؤخراً ما تقوله لنا نحن الذين أصبحنا كباراً . فقد كنت في المستشفى غارقاً في مرض يتهدد حياتي عندما وجدت نفسي في مساء أحد الأيام أكرر في داخلي أكثر العبارات إثارة للمشاعر في صلاة الأطفال هذه : "إذا كنت سأموت قبل أن أستيقظ" . وفجأة عرفت أن ما كان يقلقني ليس التفكير بالموت ، بل في أن أموت قبل أن أستيقظ تماماً من سبات حياتي ، وأدركت أن ما تقوله الصلاة هو : "استيقظ وعش لأن الوقت يمر سريعاً" . فوعدت نفسي بحرارة بأنني لن آخذ أي لحظة من الحياة على أنها أمر مسلم به مرة ثانية بعد الآن".
في لحظة الاستنارة الروحية الخاطفة تلك فكرة كم هي عميقة كلمة "الاستيقاظ"، وكم هي قريبة من جذور الحياة . يقول القاموس أن كلمة "يستيقظ" لا تعني "النهوض من النوم فقط"، بل أيضاً "النهوض إلى العمل" . وباختصار تعني تولد في الحياة ثانية . فالبالغ ، مثله مثل الطفل ، ينبغي أن ينهض من النوم والربيع في قلبه ، هذا ما ينبغي ولكن نادراً ما يحدث . ولنفترض أننا أحصينا كم عدد الساعات، في الأسبوع الأخير، التي تحركنا فيها مثل الأطفال، وممن على أهبة الاستعداد لتلقي رياح السماء، نلامس ونسمع وننظر، كما لو أن الصبح قد انبلج للتو على الأرض، وللمرة الأولى، كم ستكون هذه الساعات ؟. 
صحيح أن الأمر كان أسهل عندما كنا أطفالاً . كنا عندها نجري طوال أيامنا يقظين كالشمس الساطعة، وكان كل شيء ممكناً، وكانت الحياة أبدية؛ إننا لا نستطيع العودة إلى أفراح الطفولة السحرية المتيقظة تلك ، ولكن لدينا رحلات خاصة بنا علينا أن نقوم بها، "وفرح البالغ عندما يأتي، ينبع من أسباب أعمق من أسباب الطفل . إنه مفعم بتفهم أكبر ، وهو مشحون بتجربة أطول وأشدّ تأثيراً . إنني أتذكر يوماً في أوائل الربيع . ولمدة أسابيع كانت نيوإنغلند في أشد حالاتها برودة وغزارة مطر ، وفجأة طلعت أشعة الشمس كأنها يد الله على الأرض ، فظهرت براعم حمراء على شجر القيقب، وتقافزت طيور أبي الحناء في المروج، وللمصادفة السعيدة كان الوقت عطلة زوجي المدرس .
    فركبنا السيارة ، وانطلقنا إلى غابة حكومية كانت خالية من كل شيء عدا العصافير والقرود ، فوصلنا إلى النهر . كان الرمل على الشط حاراً من أشعة الشمس، فتمددنا عليه جنباً إلى جنب يمسك كل منا بيد الآخر ، كان الهواء مليئاً برائحة الشمس على أشجار الصنوبر ، وبأصوات الماء الجاري الناعمة . تحدثنا قليلاً، ولكن ما كان لفرح طفل أن يزخر بهذا القدر من السعادة .
    ومن مكان غير معروف تأتي لحظات اليقظة هذه مثل البركة، لحظات نكون فيها كتلة واحدة نستجيب إلى الحياة بكليتنا مثل الأطفال . إن الأمر أشبه بالعودة إلى الطفل في داخلنا، ولكنها العودة بإدراك . فالأمر هو أن نكون أحياء ، بالدرجة الأولى ، وبالنسبة للعالم الجميل المحيط بنا . إن مجرد كوننا ولدنا ، وعشنا أصلاً أمر رائع تماماً . إن العالم من حولنا بكل عيوبه ، جميل حقاً ، ويستحق منا العرفان . نعم ، وكذلك أهله ، فإذا كان البشر غالباً ما يؤذون كلاً الآخر، فكثيراً ما يشفقون ويتعاطفون، وعندما لا يكونون لطفاء ، فذلك غالباً لأنهم مثقلون بمتاعبهم الخاصة ، إننا نكون مستيقظين تماماً عندما ندرك هذه ، فننسى أنفسنا ونبذل حبنا .
إنني أتذكر عصر أحد أيام الربيع في باريس منذ سنين خلت ، كنت محزونة بسبب ما بدا لي أنه خيانة من صديقة موثوقة ، فسرت في الشارع الجميل وحيدة متناسية اليوم الجميل ، ومنزعجة من سعادة الناس الذين كانوا يمرون بي . فلاحت أمامي أبراج كنيسة نوتردام وقد استهوتني ظلمة الكاتدرائية ، فدخلت من باب جانبي ووجدت نفسي أتجول ودليلي العجوز يسير على رؤوس أصابعه ، وكان مكوراً كثمرة المشمش ، ويتدفق معرفة . وقد جاهدت لكي أصغي، لكن حزني ازداد وغمرني ؛ وفجأة وجدت نفسي أبكي مما سبب لي الذعر فضاعف دليلي الصغير الجسم من فصاحته وقد هالته حالتي . وأخيراً، عندما بدا وكأن الدموع مقدر لها أن تستمر طويلاً . توقف فجأة في محراب قصي، حيث كان يتسلل نور الشمس من نوافذ مقوسة ، توقف ومد يده ، وقال بنعومة بلغته الانكليزية الطريفة : "تمسكي بي . فأنا هنا" . فوقفنا هكذا في الضوء المتدفق، وفي تلك اللحظة ترك الحزن مكانه للتفهم ، وفي دفقة فرح وحنان رأيت وأحسست الحب في العالم، وطيبة الكائنات البشرية وأيديهم الممدودة كل إلى الآخر، رأيتها، وأحسستها كما لو أنها كانت ذات وجود محسوس يغمر الكنيسة القديمة .
كل هذا يمثل روعة اليقظة، وهي مهمة لكل منا قبل أن يموت . غير أن القليل من الناس يعيشون حياتهم على هذا النحو ، وبدلاً من ذلك، ننجرف على سطح الأشياء مبهورين ومرتبكين مثل الحالمين، ونكون نصف أحياء فقط . ثم يأتي ويطبق قِصَرُ الزمن علينا مثل نهاية سوداء . وما كنا نأمل أن نفعله بحياتنا لم ننفذه ، والأشياء التي أردنا أن نقولها لم نقلها ، والناس الذين أردنا أن نعبر لهم عن حبنا لم يسمعوا منا ذلك أبداً ، والأخطاء التي ارتكبناها لم نعوض عنها ، والمواهب التي لدينا لم نستعملها . ويكاد يبدو كما لو أننا فعلنا ذلك عن عمد ، وكأن الانجراف هو ما كنا نريده فعلاً ، ولكن الأمر ليس كذلك ، فما نريده فعلاً هو أن نعيش بينما نحن نحيا ، ونريد أن نستيقظ قبل أن نموت . 
فكيف تفعل ذلك ؟ كيف سنخرج من الحلم بينما ما زلنا نملك الوقت ؟ 
أولاً؛ ينبغي أن نتوقف عن حجب ضوء الصباح . اسأل نفسك : لماذا تهرب من الحياة ؟. هل هذا لمجرد إنقاذ نفسك من الجهد من اليقظة الحقيقية التي تتحداك ، وتنير حياتك ، وتضيء دربك وتستثيرك ؟. لا يستطيع أحد أن يقي نفسه من الإحساس بالخوف ، ولكن حاول أن تقلل عدد المرات التي تتصرف فيها بموجب هذا الخوف . ابحث عن تجارب الحياة .
والطريقة الأخرى لكي نستيقظ هي أن نقبل من نحن ! غير كاملين ولكننا فريدون . وحالما تدرك أنه منذ بدء الزمان لم يكن هناك أحد شبيه بك، وأن العالم لن يلامسه مرة ثانية ذات الصوت الذي هو صوتك ، عندها ، وبهذه الآراء وحدها ، وبهذا الحنان الخاص وهذا التبصر الخاص لن تريد أن تقضي حياتك وأنت تتبع الآخرين . ابحث عن لمحات ذاتك الحقيقية ، اقض وقتاً لوحدك ، فالهوية توجد في الصمت والوحدة ، وخاطر بتحقيق ما أنت عليه حقاً .
إن أهم طريقة لكي تستيقظ هي أن تعود إلى معجزة الطفل . ابحث عن المناسبات، وتمسك بالنهار كما يفعل الطفل ، انهض قبل الفجر في صباح ما ، وانظر إلى أعجوبة الخلق وهي تتكرر مرة أخرى ، انهض في الليل أيضاً وشاهد ضوء القمر في الشوارع الخالية ، راقب كيف تتلاعب الريح بالأوراق اللامعة لشجرات القيقب في الربيع .
إننا نعيش بشكل محتوم بين النور والظلام ، وبين الحياة والموت ، فنخرج يومياً من غابة الظلام ، ونعيش في أفق الشمس الساطعة ، ثم نعود ثانية إلى هبوط الليل ، "الآن أستلقي لكي أنام" . إن هذه الصلاة القصيرة تتحدث عن هذا الإيقاع الخالد . فعندما نعيش يوماً بغنىً ودفء ونحن نجري في ضوء الشمس ونضحك ونحب ، عندها يأتي الليل طلياً من دون أسف ، وربما سيأتي ذلك الليل الآخر ذلك الليل الأطول الذي نسميه الموت طلياً أيضاً . إذا كنا قد قضينا حياتنا بطريقة أسعدتنا ، وأسعدت الآخرين من حولنا ، إنه سيأتي طلياً ، ويجلب معه مثل كل الليالي التي عرفناها ، يقظة جديدة طلية .
* * *